إيران تدفع العراق إلى الفوضى الشاملة

ينبغي أن ننظر بواقعية إلى جميع السيناريوهات التي يمكن أن تؤدي إليها ثورة الشبان العراقيين المحرومين من أبسط مقومات الحياة للمطالبة بحقوقهم ووضع حد لطغيان الفساد وسرقة مقدراتهم ومصيرهم.

وينبغي أولا عدم استبعاد أن تعمل الأطراف التي تستخدم معهم أقسى درجات القمع، على تأجيج عنف الاحتجاجات في الوقت نفسه من خلال مندسين تابعين لها ومحاولة جرّ الغضب الشعبي إلى مسار يقود إلى الفوضى الشاملة.

انفجار الشارع العراقي بوجه النظام السياسي أمر حتمي ويحظى بتأييد وتعاطف جميع الحريصين على استعادة سيادة العراق واستقراره، بعد أكثر من 16 عاما من غزو عصابات الإسلام السياسي، التي طردت جميع آثار المهنية والكفاءة من مؤسسات الدولة وهدمت مفاصل الاقتصاد والخدمات العامة، التي يمكن أن تجعل الحياة ممكنة.

في أفضل السيناريوهات يمكن أن ترعب تلك الاحتجاجات الأطراف السياسية المتنفذة وتجبر الحكومة على أن تعلن عن إجراءات لمكافحة الفساد والاستعانة بشخصيات أكثر كفاءة لإصلاح خراب الأجهزة الحكومية. وقد بدأت بالفعل بوادر ذلك في إعلان إحالة أشخاص متهمين بالفساد إلى القضاء.

لكن تلك الإجراءات ستتكون ترقيعية لأنها ستصدر عن الجهات المتهمة ولن تصل إلى أكبر الفاسدين، لأن اقترابها منهم سيقوض سلطتها.

بعض الأطراف المستفيدة من السلطة لا تريد السقوط في الفوضى الشاملة لأنها تريد الاحتفاظ بمكاسبها، لكن لا بدّ من الانتباه إلى وجود أطراف تدين بالولاء المطلق لطهران، ويمكن أن تتلقى أوامر بالدفع إلى تلك الفوضى لأنها قد تكون آخر سيناريو لإنقاذ النظام الإيراني من السقوط.

جربت طهران المختنقة بشكل لم تعرفه أي عقوبات سابقة في التاريخ الحديث، حماقات كثيرة مثل مهاجمة السفن وإسقاط طائرة أميركية مسيرة، ووصلت إلى أكبر الحماقات بضرب أكبر شريان للطاقة العالمية في السعودية على أمل تغيير حقائق اختناقها الاقتصادي، لكن ذلك لم يسعفها.

كل ذلك يؤكد أن النظام الإيراني مستعد لفعل أي شيء، لتخفيف العقوبات ولو بدرجة ضئيلة، بعد أن أكد على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني أن هذه العقوبات خارج أي قدرة على الاحتمال.

هل يمكن أن تتردد طهران في إشعال الفوضى الشاملة لتصل إلى إيقاف صادرات النفط العراقية، على أمل أن يعجز العالم عن تعويض تلك الصادرات فيتغاضى عن عودتها لتصدير النفط؟

ذلك السيناريو ربما لا يزال بعيدا وقد تتصدى له أطراف دولية ومحلية، لكن درجة العنف المفرط الذي استخدم في قمع المتظاهرين يؤكد وجود أطراف تسعى إلى ذلك الهدف.

معظم التسجيلات التي نشرت من قلب الاحتجاجات، أكدت أن إطلاق الرصاص جاء من أشخاص ملثمين خاصة في المبنى المطلّ على ساحة التحرير، إضافة إلى مسلحين بملابس مدنية.

كما أن جميع المحتجين الشباب الذين ظهروا في تسجيلات الفيديو التي نشرت في اليوم الأول قبل قطع الإنترنت، أكدوا أن قوات الجيش والشرطة لم تطلق النار على المتظاهرين.

هناك ميليشيات عراقية تابعة للحرس الثوري الإيراني وهي جزء لا يتجزأ منه، تخشى من أن الغايات النهائية للاحتجاجات ستؤدي حتما إلى نهاية دورها، إذا ما أدت إلى إجبار الحكومة على محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة.

لذلك لا يمكن استبعاد أن تندس تلك الميليشيات في جبهتي الصراع فتقوم بقتل المتظاهرين والتنكيل بهم، وتستخدم أذرعها في الوقت نفسه في تأجيج الاحتجاجات وإرسال أفرادها لحرق مؤسسات الدولة والدفع نحو الفوضى الشاملة.

التقدير الواقعي يؤكد أن الاحتجاجات لا تملك عصا سحرية لبناء دولة مهنية بديلة وإصلاح الخراب الشامل وتحقيق مطالب المحتجين بين ليلة وضحاها.

ينبغي أن ندرك أن نظام طهران أصبح في طريق مسدود، وأن بقاءه بصيغته الحالية، التي تسمح له بالتدخل في شؤون جميع الدول الأخرى، أصبح من الماضي، بعد اتساع الإجماع العالمي على ضرورة إنهاء سياسات النظام الإيراني المزعزعة لاستقرار الدول الأخرى من خلال دعم الميليشيات والجماعات المتمردة.

لم تعد طهران تحلم بزوال العقوبات، وأصبحت أقصى أهدافها تقتصر على تصدير ولو كمية قليلة من النفط من أجل تفادي حتمية سقوط النظام إذا استمرت العقوبات بصيغتها الحالية.

في هذا الاختناق التام ومع تزايد إدراك النظام الإيراني أنه في حفرة عميقة تزداد اتساعا يوما بعد يوم وتجعل سقوطه أمرا حتميا، فإنه لن يتردد في دفع العراق إلى الفوضى الشاملة، حتى لو كان ذلك يحمل أملا ضئيلا بإنقاذه من تلك النهاية.

ينبغي على المحتجين والأجهزة العراقية غير الخاضعة كليا لسلطة إيران والتي لا تريد انهيار البلد، أن تحذر من هذا السيناريو، الذي يمكن أن يدخل البلاد في أزمة أكبر بكثير من جميع الكوارث التي مرّت بالبلاد حتى الآن.

*نقلا عن "العرب"