عيد سعيد.. ولكن

لكن في عنوان هذه الزاوية، وفي محتواها تعبير عن النقص الذي تعاني منه أعيادنا والناتج عن مشكلات لا تحصى وفي مقدمتها تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والحروب العبثية المشتعلة في أكثر من قطر عربي، وبعضها أو كلها كفيل بأن يجعل من العيد اسماً لا معنى وعنوانا بلا محتوى. فأي عيد هو هذا اليوم الذي لا تتوقف فيه أصوات الصواريخ ولا دوي المدافع. هذا كله ما يجعل الفترة الراهنة التي تمر بها بعض الأقطار العربية غاية في السوء وغير مسبوقة في التاريخ القديم والحديث، وما تبعثه من مشاعر الأسى وعدم التجاوب الروحي والنفسي مع المناسبة السعيدة.

صحيح أن الوطن العربي، أو بعض أقطاره، قد شهد في الماضي القريب أشكالاً من المعاناة وتعرض للعدوان الاستعماري البغيض، إلاَّ أنه في غمرة المواجهة مع العدو كان قادراً على تجاوز الآلام واجتراح الفرح في حالة من التحدي والشعور بالانتصار على الألم، وذلك على العكس مما هو سائد من استسلام لمشاعر الخوف والقلق من الحاضر والمستقبل، وما تفرضه العوامل المختلفة من إحساس بفقدان الأمل. ولعل أسوأ ما يواجه الشعوب في حياتها أن تفقد الأمل وأن يستولى عليها اليأس بكل مؤثراته.

إن الصراع مع العدو وأياً كانت قوته ومصادر استعداده، تزيد الشعوب قوة وإصراراً على النصر، وترفع من درجة الأمل، لكن الصراع مع الأهل وبين الأهل يجعل الأمر مختلفاً ويدعو إلى الإحباط والشعور بالمرارة، وذلك ما يحدث لنا جميعاً في هذه اللحظة التي يبدو أنها ليست عابرة وأنها قد تطول وتجد من يذكي نيرانها من الخارج ويحرص على بقائها في حالة اشتعال خدمة لأهدافه التي لم تكن غامضة أو مجهولة. ومن هنا فلا أعيادنا سعيدة ولا حياتنا سعيدة، ولن يتغيرّ حالنا إلاَّ بموقف شجاع وجرئ ومكاشفة صادقة مع النفس تخرجها من سراديب الأوهام وتجعلها تعيد النظر في واقعها المحيط، وما يترتب عليه من هزيمة وانكسار.

عيد سعد ولكن، تلك هي الحقيقة المرّة التي تتجاهلها الأغلبية من أبناء وطننا الذي سقطت بعض أقطاره في أيدي قيادات غير أمينة أوردت بلدانها في مهاوي الحروب والخلافات المفتعلة وما تقود إليه من تضحيات ونزيف دموي لا يتوقف، ولا يشعر قادته ودعاته بأي معنى جميل للحياة ولا ببارقه أمل وفرح توحي بهما المناسبات السعيدة. ولنا بعد كل هذا الذي نرى أن نتذكر أن بعد كل ليل نهار، وبعد كل ظلمة نور، وأن أعياداً سعيدة ستأتي ولا يتبعها حرف "لكن" وما يمثله من سلبيات ويعبر عنه من استدراك لمعاني البهجة والأمل.

*من صفحة الدكتور المقالح على الفيس بوك