تعرف على أكبر كهوف العالم التي تضاهي في ارتفاعها ناطحات السحاب

لن تحتاج للانحناء قبل دخول كهوف إقليم كوانغ بنه في وسط فيتنام، فهذه الكهوف من الضخامة حتى أنها تكفي لاستيعاب مبنى مكون من 40 طابقا.

وتضم هذه الشبكة من الأنفاق والممرات تحت الأرض ثلاثة من أكبر الكهوف في العالم، بالإضافة إلى مئات الكهوف الجيرية التي تحتضن مغارات وأنهارا جوفية. وتُكتشف سنويا كهوف ضخمة جديدة في هذه المنطقة التي أمطرتها الولايات المتحدة بالقنابل أثناء حرب فيتنام، وبعدها ظل الفقر جاثما على صدور الفيتنامين لأكثر من عقد من الزمان.

لكن إقليم كوانغ بنه أصبح الآن مقصدا للسياح الراغبين في استكشاف الكهوف الطبيعية، إذ يضم الإقليم متنزها قوميا، أدرجته منظمة اليونيسكو في قائمة التراث العالمي، تبلغ مساحته 126 ألف هكتار، وتخفي أشجاره الاستوائية الكثيفة عالما تحت الأرض تصل مساحته إلى 104 كيلومترات، ولهذا يعد المتنزه أكبر نظام بيئي للغابات والكهوف الكارستية على وجه الأرض.

وزرت مؤخرا بعض كهوف فيتنام المهيبة، بما فيها أحد الكهوف الذي افتتح للجمهور منذ عدة أشهر. لكن أشهر الكهوف في فيتنام، هو سون دونغ، الذي يحظى بالنصيب الأكبر من الاهتمام الإعلامي كونه يعد أكبر كهف في العالم. ويبلغ ارتفاع سون دونغ 200 متر واتساعه خمسة كليومترات.

وقد اكتشف حطّاب فيتنامي هذا الكهف بمحض الصدفة في عام 1991، ثم توافد عليه العلماء في عام 2009 لسبر أغواره قبل افتتاحه للزوار في عام 2013. إلا أنه لا يُسمح بدخول هذا الكهف إلا لعدد محدود من الزوار، لا يتعدى ألف زائر سنويا، وتصل تكلفة الزيارة الواحدة إلى ما يعادل 2,384 جنيه إسترليني للفرد الواحد، ولهذا يؤثر أغلب الزائرين استكشاف بعض الكهوف الأخرى المعروفة في الإقليم، التي يقدر عددها بالمئات.

وتضم بعض الكهوف طرقا عريضة يسهل السير عليها، وأضيئت الأعمدة الهابطة التي تتدلى من سقفها والأعمدة الصاعدة التي تكونت بفعل الترسبات على أراضيها بمصابيح، في حين أن بعض الكهوف كان غير مجهز على الإطلاق، ويتطلب السير بين جنباته مرشدا. لكن إجمالا، يتسع نطاق هذا النظام الإيكولوجي الهش تحت الأرض باستمرار، وتفتتح كهوف جديدة للزوار سنويا.

ويقول هاورد ليمبرت، من جمعية أبحاث الكهوف البريطانية، إنهم لم يستكشفوا حتى الآن سوى 30 في فقط من المنطقة، ولا تزال الأراضي مليئة بالأسرار التي لم تستكشف بعد.

وبحسب هاورد، تكونت هذه الكهوف في إقليم كوانغ بنه بفعل الأمطار الغزيرة التي تغلغت في الحجر الجيري وأدت إلى تراكم الرواسب على مدى 450 مليون عام. وساعدت الصخور الصلبة غير الرسوبية، في توجيه مياه الأمطار لتكوين الأنهار الجوفية والحجرات الضخمة التي تمتد لمسافة كيلومترات عدة.

وعن التجاويف التي توجد في أسقف بعض الكهوف التي يصل ارتفاعها لمئات الأمتار، يقول هاورد إنها تشكلت بفعل الدوامات المائية، عندما يمتلئ الكهف بالماء بسبب السيول المصاحبة للرياح الموسمية في شهر الخريف.

وتتركز هذه الكهوف والمغارات والغابات في متنزه فونغ نا-كي بانغ الوطني، الذي يبعد 50 دقيقة عن بلدة دونغ هوي الساحلية. وفي بلدة فونغ نا المتواضعة، تتناثر دور ضيافة خاصة تديرها عائلات فيتنامية، على ضفاف النهر المحاط بالجبال، حيث تتهادى القوارب الطويلة التي يستقلها الفيتناميون لقطف العشب النهري لاستخدامه في إطعام الأسماك في المزارع السمكية. ولا توجد حتى الآن منتجعات سياحية في المنطقة، لكن اللافت أن جميع الفنادق والمشروعات في المنطقة تقريبا يديرها فيتناميون.

واجتزت طريق هو شي مين، الذي كان يستخدم لنقل المعدات الحربية والجنود أثناء حرب فيتنام، بالدراجة البخارية، ورأيت الأشجار الباسقة يظلل بعضها بعضا وسط الجبال الخضراء التي تشرف على واد عميق يقطعه نهر بني موحل.

واستوقفني نصب تذكاري للجنود الفيتناميين الذين حبستهم غارة أمريكية في عام 1972 داخل كهف هانغ تام كو، وقضوا نحبهم وسط الظلام.

وحتى هذه اللحظة لم أر مطلقا كهفا أروع من هانغ تام كو. وتقدم شركات سياحية في المنطقة رحلات تتيح لك الفرصة لزيارة كهوف عديدة لا يمكنك دخولها بمفردك.

ورافقت عشرات السياح في زيارة لمجموعة كهوف تو لان، التي تبعد 70 كيلومترا عن المتنزه الوطني. وشهدت الجبال المحيطة بالكهف تصوير فيلم "كونغ: جزيرة الجماجم"، واستمتعت بمشاهدة مناظر تحبس الأنفاس عند مرورنا بالقرى الزاخرة بقمم الجبال الخضراء الحادة الشاهقة.

وبدأنا السير في طريق غير ممهد يقود إلى غابة كثيفة الأشجار، وكان الطريق الضيق يغص بالأغصان المتشابكة وصخور الحجر الجيري المسننة. وأشار المرشد إلى آثار أقدام دب أسود وسمعنا حفيف أوراق الشجر التي يختبئ وراءها قرد صغير.

وكانت الرطوبة عالية، وسرعان ما صرت أتصبب عرقا. ووصلنا إلى مدخل مغارة في جوف الجبل، وأضاءت لنا المصابيح الصغيرة على خوذاتنا الطريق داخل الكهف حالك السواد. ووجدنا في كل حجرة من حجرات الكهف متعة خاصة تنفرد بها عن غيرها، إذ مشينا على الأراضي الرملية وبرك المياه الكبريتية، وتسلقنا التكوينات الصخرية التي تشبه الأفاعي الحلزونية الضخمة حتى وصلنا إلى البحيرة فاقعة الزرقة التي يبلغ اتساعها كيلومترا.

وفي رحلتنا لوادي ما دا، أعادتنا مركبة قديمة كانت تستخدم في الحرب الفيتنامية إلى المتنزه القومي، حيث عبرنا الأنهار وتسلقنا الجسور المصنوعة من جذوع الأشجار حتى وصلنا إلى كهف آخر، وسبحنا لمسافة كيلومتر في نهر جوفي مظلم بينما كانت الخفافيش تمر فوق رؤوسنا.

ويقول المرشد الفيتنامي، إنه يستكشف الغابة بين الحين والآخر متسلحا بمنجل وحبل ومشعل، واكتشف بنفسه عدة كهوف، ويقول إنه يتبع الأنهار عادة لكي يعثر على الكهف.

وعلى بُعد نحو 80 كيلومترا، يقع كهف فو نغوين غياب، الذي سمي على اسم الجنرال الفيتنامي الشمالي الذي درب نفسه ذاتيا وتمكن من هزيمة الفرنسيين في عام 1954 والأمريكيين والفيتناميين الجنوبيين في السبعينيات من القرن الماضي.

وأمضى الجنرال غياب عامين في هذا الكهف الذي يبلغ عمقه خمسة كيلومترات إبان الحرب الفيتنامية، وكان الجنرال الذي توفي عام 2013 عن عمر يناهز 102 عاما، يتحصن يوما ما بالكهوف هربا من القنابل الأمريكية، لكنه أدرك بعد أن حل السلام في المنطقة إمكانية استغلال هذه المغارات كوجهة للسياحة البيئية.

ويلعب الجنرال غياب دورا كبيرا في حماية المنطقة من الزحف العمراني، حتى بعد وفاته. إذ التقي هاورد ليمبرت وزوجته في عام 1992، وحثهم في خطاب على أهمية الاعتناء بالكهوف والحفاظ عليها.

وقد حاول مقاولون على مر السنوات، استغلال هذه الجبال في أنشطة التعدين، أو في مشروعات عربات النقل المعلقة، لكن ليمبرت كان دائما يريهم خطاب الجنرال غياب فيصرفون النظر على الفور.

وطالما اتخذ الناس من الكهوف مآوي ومخابئ ومصدرا للإلهام الفني والأدبي ومرجعا لدراسة العوامل الطبيعية وراء تكوين التضاريس الجغرافية. لكن في كونغ بنه، لا توفر الكهوف فرصا للمغامرات والاستكشاف فحسب، بل يعلق سكانها عليها أيضا الآمال في حفظ واحدة من أروع مناطق جنوب شرق آسيا على الاطلاق.