فرنسا تحمّل الولايات المتحدة وتركيا "مسؤولية" ما يحصل في شمال سوريا

حمّل رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب الثلاثاء تركيا والولايات المتحدة "مسؤولية" ما آل إليه الوضع في شمال شرق سوريا، وفي "المنطقة" بشكل عام. وأكد أن الحل السياسي في سوريا يبتعد مع كل تقدم لأنقرة. وبعد أسبوع من بدء الهجوم التركي على القوات الكردية في شمال سوريا، سيطر الجيش السوري الثلاثاء على منبج، وقتل جنديان تركيان.
 
قال رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب الثلاثاء إن تركيا والولايات المتحدة "تتحملان مسؤولية كبيرة جدا" إزاء ما آل إليه الوضع في شمال شرق سوريا، وفي "المنطقة" بشكل عام، معربا عن "الأسف" لصدور "قرارات كارثية" خلال الفترة الأخيرة.
 
وصرح فيليب أنه ستكون لهذه القرارات "تداعيات خطيرة جدا" معربا عن "استهجانه" لها، وذلك في رد على أسئلة كثيرة طرحت عليه أمام الجمعية الوطنية بشأن الهجوم التركي على القوات الكردية في شمال سوريا، بعد إعلان واشنطن سحب قواتها من هذه المنطقة.
 
وأضاف رئيس الحكومة الفرنسية "أن الذين اتخذوا هذه القرارات يتحملون مسؤولية كبيرة جدا في المنطقة"، معتبرا أن هذه القرارات "تعيد النظر في خمس سنوات من جهود قوات التحالف الدولي والتي كان الأمريكيون الشريك الأساسي فيها" ضد تنظيم "داعش".
 
وتابع "نلاحظ أن الفوضى التي بدأت بالظهور" ستساعد على عودة تنظيم "داعش".
 
وقال المسؤول الفرنسي أيضا "إن هذه القرارات كارثية لقوات سوريا الديمقراطية"، موجها تحية إلى "ما نحن مدينون لهم" في الحرب ضد التنظيم الجهادي.
 
وتابع إدوار فيليب قائلا إن القرارات "كارثية للسكان المدنيين، وكارثية لعملية البحث عن حل سياسي في سوريا الذي يبتعد مع كل تقدم لتركيا".
 
وردا على سؤال حول تواجد القوات الخاصة الفرنسية في شمال سوريا وعن سلامة هذه القوات، قال رئيس الحكومة الفرنسية إن "هناك مستشارين مدنيين وعسكريين فرنسيين في شمال شرق سوريا". وخلص إلى القول "هدفنا الأساسي هو العمل لضمان سلامتهم وهذا ما نقوم به".
 
أكراد سوريا يدافعون بشراسة عن بلدة حدودية
 
وتدافع قوات سوريا الديمقراطية بشراسة عن بلدة رأس العين الحدودية في شمال شرق سوريا بعد أسبوع من هجوم تركي واسع غيّر خريطة التحالفات في البلاد، في وقت أعلنت موسكو أن قواتها تسيّر دوريات في محيط مدينة منبج (شمال) لمنع احتكاك تركي مع قوات النظام السوري.
 
وهو اليوم السابع للهجوم التركي على القوات الكردية في شمال سوريا الذي تسبّب بموجة نزوح ضخمة وأجبر منظمات إغاثة دولية على تعليق عملها.
 
ومن المتوقع أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا مغلقا الأربعاء حول الهجوم التركي، هو الثاني خلال أسبوع، بناء على طلب تقدمت به دول أوروبية بينها فرنسا وألمانيا.
 
وشنّت قوات سوريا الديمقراطية، وعمودها الفقري المقاتلون الأكراد، هجوما مضادا ضد القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في منطقة رأس العين الحدودية، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء.
 
وأفاد مراسل لوكالة الأنباء الفرنسية عند أطراف المدينة عن اشتباكات عنيفة مستمرة.
 
وأوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن "صمود قوات سوريا الديمقراطية في رأس العين ناتج عن تحصينات وأنفاق يتحركون عبرها، فضلا عن تعزيزات لم تتوقف عن الوصول إليها".
 
وتمكنت تركيا ومقاتلون سوريون موالون لها خلال أسبوع من الهجوم، من السيطرة على منطقة حدودية تمتد بطول 120 كيلومترا تمتد من محيط بلدة رأس العين (شمال الحسكة) وصولا إلى مدينة تل أبيض (شمال الرقة). وتمكنت من التقدم في بعض المناطق إلى عمق يتخطى ثلاثين كيلومترا.
 
في موازاة ذلك، تابعت قوات النظام لليوم الثاني على التوالي انتشارها في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، استنادا إلى اتفاق بين الطرفين تم برعاية روسية.
 
ورفع جنود سوريون الثلاثاء، وفق المرصد، العلم السوري داخل مدينة منبج في شمال محافظة حلب، غداة دخولهم إليها ليلا.
 
وأكد التحالف الدولي بقيادة واشنطن الثلاثاء مغادرة قواته منطقة منبج.
 
"السيناريو الكابوس"
 
وباتت قوات النظام موجودة بشكل رئيسي في منبج وبلدتي عين عيسى (الرقة) وتل تمر (الحسكة) وتنتشر في مناطق حدودية أخرى، وفق المرصد.
 
ويعد هذا الانتشار الأكبر من نوعه لقوات النظام في مناطق سيطرة الأكراد منذ انسحابها تدريجيا منها بدءا من العام 2012، محتفظة بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.
 
وأعلن الموفد الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف الثلاثاء أن روسيا لن تسمح بمواجهات بين الجيشين التركي والسوري عند خط التماس بينهما في المناطق الحدودية.
 
ولم يجد الأكراد بعد تخلي واشنطن عنهم خيارا أمامهم سوى التوجه نحو دمشق لطلب مؤازرتها. وتصر الإدارة الذاتية على أن الاتفاق "عسكري" ولن يؤثر على عمل مؤسساتها.
 
ويشكل هذا الاتفاق تحولا جديدا في مسار النزاع، بعدما اصطدمت مفاوضات سابقة بين الأكراد ودمشق بحائط مسدود. ولطالما أصرت دمشق على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع عام 2011، بينما تمسك الأكراد بإدارتهم الذاتية والمؤسسات التي بنوها بعد عقود من التهميش على يد الحكومات السورية المتعاقبة.
 
وتهدف تركيا التي تصنف وحدات حماية الشعب الكردية مجموعة "إرهابية"، إلى إقامة منطقة عازلة قرب حدودها لتنقل إليها قسما كبيرا من 3,6 مليون لاجئ سوري لديها.
 
حصيلة المعارك
 
وتسبب الهجوم التركي، وفق المرصد، بمقتل نحو 71 مدنيا و158 مقاتلا من قوات سوريا الديمقراطية. كما دفع بـ160 ألفا إلى النزوح من منازلهم، بحسب الأمم المتحدة.
 
وأحصت أنقرة من جهتها مقتل ستة جنود أتراك، اثنان منهما الثلاثاء، في سوريا و20 مدنيا جراء قذائف اتهمت المقاتلين الأكراد بإطلاقها على مناطق حدودية.
 
وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية الثلاثاء توقف منظمات الإغاثة الدولية عن العمل وسحب موظفيها من مناطقها، محذرة من "تفاقم الأزمة الإنسانية" في منطقة تضم أساسا مخيمات نازحين تؤوي عشرات الآلاف.
 
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مغادرة المزيد من طواقم المنظمات الدولية غير الحكومية إلى العراق وتعليق عملياتها.
 
عقوبات
 
وبدأ الهجوم التركي إثر إعلان دونالد ترامب سحب قواته من شمال سوريا، ما اعتبر ضوءا أخضر للأتراك. إلا أنه تعرض لوابل من الانتقادات نتيجة قرار الانسحاب، فطالب أنقرة بوقف هجومها.
 
وللتخفيف من حدة الانتقادات التي اتهمته بالتخلي عن الأكراد، فرض ترامب عقوبات على تركيا. إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد الثلاثاء أن الهجوم لن يتوقف حتى "تتحقق أهدافنا".
 
وتشمل العقوبات وزارتي الدفاع والطاقة ووزراء الطاقة والدفاع والداخلية في تركيا. وقرر ترامب وقف مفاوضات تجارية مع تركيا، وأعاد فرض رسم جمركي بنسبة 50 في المئة على واردات بلاده من الصلب التركي.
 
وعلى غرار فرنسا وألمانيا، أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الثلاثاء تعليق صادرات الأسلحة إلى تركيا "التي يمكن أن تُستخدم" في الهجوم.
 
وأبدت دول أوروبية عدة قلقها البالغ من تداعيات أي هجوم تركي محتمل على المعركة ضد خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة برغم هزيمته الميدانية على يد المقاتلين الأكراد. ويحتفظ الأكراد بالآلاف من مقاتليه وأفراد عائلاتهم في سجون ومخيمات مكتظة.
 
وكتب أردوغان في صحيفة "وول ستريت جورنال" الثلاثاء "سنضمن ألا يغادر أي مقاتل من تنظيم "الدولة الإسلامية" شمال شرق سوريا".
 
وحذرت منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء الدول الأوروبية من نقل المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم من سجون المقاتلين الأكراد إلى العراق، حيث تجري محاكمات "غير نزيهة" تتخللها الكثير من الانتهاكات.
 
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الثلاثاء أنه سيزور العراق لمحادثات مع السلطات العراقية "والأكراد" بشأن "الأمن في المخيمات التي يعتقل فيها الجهاديون الأجانب".