زيد رعد الحسين.. الأمير الذي ألَب عليه حكومات العالم

عُرف المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين بصراحته التي جلبت له في الكثير من الأحيان انتقادات لاذعة. والآن بعد انتهاء مهمته، من المفيد التساؤل حول حصيلته كشخصية عربية على رأس مؤسسة أممية هامة؟
 
سواء تعلق الأمر بموضوع الروهينغا أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو قضايا الهجرة في أوروبا، عُرف زيد رعد الحسين، المفوض الأممي المنتهية ولايته، بجرأة وصراحة غير معهودتين في المنتظم الدولي حينما يرى أن قيم حقوق الإنسان تُنتهك. لم يتوارى الحسين في وصف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بـ"العنصري" والرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ"الخطير" ونصح الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي إلى الخضوع لـ"فحص نفسي".
 
ودافع رعد الحسين في أكثر من مناسبة عن مواقفه كمفوض أممي، ودأب على القول "إن الصمت لا يكسبك الاحترام"، ولكن هل كان هذا الأسلوب مفيدا ومثمرا؟ وهل تقدمت مهمة الأمم المتحدة في نشر ثقافة حقوق الإنسان؟ أم أن الأسلوب الصريح والمباشر وأحيانا المستفز يجعل الدول الأعضاء تتبرم عن التعاون مع المنظمة الدولية؟
 
أمير أردني بمشوار دولي
 
ينتمي الأمير رعد بن زيد الحسين للأسرة الهاشمية الأردنية، من مواليد 26 يناير/ كانون الثاني 1964. عمل مندوبا دائما لبلاده في الأمم المتحدة، ثم سفيرا في واشنطن وفي المكسيك. زوجته اليزابيث ليند من أصل سويدي حملت فيما بعد اسم الأميرة ماجدة رعد. وحسب موسوعة ويكيبيديا، تلقى الأمير رعد تعليمه في مدرسة ريد في إنجلترا ثم في جامعة جونز هوبكينز في الولايات المتحدة. ثم أصبح باحثا في كلية المسيح في جامعة كامبريدج حيث حصل على الدكتوراه عام 1993. كما لعب دورا في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وتولى مهمة المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 2014 كأول شخصية عربية تتولى هذا المنصب.
 
ومن النادر أن يضطلع أمير عربي بدور حقوقي من هذا النوع، فجبهة حقوق الإنسان جبهة حساسة في العلاقات الدولية تتابعها الحكومات بدقة. وقال زيد في حوار مع الصحافة في نيويورك "نحن لا نجلب الخزي للحكومات، بل هي التي تجلبه لنفسها". وتابع: "إنهم يجلبون لأنفسهم الخزي عندما يحرمون شعوبهم من الضروريات الأساسية لحياة كريمة، ويجلبون لأنفسهم الخزي عندما يمارسون التمييز ضد أجزاء من مجتمعاتهم، ويجلبون لأنفسهم الخزي عندما يثيرون الخوف ويجعلون الناس يخافون ويجبرونهم على الانحناء لإرادة الحكومة أو مواجهة العواقب". واعترف زيد بأنه "أثار غضب البعض بلسانه الحاد" ، لكنه قال إنه لا يشعر بأي ندم. ولم يخف الأمير في حديث سابق أن "ذلك كان قاسيا على عائلته وانعكس على علاقته مع حكومة بلاده".
 
أسلوب الأمير في الميزان
 
كتب السويسري نيلز ميلزر الذي عمل مستشارا قانونيا للجنة الدولية للصليب الأحمر، وكان أيضا مرشحا لخلافة الأمير رعد "على المفوض السامي المقبل أن يدرك أن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يعني مهاجمة الحكومات، هذه ليست مهاما هدفها إلقاء اللوم أو نسب أخطاء". واستطرد موضحا "لا يمكن للمفوض السامي أن يكون ناشطا" من أجل قضية. وأقر رعد الحسين لـ"بي بي سي" في حوار سابق أنه واجه انتقادات حتى من داخل الأمم المتحدة حيث اعتبر البعض أن مكتب المفوض السامي يفرط في "إعطاء دروس في الأخلاق"، حتى أن البعض طلب منه اعتماد "معجم مغاير" للتنديد بالتجاوزات في العالم.
 
غير أن هناك جهات أخرى أيدت عمل الأمير خصوصا أولئك الذين يعتبرون أن واجب المفوض السامي هو فضح انتهاكات حقوق الإنسان، إذ أوضح مدير قسم الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش لويه شاربونو أن "هذا جوهر الأمر. ليس المطلوب التصرف بلباقة" حين يستدعي الوضع توجيه انتقادات. وهو ما لخصته المفوضة السامية السابقة الايرلندية ماري روبنسون (1997-2002) بقولها "إن حققتم شعبية واسعة وأنتم تقومون بهذا العمل، فهذا يعني أنكم لا تقومون بعمل جيد".
 
ضغوط الدول الأعضاء
 
في وقت يخفض فيه الرئيس الأمريكي ترامب الدعم المالي للأمم المتحدة، تندد موسكو وبكين بانتقادات المنظمة الدولية، فيما يخشى الناشطون أن المنظمة الدولية أكثر تساهلا في قضايا حقوق الإنسان. فثمن وضوح بعض المواقف بشأن قضايا حقوق الإنسان لا يظهر في انتقادات الدول الأعضاء فقط، بل أيضا في اتخاذ بعضها لِخطوات راديكالية. فقد تميزت ولاية رعد بن الحسين بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان. وقد اعتبرت نيكي هيلي سفيرة واشنطن في المنتظم الأممي حينها، أن مجلس حقوق الانسان "أكبر فشل" للمنظمة الدولية، وذلك في معرض دفاعها عن انسحاب بلادها من الهيئة. وصرحت هيلي أمام مؤسسة "هريتدغ فاونديشن" في واشنطن أن المجلس ومقره جنيف "يؤمن تغطية ولا يوجه إدانات للأنظمة الأقل إنسانية في العالم".
 
وهذا ما يفسر ترحيب داني دانون المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة بانتهاء ولاية رعد الحسين إذ قال إنه (الحسين) لم يفوت أي فرصة لتلفيق الأكاذيب بشأن إسرائيل، وفق تعبيره. ووصف دانون فترة ولاية الأمير الأردني بأنها جعلت مجلس حقوق الإنسان مسرحا سخيفا للنفاق والمعايير المزدوجة.
 
وقد قرر الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش ترشيح ميشيل باشيليت، رئيسة تشيلي السابقة، لخلافة الأمير رعد بإبلاغه أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة وعددهم 193 دولة باختياره لتوافق عليها. باشيليت سيكون لها بالتأكيد أسلوبها الخاص، ومن السابق لأوانه الحكم على عملها الذي سيتابعه الحقوقيون بترقب.