الصدر يعرض خدماته على إيران سعيا لاعتماده زعيما لـ"المقاومة"

يحاول رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أن يستغل ارتباك المشهد العراقي، ليطرح نفسه زعيما عابرا لحدود التقسيمات البشرية، التي طالما أعاقت تمدده خلال الأعوام القليلة الماضية التي شهدت صعود نجمه السياسي.

وحتى يوفر لنفسه فرصة حقيقية في الوصول إلى الزعامة، يتنقل الصدر بين ثلاثة نماذج لا يزعجه أن يكرر أحدها؛ أولها يتمثل في زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله، وثانيها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، وثالثها المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني.

وينظر الصدر إلى نصرالله بوصفه “زعيما للمقاومة الشيعية” في العالم الإسلامي، بينما يجسد خامنئي نموذج زعيم الدولة، حيث يمسك بيديه أدوات قيادة إيران، في حين يمثل السيستاني نموذج زعيم الطائفة، حيث يتأثر به الملايين في العراق روحيا.

ولن يضر الصدر، أن يستنسخ أحد هذه النماذج الثلاثة، وإن كان يفضل تكرار تجربة نصرالله، بالنظر إلى طغيان الخطاب الثوري، وهو أمر يلائم كثيرا نزعة زعيم التيار الصدري.

لكن المتغير الحاسم في معادلة الزعامة بالنسبة إلى الصدر يتمثل في إيران التي لن تسمح لزعامة شيعية بالصعود ما لم تكن جزءا من “بيت الطاعة” الذي ترعاه منذ أعوام.

ولعل هذا ما يفسر انحياز الصدر إلى إيران خلال الفترة التي تلت مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، إذ ربما وجد في هذا التطور فرصة تعزز آماله في الزعامة.

ولم يقف الصدر عند حد التناغم مع الرؤية الإيرانية في المنطقة مؤخرا، بل اندفع نحو تصعيد مفاجئ ضد الولايات المتحدة، بدأه بعقد اجتماعات مع أبرز زعماء الميليشيات الموالية لإيران في مدينة قم، حيث يقيم، قبل أن يطلق دعوة لتظاهرة مليونية ضد “المحتل الأميركي” اليوم الجمعة في بغداد.

والآن، بدا وكأن الصدر هو رأس الحربة في المشروع الإيراني المناهض للوجود الأميركي في العراق، بعدما كان قبل شهور أحد خصوم إيران البارزين في الساحة العراقية.

ويقول الباحث العراقي المقيم في الولايات المتحدة، سليم سوزه، إن مواقف الصدر عندما يكون موجودا في مقر إقامته بمدينة النجف العراقية تختلف عن تلك التي تصدر عنه عندما يكون موجودا في مقر إقامته بمدينة قم الإيرانية.

ويرى مراقبون أن مقتل سليماني فرض على طهران إعادة ترتيب أوراقها في العراق، بما في ذلك إعادة الصدر إلى وضعه الطبيعي، بصفته ركنا في مشروع إيراني عقائدي يستهدف الهيمنة في المنطقة.

ولكن التحدي الأكبر الذي يواجه الصدر، هو أن تساوي إيران بينه وبين أمراء حرب انشقوا عن الميليشيا الأولى التي أسسها بعنوان “جيش المهدي”.

وعلى سبيل المثال، اجتمع الصدر مؤخرا في مدينة قم الإيرانية بممثلين غير رئيسيين لحركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي بالإضافة إلى زعيم حركة النجباء أكرم الكعبي وزعيم كتائب سيد الشهداء أبوآلاء الولائي، ليصنع مشهدا صادما لأنصاره.

ولم يتصور أنصار الصدر، قبل أشهر فقط، أن زعيمهم، يمكن أن يجلس مع هذه الشخصيات، التي وصفها مرارا بأنها تقود “ميليشيات طائفية وقحة”.

لذلك، تفجر منذ أيام، جدل حاد بين أتباع الصدر أنفسهم، بشأن التحولات المتناقضة والمفاجئة في مواقف زعيمهم، وما يسببه لهم ذلك من إحراج في الفضاء الشعبي.

وعن ذلك، يقول الكاتب العراقي قيس حسن “الصدريون يدافعون بضراوة شديدة عن مواقف وآراء السيد مقتدى الصدر، ويعتبرونها صحيحة بكل الأحوال، حتى أنهم يقفون وقفة رجل واحد وكأنهم جاهزون للرد في أي لحظة”.

ويضيف، “يمكننا القول إنه ليس هناك صدري لا يدري، وحين يعدّل السيد من موقفه أو حركته، تراهم أيضا يدافعون عنه، وهذا سلوك حزبي معروف حيث لا يجب الطعن أو الاعتراض على موقف الحزب أو الحركة علنا، ولكن يمكن شرح الموقف، من خلال بيان ينشر أو ندوة أو مؤتمر حزبي يضم أتباع الحزب أو على الأقل عددا منهم، توضح فيه القيادة موقفها أو رأيها”، مشيرا إلى أن الصدريين، “بلا مكتب سياسي يعطيهم شرحا أو تعليلا أو موقفا للنشر،  ولأن عددهم كبير تكون التبريرات كبيرة، مما يضعف من موقفهم كثيرا”.

وتابع حسن أن “الصدر يعمل ويدير الأمور لوحده وليس لديه مكتب سياسي ينتج الموقف عبر آليات الأحزاب المعروفة، ربما يبررون ذلك بأنه تيار شعبي، لكنه في كل الأحوال مؤسسة سياسية، لا يختلف طموحه وعمله عن بقية الأحزاب”.