الدكتور عمرو حمزاوي: الحرب السعودية على اليمن.. والصمت المخزي للإعلام العربي

منذ أيام قليلة، أعلنت السعودية ومعها الحكومات العربية الأخرى المشاركة فى الحرب على اليمن تحت مسمى «عاصفة الحزم» هدنة إنسانية مشروطة بأن تلتزم القوى اليمنية المناوئة للتدخل السعودى ــ جماعة الحوثيين وحلفاؤها ــ بإيقاف «أعمالها العدائية» وهجماتها الحدودية (فى المناطق المتاخمة للسعودية). منذ أيام قليلة أيضا، واصلت العمليات العسكرية لعاصفة الحزم إسقاط ضحايا مدنيين بين صفوف الشعب اليمنى المكلوم وتدمير منشآت عامة وخاصة ذات طابع مدنى (كمدارس ومستشفيات وطرق وبنى تحتية أخرى).

وبينما تناولت وسائل الإعلام العربية، المسيطر عليها ماليا من قبل بعض الحكومات الخليجية وبعض رءوس الأموال الخليجية كذلك، إعلان الهدنة الإنسانية بالكثير من الإشارات الإيجابية وبإشادات متكررة «بالحرص السعودى والخليجى» على اليمن واليمنيين، غابت بالكامل معالجة الكارثة الإنسانية الحقيقية التى أدت إليها الحرب على اليمن ومازالت ترتبها بضحايا مدنيين تتزايد أعدادهم باستمرار وتدمير للمنشآت والبنى التحتية مؤلم للغاية لليمن الفقير.

تماما كما صمت الإعلام العربى الممول خليجيا فى 2011 على الانتفاضة الشعبية فى البحرين وعلى التدخل العسكرى السعودى فى البحرين، تماما كما صمتت الصحف والقنوات الفضائية التى توجهها بعض الحكومات الخليجية ويسيطر عليها المال الخليجى على الأدوار السلبية التى لعبها الخليج فيما خص تسليح وتمويل قوى متطرفة وعنيفة فى سوريا وليبيا، تماما كما تصمت وسائل الإعلام ذاتها على انتهاكات الحقوق والحريات المتراكمة فى السعودية وبلدان الخليج الأخرى ــ يواصلون اليوم الصمت على الحرب الظالمة على اليمن وعلى كونها تشكل تدخلا عسكريا خطيرا من قبل حكومات وجيوش عربية فى بلد عربى لم يطلب شعبه لا تدخل السعودية والخليج ولا التدخل الإيرانى وعلى الكارثة الإنسانية التى تلحق باليمن فى سياق الصراع الإقليمى بين السعودية وإيران، بل يواصلون الصمت أيضا على أن الحرب على اليمن مهما طال أمد عملياتها العسكرية وغاراتها الجوية لن تأتى بحل ﻷزمة الصراع على السلطة بين القوى اليمنية المختلفة وحقيقة أن الحل الوحيد هو الحل التفاوضى المستند إلى تقاسم السلطة دون إقصاء أو استبعاد أو طائفية ومذهبية غريبتين عن اليمن صاحب الشعب المتحضر على الرغم من الفقر الدائم وعاديات اليوم ــ الحوثيون جزء من النسيج الوطنى فى اليمن شأنهم شأن القوى القبلية الأخرى فى الشمال والشرق والغرب وتلك المرتبطة بالحراك الجنوبى فى عدن وغيرها من الحواضر.

يصمتون على الحرب على اليمن، ويحولون الكارثة الإنسانية إلى مسكوت عنه، ويشيدون بعمليات عسكرية لا أفق حل سياسى ستأتى به وتسقط ضحايا مدنيين وتدمر منشآت وبنى البلد الفقير منذ بدأت. ثم يدعى بعضهم الالتزام الأخلاقى والرشادة العقلية لا حرب لا أخلاق ولا رشادة بها، أو يتناول بعضهم الآخر الحروب الأهلية فى مواقع عربية أخرى وانتهاكات الحقوق والحريات فى بلدان عربية غير خليجية وكأن ذلك سيعفى من المسئولية الأخلاقية عن ما يلحق باليمن أو يعتم على نحو لا نهائى على الانتهاكات والمظالم فى الخليج.

الإعلام العربى المستقل عن الحكومات السلطوية والأموال المتحالفة معها ضرورة قصوى، وغيابه يعنى استمرار الاستبداد والتطرف والجهل ومن ثم الإرهاب.

===============

# عمرو حمزاوي، أستاذ مساعد العلوم السياسة بجامعة القاهرة وعضو سابق في مجلس الشعب درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.

* المصدر: "الشروق" المصرية