يا لها من متصهينة عمان!

استغل الناطق الرسمي للجماعة الحوثية محمد عبد السلام هجمة إسرائيلية من الهجومات المعتادة على سوريا، لكي يهاجم سلطنة عمان من داخلها، وبدا له أنه ذكي كفاية بطريقته تلك التي وضع فيها ما سماه الأنظمة المتصهينة في سلة واحدة ليبعد الضيف عن نفسه الحرج. لقد كان يعني سلطنة عمان قصدا، إذ جاء هجومه بعد تصريح يوسي كوهين رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي الذي ادعى فيه عودة العلاقات العمانية - الإسرائيلية من خلال فتح مكتب تمثيلي للخارجية الإسرائيلية في مسقط، وقوله إن سلطنة عمان وسيط سري في أزمات إقليمية عدة. ولأن الجماعة الحوثية تعاني خفة العقل، رأينا ناطقها الرسمي عبد السلام ينفي عن عمان ومثيلتها عروبتها، ويقارن بين جريمة الاعتداء، وبين ما سماه خطوات التطبيع من قبل بعض الأنظمة المتصهينة حسب وصفه (حيث استبدل كلمة المتصهينة بكلمة العربية). وأن هذه المتصهينة قد أغرت العدو لمواصلة تهديد أمن سوريا والمنطقة.
 
ومثل أي جماعة تسودها روح العصابات ظهر- وهو الناطق باسم الجماعة الحوثية- ليؤكد أن الجماعة مخولة برسم السياسة الخارجية للسلطنة وسائر الأنظمة العربية- الإسلامية، وهي التي تحدد ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الدول، وإن لم تفعل فهي متصهينة، وذلك ما تشي به عبارة الناطق الرسمي باسم الجماعة، إذ غرد يقول إن (الموقف الطبيعي) هو التصدي للخطر الصهيوني وليس التطبيع معه. وبالطبع ما تنعق به الجماعة مثال لذلك التصدي: الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود. أي سلاح الصرخة التي قدم بشأنها زعيم الجماعة الحوثية خطبة طويلة مكررة مملة قبل أيام، وعرج فيها إلى الأطراف المتصهينة ومنها سلطنة عمان التي شاركت في ورشة عمل مملكة البحرين أو مؤتمر البحرين حسب قوله، وقد جرى محمد عبد السلام في الهجوم مجرى سيده عبد الملك، ومن قلة حصافته أنه أسقط من اعتباره تقدير السلطنة التي تكرمه وكثير أمثاله الآن.
 
خمسون سنة مرت كان العرب فيها يسخرون كل شيء لاستعادة فلسطين، فذهب كل شيء ولم يرجعوا لنا برتقالة كما قال نزار قباني، وبينما كانت لدينا 20 دولة تسخر كل قدراتها لإقامة دولة فلسطين، طاحت معظم العشرين ولم يبق أمامنا اليوم سوى ثلاث أو أربع دول تنطبق عليها كلمة دولة، أما الفلسطينيون فلن تقم لهم دولة، إذا استمرت ردود الأفعال كما في السابق، ويبدو أنهم أنفسهم لا يريدون ذلك، فالوضع الحالي مريح بالنسبة لهم..
 
والحوثيون يريدون الآخرين يصرخون مثلهم: الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، لخمسة عقود إضافية، ثم يفتحوا عيونهم ليروا أن إسرائيل قد زالت من الوجود، وأن اليهود قد مسخوا قردة وخنازير، ودولة فلسطين صارت منتصبة!! سلطنة عمان تفكر بطريقة مختلفة، وقبل السلطان كان الرئيس أنور السادات أعدل المخلوقات رؤية.. ولكن الجماعة الحوثية تستكثر عليهم حتى كلمة عرب، وتعتبرهم صهاينة أو أنظمة متصهينة، حسب تعبير الناطق باسمها محمد عبد السلام الذي راح يغمز السلطنة ويصهينها بناء على كلام قاله رئيس مخابرات إسرائيل.
 
والحال أنه لا يوجد تمثيل دبلوماسي عماني- إسرائيلي متبادل أو أحادي في الوقت الراهن يبرر صهينة محمد عبد السلام للعمانيين، بل هناك ترتيبات لفتح سفارة للسلطنة إلى السلطة الفلسطينية، ومزاعم أو قالة يوسي كوهين تلك كذبتها وزارة خارجية السلطنة، التي أكدت في الوقت حينه أنها تسعى لدى أطراف إقليمية ودولية للقيام بدورها في إيجاد حالة سلام بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل يقود إلى دولة فلسطينية مستقلة.
 
وهذا الذي سبق لا ينفي سعي سلطنة عمان منذ مدة زمنية بعيدة نسبيا للتطبيع مع إسرائيل في المستقبل، ومن حقها وحدها أن تحدد سياستها الخارجية وعلاقتها بالدول وليس غيرها، وقد أشرنا قبل إلى بعض الاعتبارات، ودليل السير على ذلك المسعى الاتصالات المتقطعة بين الطرفين منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي حالات منها كانت على مستوى رفيع، فقبل زيارة رئيس الوزراء نتنياهو للسلطنة قبل ثمانية أشهر زارها شيمون بيريز عام 1994، كما زار القدس مسئولون عمانيون خلال تلك الفترة، وكان هناك مكتب تمثيل تجاري عماني في تل ابيب، وآخر إسرائيلي في مسقط، وقد اقفلته السلطنة تضامنا مع الشعب الفلسطيني، واحتجاجا على القمع الإسرائيلي للفلسطينيين إبان ما سمي الانتفاضة الثانية قبل تسع سنوات، الأمر الذي يظهر لنا أن السلطنة لا تقبل تحقيق مصالحها على حساب فلسطين والفلسطينيين والقضية الفلسطينية.