رأي- خفايا الدور الإماراتي وإغراق السعودية في اليمن (1)

هناك مجموعة من الأسباب المتداخلة والمتعددة المستويات والأبعاد، والتي يمكن من خلالها فهم مواقف وسياسة نظام محمد بن زايد في اليمن والمنطقة عموماً، وكما يلي:

أولاً: أسباب مرتبطة بالعلاقة مع نظام الرئيس (الأسبق) واليمن الواحد:
- لم يقتصر الأمر على السعودية والكويت في معاقبة نظام صالح جراء موقفه من غزو الكويت، ودعمهما المحاولة الانفصالية الأولى عام 94م، فقد حقد النظام الإماراتي، بشدة، على نظام صالح، وذلك بسبب شن الإعلام اليمني، في تلك الفترة، حملة شديدة ضد الإمارات، وضد شخص الشيخ زايد خلال حرب الخليج الثانية، ويبدو أن الإمارات اعتبرت ذلك نكراناً للجميل من قبل صالح، وبالذات أن التهجم على الشيخ زايد جاء بعد سنوات بسيطة من بنائه سد مارب الجديد.

- تركزت ردة فعل الإمارات الانتقامية على قضية الوحدة، حيث رعت واستضافت أبوظبي، منذ وقت مبكر، القيادات الانفصالية، خاصة عقب حرب صيف 94م وحتى اللحظة، ولعلنا نتذكر كلام الشيخ زايد الداعم للانفصال، للوفد اليمني الذي زار أبوظبي خلال حرب 94م، حيث قال (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، ورد عليه أحد أعضاء الوفد (الوزير البطاني على ما أعتقد) بأن يبدؤوا الطلاق بين الإمارات السبع أولاً.

ثانياً: أسباب مرتبطة بعلاقة الإمارات مع السعودية وتباين أجندتهما في اليمن: وتبرز هنا نقطتان رئيسيتان هما:

الأولى: خلافات حدودية بين الدولتين خاصة أن السعودية لم تكتف بتنازل أبوظبي لها العام 1974م عن حقل الشيبة الذي ينتج 600 ألف برميل من النفط يومياً مقابل اعتراف السعودية بدولة الإمارات والوقوف إلى جانبها أمام الرفض العماني للدولة الجديدة، حيث بسطت الرياض سيطرتها على أراضٍ إماراتية أخرى، خاصة المناطق التي كانت تربط الإمارات بقطر براً، بل إن الرياض تمادت في أطماعها مدعية أن المنطقة البحرية المقابلة للشريط الساحلي بين الإمارات وقطر تابعة لها، وتحت هذه الادعاءات أفشلت خطط أبوظبي والدوحة لإقامة جسر بري يربط بينهما وكذا مشروع لمد أنابيب الغاز القطري إلى الامارات.

- أثار التسلط السعودي غضب الإمارات الشديد، ودفعها العام 2009م إلى وضع خارطة الإمارات الرسمية على بطاقة هويتها الوطنية، والتي تشتمل على المناطق والأراضي التي اغتصبتها السعودية منها، ما فجّر أزمة بين البلدين تجلت في منع السلطات السعودية الإماراتيين من الدخول إلى أراضيها بالبطاقة الشخصية المعمول بها بين دول الخليج، وهددت بإعادة العمل بجوازات السفر.

- كما كاد التوتر بين الدولتين أن يعصف بمجلس التعاون الخليجي عندما تفجر الخلاف بين أبوظبي والرياض جراء رفض الأخيرة طلب الأولى استضافة مقر البنك المركزي الخاص بالعملة الخليجية على أراضيها وما تلاه من انسحاب الإمارات من مشروع العملة الخليجية الموحدة، كما أظهرت الإمارات ودول خليجية أخرى تململها من سياسة الأخ الكبير الذي فرضته السعودية لعقود عليها، بل أظهرت الإمارات وقبلها قطر في السنوات الماضية توجهاً لمنافسة السعودية على النفوذ في دول المنطقة.

النقطة الثانية: تباين أجندة الدولتين في اليمن وأطماعهما التوسعية فيه: ويمكن إيضاح ذلك كما يلي:

1- تباين الأجندة في اليمن:
فرغم تماهي الدولتين بالنسبة للوضع في الجنوب ورغبتهما المشتركة لإعادة تقسيم اليمن، لكن مع تفاوت في توقيت حدوثه، فأبوظبي سارعت في الكشف العلني عن تلك النوايا والعمل على تحقيقها في أسرع وقت، وركزت نشاطها على تكريس وضع مستقل في المحافظات الجنوبية عن شقيقاتها الشمالية، في حين تفضل الرياض التأني إلى حين حسم المعركة في الشمال، ومن ثم دعم مسألة الفيدرالية المزمنة وحق تقرير المصير، وهو ما ظهر جلياً في مؤتمر القوى اليمنية في الرياض في مايو 2015م، الذي أقر ما أسماه حق الشعب في تقرير مكانته السياسية، كمدخل فرضته السعودية على القوى الشمالية للقبول مستقبلاً بالانفصال، مع ملاحظة أن الإقرار بذلك يمنح حضرموت ومناطق يمنية أخرى الحق مستقبلاً للمطالبة بالانفصال، في حين يظهر التباين الشديد في رؤية الدولتين بشأن الوضع في الشمال وموقفهما من قواه الرئيسية خاصة الاخوان والحوثيين والرئيس السابق وأقاربه ودورها المستقبلي في النظام.

2- صراع على النفوذ وأطماع توسعية للدولتين في اليمن:
- رغم حرص نظامي أبوظبي والرياض على احتواء الصراع بينهما وعدم خروجه إلى العلن خاصة بعد الاتفاق الذي توصل إليه محمد بن زايد والملك سلمان ونجله في طنجة المغربية في أغسطس 2015م على تقاسم النفوذ بين الدولتين في اليمن، حسب ما كشف عنه مركز "أنتليجنس أون لاين" الاستخباراتي الفرنسي، إلا أن العديد من الأحداث أظهرت خرق الدولتين لبنوده.

ظهر ذلك جلياً عندما قامت الإمارات قبل أشهر بسحب قواتها في عدن إلى منطقة جوار المطار مع رواج أخبار عن شكوك إماراتية في وقوف السعودية وراء تمكن مسلحين من إسقاط مروحيتين إماراتيتين في عدن وباب المندب خلال بضعة أيام، كما أظهر انتقاد وزير الشئون الخارجية الإماراتي أنور قراقاش لقرار هادي إقالة خالد بحاح، حجم الاستياء الإماراتي من حكومة هادي التي تدار من الرياض، وانعكس ذلك الاستياء في معاملة مهينة تعرضت لها حكومة بن دغر من قبل القوة الإماراتية خلال مكوثها في عدن لعدة أسابيع كإجبارها أعضاء الحكومة على الإقامة في ثلاث غرف فقط في قصر معاشيق الرئاسي، يضاف إلى ذلك إفشال القوة الإماراتية في المكلا بحضرموت لمحاولات بن دغر بيع ثلاثة ملايين ونصف برميل من نفط المسيلة قبل أن تتدخل السعودية في الموضوع.

- بالنسبة لأطماع الدولتين في اليمن، فغالبية اليمنيين يعرفون بشأن الأطماع السعودية في اليمن، فإلى جانب حرص السعودية على إبقاء الدولة اليمنية ضعيفة وتابعة لها، فإن أطماعها التوسعية تتركز بشكل رئيس على حضرموت، ورغبتها القديمة/ الجديدة في مد أنابيب النفط عبرها إلى البحر العربي، إضافة إلى ما كشفته دراسة نشرتها مجلة المهندس، الصادرة عن الهيئة السعودية للمهندسين، في أبريل 2016م، وأعادت نشرها غالبية الصحف السعودية تتحدث عن مشروع سعودي عملاق لحفر قناة بحرية (قناة سلمان) تمتد من الخليج العربي مروراً بصحراء الربع الخالي وحضرموت الى بحر العرب، والهدف منها تصدير النفط والذي سيختصر رحلات السفن (ما يقرب من 500 ميل)، والحد من أي خطر محتمل لإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران ،وإقامة مفاعلات نووية سعودية على ضفتي القناة في الربع الخالي.

- أما بالنسبة للأطماع الإماراتية في اليمن ، فالأمر يختلف فمازال الكثير من تفاصيلها غير معروف، إلا أن العديد من المؤشرات الدالة عليها بدأت في الظهور بقوة في الأشهر الأخيرة، والذي تسبب في تصاعد وتيرة الصراع الخفي بين الرياض وأبوظبي في اليمن، وبشكل عام يمكن القول إن الأطماع الإماراتية تتركز بدرجة رئيسية في ثلاث نقاط رئيسية، هي: ميناء عدن، حضرموت، وأرخبيل سقطرى، وهذا هو محور المقال المقبل، بعونه تعالى.

*عبدالعزيز ظافر معياد، كاتب وباحث من اليمن

[email protected]

[ المقال يعبر عن رأي كاتبه ]