القانوني السعودي د. حسن العمري يكتب: الحرب على اليمن - التضليل السعودي الرسمي .. حتى متى؟ (1-2)

الى متى تستمر الحكومة الجديدة في الرياض ممارسة التضليل بحقنا نحن المواطنين السعوديين وبحق إخواننا في العالم العربي والإسلامي ، لماذا الإصرار على تغييب الحقائق عن الرأي العام ، لماذا تسخير كل هذه المكنة الإعلامية لتغيير الحقائق ، هل يمكن إخفاء الحقيقة بتغيير المسميات ، او ببذل المال !؟

الشفافية كمصطلح مضادة للتضليل والتعتيم ، والشفافية تحتاج الي حوار ومكاشفة ، وعندما يكون هناك مجال للحوار ومناقشة القوانين والتعليمات والقرارات يعتبر نظام الحكم حينها شفافاً، وتضيق الفرص أمام الحكومة في إساءة استخدام السلطة لمصلحة مسوؤليها أو توريط شعبها في كوارث بسبب الإستبداد.

إن حق تداول المعلومات يعتبر ركنا أساسيا من أركان حرية الرأي والتعبير، بل إنه يعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان، وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن: “الحق في تداول المعلومات يعد من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو المحك لكل الحريات التي تكرسها الأمم المتحدة”
لقد كان قرار الحرب على اليمن خطأ إستراتيجياً كبيراً ، وكانت نتائجه كارثية ، وسيبقى لعقود مؤثراً على العلاقات بين الشعبين العربيين المسلمين المتجاورين .
وبعيداً عن الحديث عن أخلاقية وشرعية ومدى قانونية هذه الحرب مما تطرقنا اليه في غير موضع، فإن ما يعنينا هنا هوالتضليل الممنهج وعدم الشفافية التي تمارسها السلطة على أبناء الشعب السعودي.
لقد طال التضليل الإعلامي كافة الجوانب المتعلقة بحرب اليمن بدءاً من قرار الحرب الذي تم إتخاذه بشكل فردي وإستبدادي وإنتهاءا بطريقة إدارة الحرب وتعذر إنهاءها ، والهروب الي الأمام كمن أخذته العزة بالإثم ، وسنستعرض اوجه التضليل الحكومي في هذه النقاط:
التضليل بخصوص الأهداف الحقيقية وراء الحرب

لقد تم ممارسة التضليل الحكومي تجاه النوايا الحقيقية لهذه الحرب ، والتي تتمثل في إنزعاج مؤسسة الحكم لدينا من الثورة اليمنية في مخاضها الأخير والذي شهد تطوراً ملفتاً في الحراك الشعبي اليمني والذي ثار على البقية المتبقية من منظومة الفساد هناك ، وبالتالي خسارة أغلب المتنفذين القدماء وأرباب الفساد مكاسبهم ومواقعهم ، وبالتالي فإن الحلقة المفقودة هنا هي (الثورة المضادة) التي قامت بها الحكومة السعودية عندما عجزت عن إيقاف المد الثوري في الشارع اليمني بعد تغلب القوى الثورية واللجان الشعبية وإكتساح كافة محافظات اليمن ، وبدأت في تأسيس نظام جديد منعتق من التبعية للحكومة السعودية ، لذا وفي غمرة ما كان اليمنيون يتحاورون ، ويتغلبون على العقبات التي وضعها بعض معطلي الحوار في اليمن ، وعندما تم إصدار إعلان دستوري يمثل أغلب القوى الوطنية ، إذا بالحرب تبدأ لخلط الأوراق على الساحة اليمنية .

مما يجدر ذكره أن الحكومة السعودية ، قد خسرت حلفاءها التقليديين والمتمثل أكثرهم في (حزب الإصلاح) ممن ثار عليهم الشعب اليمني ممن كانوا حجرة عثرة في وجه التغيير والإستقلال اليمني الحقيقي .

التضليل الإعلامي بخصوص الشرعية الدينية للحرب

مارست المؤسسة الدينية السعودية الرسمية – إن جاز التعبير- دوراً كبيراً في تغييب العقل السعودى للمواطن العادي ، وذلك عبر التهليل والتطبيل لهذه الحرب وإلباسها لبوس القداسة والجهاد، فقد أعلنت هيئة كبار العلماء بالمملكة دعمها للعملية ، مؤكدة أنها جاءت لتحقيق المصالح العليا للأمة الإسلامية !!!!!!

وعلى خطى هذه الهيئة أعلن الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي تأييده للعمليات العسكرية الخليجية، بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن ، وقال الدكتور علي القره داغي، أمين عام الإتحاد : إنه يؤيد شرعية الرئيس عبد ربه منصورهادي باليمن، ويحق لهذه الشرعية الإستعانة بالخليج في محاربة الانقلاب الحوثي على الشرعية والثورة..).
كما لحقت بذلك رابطة علماء المسلمين حيث أصدرت بياناً، دعمت فيه العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن جاء فيه : (إن استنقاذ اليمن من براثن الاحتلال الإيراني الصفوي الأثيم واجب شرعي، وعلى المقاتلين باختلاف راياتهم أن يجمعوا أمرهم على تخليص اليمن من المشروع الفارسي البغيض، وكل جهد يبذل في هذا الصدد فهو مقدر مشكور..) .

كما عبر عدد من المشايخ والعلماء والدعاة من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي “تويتر” دعمهم لهذه الخطوة لوقف ما أسموه ( التمدد الصفوي الإيراني في المنطقة) حيث يقول د.ناصر العمرتعليقا على عملية (عاصفة الحزم): “أسال الله أن تكون عاصفة الحزم منقذة لليمن، رادعة للصفويين، ولكل من يعتدي على بلادنا وعلى بلاد المسلمين وأستشهد بالأية الكريمة (فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). !!!!

أما الدكتور سلمان العودة، فقد اعتبر عاصفة الحزم موقفا شجاعا ومنتظراً..
بينما يرى الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك أن قتال الحوثيين جهاد في سبيل الله!!!!!!!

كما أصدر أكثر من 70 من دعاة وعلماء السعودية بياناً يؤيدون فيه عاصفة الحزم .

وهنا وأمام هذا الكم الهائل من التحريض على الحرب ، ورغم إختلاف وجهات نظر هؤلاء الدعاة وهذه الهيئات حيال التكييف الشرعي الفقهي لهذه الحرب ، فمنهم من يراه جهاداً في سبيل الله تعالى ، بإعتبار من يتم قتلهم هناك (كفار) مثل بعض متطرفي السلفية التكفيريين ممن يكفرون (الشيعة) بكل فرقها ، ومنهم من يرى ذلك من باب حماية الحرمين الشريفين ، ولكن ممن ؟ يبدو من ظاهر حديثهم أنه من الحوثيين المرتبطين بإيران بإعتبارهم إما كفار كما سبق أو أنهم سيدنسون الأماكن المقدسة كما في المخيال السلفي الوهابي عن الشيعة !!!ومنهم من يذهب الي انه ( قتال بغاه) .

ولكن رغم هذه الجلبة الكبيرة فإن المتابع لايخفى عليه ملاحظة أن جميع هؤلاء العلماء وهذه الهيئات تنتمي في أغلبها الي خطين الأول الخط السلفي الوهابي ، والآخر الخط الإخواني الحركي ، ولن يعيا المتابع ليعرف أن التيار السلفي تيار متطرف وتكفيري في أغلبه ، أما التيار الإخواني ورغم تأثره بالتيار السلفي أيديولوجياً فإنه خط براغماتي ، إلتقت مصلحته مع قيادة عاصفة الحزم ، لتحقيق مكاسب مفقودة لحزبه وتيارة في اليمن ، كما يحاول إستعادة مكانته المفقودة أيضاً في مصر بسبب القيادة السابقة في المملكة ، كما أن هذا التيار لو تعارضت مصلحته مع هذه الحرب لوجد ألف طريقة وتبرير لمناكفتها .

مثل هذه الهيئات التي أنشأت بعضها الحكومة السعودية أو ساندتها ، في محاولة لضم أكبر قدر من العلماء للوقوف في صفها في بعض قضاياها لتبرير توجهاتها ، لاتمثل التيار العريض من العالم الإسلامي من المحيط إلى الخليج الذي إستنكر هذا العدوان ولم يقره ، فضلاً عن علماء ومثقفى العالم الإسلامي الذين إدانوا هذه الأعمال ، وكذلك برلمانات بعض الشعوب التي لم تؤيد هذه الحرب .

للأسف هذا التيار صوته عال ، ومن التضليل الإعلامي حصر العالم الإسلامي في مثل إختيار هذا التيار لهذا الموقف غير الأخلاقي وغير الشرعي من الإعتداء على المسلمين من أبناء الشعب اليمني تحت أسباب طائفية أو سياسية ضيقة .

ولتوضيح حجم التضليل الطائفي والديني في هذه الحرب فقد قامت المؤسسة الدينية بمحاولة شرعنة هذه الحرب وإلباسها لبوساً شرعياً عبر بعض الرموز السابقة ، وبإستثناء التيار المتطرف التكفيري الذي يبرر الحرب تحت لافته طائفية مستبطنة تكفير الشيعة ، فإن أغرب التبريرات التي إطلعت عليها في الإعلام كانت مداخلة الشيخ صالح المغامسي على إحدى القنوات الفضائية حيث ذكرأن هذه الحرب جهاد شرعي وقال أن موجب ذلك هو قطع الطريق على دولة إيران حتى لا تصل إلى الحرمين الشريفين عن طريق اليمن فتنال من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما !!!!!!!!

وهنا لن يحتاج أي متابع مستقل أن يعرف أن خشية ووصاية الشيخ على مصالح المسلمين ومقدساتهم من أن يجعلها أبناء اليمن ممراً لإيران – والتي هي دولة مسلمة - للوصول إلى الحرمين الشريفين !!! وكأن اليمن وأهله ليسوا بلد الحكمة والإيمان !!!
وإذا كان يخشى الشيخ أيضاً – بحسب كلامه – من وقوع الحرمين تحت من يكفر ويسب بعض الصحابة رضوان الله عليهم فإن كثيراً من المسلمين حول العالم ومنهم أبناء الشعب السعودي يعانون من بعض علماء هذا التيار الذين يكفرون أمة الإسلام قاطبةً ويهدمون أثارها !!!!!!
وهناك من ذهب من العلماء السابقين إلى أن التدخل العسكري من باب (قتال البغاه ) وفي هذا يتحدث أحد أهم متزعمي هذا التبرير وهو الدكتور/ محمد السعيدي السلفي التقليدي حيث يقول في إحدى تغريداته : (يجب علينا أن نقنع العالم الإسلامي بأسره أن عاصفة الحزم لهم جميعاً وليست لنا وحدنا ، بجب أن يدركوا أنها بمثابة دخول صلاح الدين للقاهرة والذي كان مقدمة لكل عمل جليل قام به بعد ذلك ) !!!!!
كما قال في إحدى مداخلاته على قناة العربية – والتي اصبحت غرفة عمليات لحرب إعلامية وتزوير للحقائق وجسراً للتضليل الذي تمارسة الحكومة على الشعب - يقول ما خلاصته : أن لهذا التدخل العسكري في اليمن مبرراته الشرعيه وانه لايوجد في الفقة الإسلامي حرب على الطوائف ، ولكن حرب على البغاة كما قال تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) والذي حدث من الحوثيين هو بغي من عام 1994 وتجاوز بغيهم 21 عاماً واستمرت حربهم مع الحكومة اليمنية 6 سنوات وأختتم مداخلته بأنه لاتوجد رسالة طائفية من وراء هذه الحرب .

ولكي نتمكن من معرفة ما إذا كانت هذه الحرب لردع البغاة كما تفضل الدكتور السعيدي فإننا لابد أن نعرض لمقدمة هامة لمعرفة خلفية ما حدث في اليمن طيلة عقود ونعرف ما إذا كان تنزيله (حكم قتال البغاة) صحيحاً أم لا ؟ أم أنه ينطلق من بعد طائفي وإقصاء ذو أبعاد سلفية ووهابية بشكل أكثر تحديداً .

فالحالة اليمنية لمن لايعرفها بسبب عقود من التضليل الإعلامي السعودي والذي مارست فيه السلطة السعودية ضد الشعب اليمني الكثير من أعمال التضييق والإقصاء والتحكم بمكوناته الداخلية منذ زمن طويل وبشكل ممنهج سواء على الجانب السياسي أو الطائفي وذلك منذ فترة مبكرة أي منذ الإنقلاب على حكم الأئمة في اليمن وهم أتباع المذهب الزيدي ممن ينسبون للإمام زيد بن علي “زين العابدين” بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين - وذلك بعد تدخل الجيش المصري ، ذلك التدخل الذي قدم للعائلة الحاكمة في السعودية خدمة جليلة حيث أراحها من الحكم الإمامي الهاشمي والذي طالما كانت تخشى منه ، فعملت مبكرا لإيجاد قدم لها في اليمن سياسيا وعقائديا فأوجدت لها حلفاء من داخل الساسة اليمنيين وكذلك حلفاء من شيوخ القبائل واستقطبت كل من يعادي الحكم الإمامي من الجمهوريين الجدد ، كما ساعدت الجمهوريين في تجريف المذهب الزيدي وتطويقة من منطلق طائفي وذلك بكل الوسائل وذلك بإحلال المذهب الوهابي بدلاً من المذهب الزيدي وبالفعل فقد تقلص وانكمش المذهب الزيدي في كثير من الأقاليم اليمنية ، ثم واصل إنكماشه إلى أن تقوقع كمذهب حي في إقليم إنطلاقته الأولى ألا وهي منطقة صعدة ومع ذلك لم يسلم من تحرشات الوهابية فقد دعم مشائخ الوهابية في هذا الإقليم وبالتحديد في قرية من قراه تسمى (دماج) شيخاً إسمه مقبل الوادعي والذي درس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة التي أنشأتها الحكومة السعودية وأنطلقت منها أفكار المذهب الوهابي خارجها، فبدأ هذا الشيخ وبدعم من مؤسسات دينية سعودية دعوته المتطرفة تحت ستار تعليم الحديث ولكن حقيقته بحسب ما يشتكي منه السكان الأصليين أنها كانت تكفير أهل صعدة من أصحاب المذهب الزيدي وتبديعهم في أضعف الحالات ودعوتهم للدخول في المذهب الوهابي باعتباره الفهم الصحيح للإسلام من وجهة نظره الوهابية مما جعل شيخاً من علماء الزيدية يؤسس داراً تعليمية دعويةً لمناهضة المذهب الوهابي التكفيري أسماها (حركة الشباب المؤمن) ولما أصبح لهذه الحركة حضوراً قوياً في مناهضة الوهابية بدأ التحريض السعودي لحلفائه في الجيش اليمني و (حزب الإصلاح ذو التوجهات الإخوانية) لمحاربة الحوثيين في صعدة وبالفعل شن الجيش اليمني بإيحاء ودعم من الحكومة السعودية ستة حروب ضد أهل صعدة المؤيدين للحوثيين في دفاعهم عن الزيدية ولكن فشلت جميع تلك الحروب واعتذرت الحكومة اليمنية فيما بعد من أهل صعدة عن تلك الحروب ، ولما قامت الثورة في اليمن وكان أهل صعدة جزءاً من مكونات تلك الثورة على نظام الرئيس علي صالح الذي دعمته السعودية ضد الثورة في اليمن حينها، وأجهضت ثورة الشباب وأحلت محلها المبادرة الخليجية التي هي في أساسها مبادرة سعودية للإلتفاف على الثورة والتي نتج عنها تنحية الرئيس السابق علي صالح وتولي الرئيس المستقيل حالياً عبد ربه هادي منصور مقاليد الرئاسة وكان الحوثيون فصيلاً سياسياً أصيلاً من الشعب لكن الرئيس عبدربه هادي بسبب ضعفه وعدم قدرته في قيادة المرحلة لم ينجح في زرع الثقة وإقناع الفرقاء بمخرجات يتفقون عليها فحصلت فوضى في إدارة المشهد السياسي اليمني واختلافات باتت تهدد كل مؤسسات الدولة بالإنهيار وتفسح المجال لتنظيم القاعدة بالتوسع والإنتشار فضلاً عن إستهداف ذلك التنظيم لهم بالعمليات الإنتحارية وتفجير المساجد ، على إثر ذلك إضطر الحوثيون بما لديهم من قوة ومخزون بشري يستند على الطيف الزيدي الذي يشكل أكثر من 30 في المائة من تعداد السكان اليمنيين ، ولكونهم من أهم مكونات المجتمع اليمني فقد وجدوا أنفسهم في طليعة المشهد السياسي في اليمن وعبر حوار وطني جاد وبمشاركة أغلب القوى الوطنية تصدوا لقيادة المرحلة خوفا من إنهيار الدولة ، بمعنى أنهم لم يعتدوا أو يستأثروا بالسلطة كما يحاول من يريد التضليل وقد يكون في هذا السرد الموجز إجابةً لمن يريد فهم مقصد الدكتور السعيدي الذي يصف المشهد بالبغي منذ 21 عاماً بمعزل عن هذه الحقائق والصيرورة التاريخية للمشهد الحالي في اليمن .

إنتهى الجزء الأول .

للمقال تكملة – غداً الجزء الثاني .

* موقع د.حسن العمري