صحفي يروي تفاصيل دقيقة لما جرى في أكبر ثورة انتفاضة شهدتها إيران منذ 1979

قدم الصحفي المختص بالشأن الإيراني محمد مجيد الأحوازي، تفاصيل دقيقة عن الانتفاضة في إيران وتداعياتها السياسية والأمنية على النظام السياسي في إيران، نشرها في عدة نقاط على صفحته الرسمية في "تويتر":

شهدت إيران في مساء يوم 15 نوفمبر حركة احتجاجات شعبية واسعة بعد الإعلان عن رفع تسعيرة البنزين إلى ثلاثة أضعاف وكانت هذه الاحتجاجات في بداية انطلاقتها سلمية ولكن بشعارات سياسية واهداف سياسية.

رفع تعرفة سعر البنزين إلى ثلاثة أضعاف في ظل العقوبات الأمريكية وانتشار البطالة وارتفاع التضخم وهبوط العملة الإيرانية كانت تمثل إشارات مخيفة للشارع الإيراني بأن النظام السياسي الإيراني يعيش على حافة الهاوية الاقتصادية، ولذلك يجب أن يكون للشعب الإيراني كلمته وموقفه بهذا الشأن.

ووفقاً للإحصائيات الشبه رسمية خرجت اكثر من 200 مدينة في هذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات الشعبية والتي عرفت "باحتجاجات البنزين" في ايران، ويعتبر هذا الرقم مربكا جداً لدوائر صنع القرار والدوائر الأمنية في طهران.

وتم رصد مشاركة مدن الأطراف ومشارف المحافظات الكبرى بجانب المدن الصناعية الكبرى كاصفهان والأحواز وشيراز وطهران في هذه الاحتجاجات ولأول مرة تنخرط اغلب المحافظات في احتجاجات موحدة ولأول مرة يشارك الفرس بجانب العرب والأكراد والأتراك الأذريين والبلوش في احتجاجات شاملة في إيران.

وكان يرى الشعب الايراني في هذه الاحتجاجات بانها "أخت الثورة العراقية" بطبيعة النظام العراقي القائم على أساس طائفي تحت غطاء المرجعية والمليشيات العسكرية الموالية لايران في العراق والنظام الايراني الذي قائم على أساس سلطة ولاية الفقيه والآيات الله والحرس الثوري في ايران.

لذلك طرح شعار "باسم الدين، باقونا الحرامية" والشرطة والشعب يد واحدة" من قبل المتظاهرين في ايران، وكان يرى الشارع الايراني بأن الحراك الثوري في لبنان والعراق قد يدفع "صانع القرار الإيراني" بالتراجع قليلا داخليا في حال استمرت احتجاجاتهم إلى عدة أيام وقد تتحقق بعض مطالبهم.

وفي اليوم التالي من الاحتجاجات خرج الشارع بمظاهرات سلمية وقلد الإيرانيون الحراك اللبناني والعراقي فمثلًا: في طهران لعب المتظاهرون كرة القدم اثناء الاحتجاجات، وفي بعض المناطق قام المتظاهرون بتوزيع الأكل ومياه الشرب على سائقو السيارات التي توقفت سياراتهم في وسط الاحتجاجات.

وايضاً بعض النساء الإيرانيات جهزن الأكل ووزعن وجبات غذائية على المتظاهرين وكلها كانت حالات تدل على تأثر الشارع الايراني بأحداث المنطقة العربية وفي شيراز تم توزيع الورود على الشرطة في إشارة إلى سلمية الاحتجاجات كما شاهدنا ذلك حدث في العراق ولبنان.

النظام السياسي في إيران وخاصة التيار المحافظ الأصولي لاول مرة يظهر خشيته بوضوح من هذه الاحتجاجات ووصف اللواء ركن سلامي قائد الحرس الثوري هذه الإحتجاجات بانها كانت "حرب عالمية" تهدف إلى إسقاط النظام في ايران.

لذلك يبدو مساء اليوم الثاني من الاحتجاجات قرر النظام السياسي في ايران قمع هذا الحراك الواسع من خلال قوات الباسيج (قوات التعبئة) والحرس الثوري والقوات الخاصة لمكافحة الشغب وجهاز الاطلاعات وشعبة أمن المعلومات لقوات الحرس الثوري الايراني والشرطة الإيرانية.

وقبل اتخاذ قرار قمع الاحتجاجات كان على النظام الإيراني و"الخلية الأمنية" التي تقود عمليات قمع هذه الإحتجاجات، كان عليهم قطع تواصل الداخل مع الخارج عبر حجب شبكة الإنترنت، واستغرق 24 ساعة من الوقت لحجب شبكة الإنترنت تماماً من ايران.

وشاركت سرايا عسكرية كاملة من قوات الحراس الثوري والباسيج وايضا اجهزة الشرطة الإيرانية في قمع الاحتجاجات الإيرانية ونزلت جميع هذه القوات والأجهزة الأمنية إلى الشوارع في طهران والأحواز وشيراز وأصفهان وكردستان، وكانت هذه الخمسة مناطق هي الأكثر سخونة وفقا للتقارير الرسمية الإيرانية.

واحتاجت "الخلية الأمنية" المكلفة بالتعامل مع الاحتجاجات في ايران من يومين إلى أربعة أيام لقمع الاحتجاجات واخماد الحراك تماماً، وفرض حالة طوارئ داخل المدن للقضاء على مناطق الحراك في ايران وسقط بحسب المصادر لنشطاء حقوق الإنسان اكثر من 400 قتيل وما يقارب 3700 جريح وآلاف المعتقلين.

لماذا كانت تختلف هذه الاحتجاجات عن سابقاتها في ايران؟! طرح هذا السؤال بشكل واسع وتم تداوله من قبل المعارضة والموالاة والنخب السياسية وعلماء الإجتماع في ايران وكانت تختلف القراءات حول ما يميز هذه الإحتجاجات عن سابقاتها، ولكن الجميع كان يتفق على أن هذه الإحتجاجات كانت شاملة.

ففي الاحتجاجات السابقة والثورة الخضراء في عام 2009 وثورة الأحواز عام 2005 وثورة الطلاب عام 1999 في ايران كانت الاحتجاجات غير شاملة فمثلًا عام 2005 كان الحراك يخص العرب في الأحواز فقط وسحق تماماً ولم يمتد إلى الأقاليم والمناطق الأخرى في إيران.

وفي عام 2009 كانت الثورة الخضراء تعتبر ثورة نخبوية والطبقة الثرية والطبقة المتوسطة هي من خرجت ضد تزوير الانتخابات الرئاسية في إيران وكانت الثورة تقتصر على تيار الاصلاحيين وصراعهم مع المحافظين في إيران.