قانون جديد للمحكمة الاتحادية يقرّب العراق من الدولة الدينية على الطريقة الإيرانية

تمضي دوائر عراقية نافذة بثبات نحو فرض قانون جديد للمحكمة الاتحادية يوطّد سلطة رجال الدين على حساب رجال القانون والسياسة المدنيين، ويرسّخ الدولة العراقية في طابع ديني أقرب إلى الصيغة الإيرانية حيث يلعب عدد محدود من رجال الدين دورا محوريا في تحديد الخيارات الكبرى للبلد وصياغة سياساته وإملاء قراراته بطريقة فوقية مسقطة تتجاوز المؤسسات التي يظل دورها أقرب إلى الديكور الذي يضفي مسحة من “المدنية والديقراطية” على الدولة الثيوقراطية في الأساس.
 
وأكّدت مصادر برلمانية وضع مشروع قانون المحكمة الاتحادية على رأس جدول أعمال مجلس النواب (البرلمان) العراقي خلال الفصل التشريعي الذي يبدأ بعد نحو شهر من الآن.
 
ووفق النسخة الأوّلية من مشروع القانون سيكون بالإمكان ترشيح رجال دين لعضوية الهيئة القضائية للمحكمة، ما يعني منح سلطة فعلية لهؤلاء في عملية صياغة القوانين ومطابقتها مع الشريعة الإسلامية وفق قراءاتهم التي لا يمكن لها إلاّ أن تكون متأثرة بمشاربهم وانتماءاتهم بما في ذلك الطائفية منها.
 
والمحكمة الاتحادية هي أعلى سلطة للفصل في النزاعات بين السلطات التنفيذية، كما أنها تحتكر حق تفسير النصوص الدستورية الخلافية، لذلك توصف بأنها “الحارس الأخير” على الدستور.
 
ويقول الخبير القانوني محمد الشريف “إن الدستور العراقي لم يمنح رجال الدين صلاحية المشاركة في قرارات المحكمة الاتحادية العليا”، لافتا إلى أن “القواعد العامة تنص على أن الخبراء في الشريعة الإسلامية وفي المجالات الأخرى يقدمون تقارير فنيّة استشارية غير ملزمة تدخل ضمن اختصاصهم العلمي”.
 
كذلك سيفتح القانون في حال إقراره فصلا جديدا من التمييز بين العراقيين على أساس ديني وطائفي. وسبق لرئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم لويس ساكو، أنّ وجه رسالة إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، داعيا إياه إلى إيقاف مناقشة مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا. وقال في رسالته “لقد فوجئنا بمشروع قُدِّمَ
لمجلس النواب لإعطاء صبغة دينية للمحكمة الاتحادية العليا، بتعيين خبراء لها في الشريعة الإسلامية، ممن يرشّحهم ديوان الوقف الشيعي والسني، في حين تم إقصاء ديوان أوقاف الديانات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائية”.
 
وبدأت أصداء إقحام رجال الدين في عملية تشريع القوانين العراقية وتأثير ذلك على “مدنية” الدولة العراقية تتجاوز حدود العراق لتأخذ بعدا دوليا.
 
وكتبت نينا شيا من “معهد هدسون” أنّ من شأن القانون الذي سيعكف البرلمان العراقي على تمريره “أن يربط العراق بالحكم الثيوقراطي لجارته (إيران) ويقوّض ديمقراطيته الهشة ويعرّض الحرية الدينية وغيرها من الحقوق الأساسية للخطر”.
 
ولفتت ذات الباحثة المتخصّصة في حقوق الإنسان والدفاع عن الحرّيات الدينية إلى أن القضاة الإسلاميين سيحصلون بمقتضى ذلك القانون على سلطات معززة لاستخدام حق النقض ضد القوانين التي يرون أنها تتعارض مع الإسلام، أي القوانين التي أقرها البرلمان المنتخب. ومن المرجح أن يتم اختيار هؤلاء الفقهاء من طائفة الشيعة الإثني عشرية المهيمنة في العراق، وهي أيضا الطائفة الحاكمة في إيران.
 
وتلفت الباحثة إلى الفقرة الثانية من مشروع القانون والتي تنصّ على منح أربعة مقاعد جديدة بالمحكمة العليا لرجال دين إسلاميين للعمل ليس كمستشارين بل كقضاة يتمتعون بسلطة استثنائية من حق النقض إلى ضمان تطبيق حكم دستوري ينص على أنه “لا يجوز سن قانون يتعارض مع الأحكام المقررة في الإسلام”
 
واستشهدت الباحثة برأي السياسي المسيحي العراقي جوزيف صليوا الذي يعتبر أنّ صيغة القانون التي تتم دراستها الآن في العراق مستوردة مباشرة من إيران، حيث يكون مجمع تشخيص مصلحة النظام مسؤولا عن تعيين المرشد الأعلى، الذي يتمتع بسلطة مطلقة لفرض نظام ولاية الفقيه.
 
ولا تفصل الدوائر المدافعة عن مدنية الدولة العراقية عملية إقحام “فقهاء” في تشريع القوانين وتطبيقها، عن مساعي الأحزاب الدينية لتوطيد سلطتها في البلاد، وذلك بعد أن سقطت هيبتها في عين المواطن العراقي الذي خبر فشلها وعدم جدارتها بقيادة الدولة بفعل النتائج الكارثية لتجربتها في الحكم.
 
ويقول الخبير محمد الشريف “أصبح واضحا أنّ الهدف من وضع خبراء الشريعة الإسلامية في المحكمة الاتحادية العليا وإعطائهم الأولوية في القرار على حساب القضاة، هو الهيمنة على أعلى الهيئات القضائية العراقية وجعلها بيد الأحزاب”.