وثائق مسربة: الرواية الرسمية التركية بشأن الانقلاب "مفبركة" والاعترافات انتزعت عنوة

أظهرت وثائق قضائية تركية مُسرّبة أن عملاء لجهاز المخابرات التركية (MIT)) شاركوا في جلسات تعذيب مبرمجة، في موقع غير رسمي تديره الشرطة، وذلك من أجل انتزاع اعترافات تدعم مزاعم الحكومة بشأن محاولة انقلاب في عام 2016.

ووفقًا لوثائق المحكمة، التي نشرها موقع ”نورديك مونيتور“ الأوروبي، فقد كشف قائد كتيبة نقل طائرات الهليكوبتر في القوات البرية التركية الطيار العسكري دنيز الديمير (44 عامًا)، كيف عذبوه وعدة أشخاص آخرين لإجبارهم على التوقيع على اعترافات كاذبة.

 وتضمنت الوثائق المسربة محاضر شهادة الرائد ركن الديمير، أمام المحكمة الجنائية العليا السابعة عشرة في أنقرة في 4 أغسطس/آب 2017، وكيف أن الشرطة أملت أقوالا عليه تم إعدادها مسبقًا، وأنه اضطر إلى التخلي عن مقاومته بعد أيام من التعذيب الوحشي الذي بلغ، في بعض الأحيان، حد التحرش الجنسي والتهديد باغتصاب زوجته وأطفاله.

وقال الدمير إنه شاهد كيف سمحت الشرطة سرًا لعملاء المخابرات بدخول موقع التعذيب وهم يرتدون سترات الشرطة التي ساعدتهم في تعذيب المشتبه بهم الذين لا علاقة لهم بمحاولة الانقلاب المزعومة.

كما تعرف الدمير على قائد شرطة رئيسي كان يدير الصالة الرياضية التي تحولت إلى موقع تعذيب لمئات من ضباط الجيش والجنود والطلاب على أيدي عناصر النظام،كما جاء في الوثيقة.

قصة الانقلاب المفبرك
وفي تفاصيل ما حصل ووثقته المحكمة، فقد حلّق الدمير في 15 تموز (يوليو) 2016 بطائرات هليكوبتر نقل مرتين، لنقل الطلاب والذخيرة بعد أن انطلق إنذار بشأن تهديد هجوم إرهابي تبين أنه مزعوم، إذ قالت الرواية الرسمية إنها عملية إرهابية من قبل تنظيم (داعش) على قاعدته في حي غوفرجينليك في أنقرة.

وكما فعل مرات عديدة في مسيرته العسكرية، فقد نفّذ الدمير أوامر قيادته، لكنها، كما جاء في الوثيقة، كانت، هذه المرة، محاولة انقلابية زائفة أطلقها الرئيس رجب طيب أردوغان ومخابراته وقادة الجيش لإيجاد ذريعة لشن حملة تطهير جماعي للضباط.

تبرّع بالشهادة فتحول الى متهم

وما حدث أن الدمير في اليوم التالي، قدم طواعية إفادة للنيابة العسكرية وأخبرهم بما جرى وما فعله. وقد اعتقلته الشرطة في وقت لاحق، وتم نقله إلى قاعة رياضية يديرها اتحاد الكرة الطائرة التركي في أنقرة، ثم بدأت إهانته منذ لحظة اعتقاله وإدخاله السيارة، حيث ضربه رجال الشرطة، مع البصق في وجهه، واستخدام لغة بذيئة.

وعندما توقفت السيارة أمام الصالة الرياضية، طُُلب منه السير على طول ممر شكلته الشرطة المصطفة على اليسار واليمين لاستقبال ضباط الجيش المعتقلين.

وقد تعرض المعتقلون، المقيدة أيديهم للركل واللكم حيث أجبروا على المرور عبر هذا الممر البشري حتى وصولهم إلى القاعة.

 قال الدمير في شهادته الموثّقة: ”رأيت أمامي رجلا ينزف بعد ان تلقى ضربة تسببت في سقوط نظارته على الأرض وكسرها. وصلنا أخيرًا إلى المبنى بعد أن عانينا من اللكمات والركلات والبصاق والألفاظ النابية على ممر يبلغ طوله حوالي 50 مترًا.
كما نُهبت ممتلكات المعتقلين الشخصية وأموالهم وأشياء ثمينة أخرى من قبل الشرطة التي اعتبرتها غنائم جهادية.

وقال الدمير: ”فُقدت من محفظتي ورقة نقدية بقيمة 1000 ليرة تركية و1200 دولار لم أتمكن من استبدالها لأنني وصلت للتو من خارج البلاد. سمعت أن كثيرين فقدوا خواتم زواجهم وممتلكاتهم الثمينة أثناء احتجازهم“.

واستمر التعذيب في القاعة حيث أُجبر هو وآخرون على الركوع لساعات.. استخدمت الشرطة الأصفاد البلاستيكية المكدسة كسوط لضرب المعتقلين في كل مكان. قيل لهم إن زوجاتهم يعتبرن غنائم حرب، مثلما عامل داعش أسراه في سوريا والعراق، وإنهم سيمارسون الجنس معهن ومع أطفالهم، حسب رواية الضابط التركي.

وتتضمن شهادة ألدمير أمام المحكمة كيف دخل رجل إلى القاعة وبدأ بركل وضرب المعتقلين بهراوة خشبية. كان قائد الشرطة، الذي تبين لاحقًا أن اسمه هاكان دومان.

🛑كما تعرض الوثيقة تفاصيل عن أنواع التعذيب المختلفة التي تعرض لها الضباط المتهمون بمحاولة الانقلاب المزيفة التي شارك في التحقيق بها عملاء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التابع لجهاز المخابرات.

ويروي ألدمير في شهادته كيف أن أحد عملاء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أخذه إلى غرفة خلع الملابس، وطلب من جميع الآخرين المغادرة وبدأ في طرح الأسئلة.

وأضاف الديمير: ”بدأ في ضربي عندما لم تكن الإجابات التي أعطيتها هي الإجابات التي يريد سماعها، ثم أخذني إلى قسم آخر من القاعة حيث يوجد الحمام وأشار إلى الجزء المعدني من موزع الصابون السائل على المنضدة وقال إنه يمكنه لصق ذلك في حلقي وقتلي هناك. ومثلما جئنا بك إلى هنا من الباب الخلفي دون أن يراك أحد، يمكننا أيضًا أن نأخذ جثتك دون أن يلاحظ أحد“.

وفي الوثيقة المسربة انه رغم رفض الأطباء توثيق آثار التعذيب على جسد ألدمير بسبب ترهيب الشرطة، فقد تقدم العديد من الشهود أثناء المحاكمة للشهادة بأنهم رأوا الدمير في حالة مروعة بعد جلسات التعذيب.

وقال المقدم ياسين كانديمير، وهو طيار أيضًا، للمحكمة في 3 أغسطس/آب 2017 إنه شاهد بنفسه تعذيب ألدمير في الصالة الرياضية، مضيفا: ”لست أنا وحدي، فقد رآه الجميع وهو يضطر تحت التعذيب للتوقيع على شهادة مزورة“.

الاعترافات المزورة

ويشير تقرير نورديك مونيتور الى أن المدعي العام، ألباسلان كاراباي، صاغ الاتهام والاعترافات المزورة لألدمير وهي التي جرى تعميمها على الصحف، بحيث ظهر بأن الدمير اعترف بأنه شارك في المحاولة الانقلابية بعد ان سمع محادثة حولها عندما كان في قاعدة جوفرجينليك في أنقرة.

وتضيف الدعوى المزورة أن الدمير طار هو ومساعده بطائرة هليكوبتر من طراز Cougar برقم ذيل 10503 لنقل الطلاب غير المسلحين إلى مقر هيئة الأركان العامة لاحتلالها، علما أنه كان في مقر وحدته العسكرية وأن كاميرات التصوير تؤكد ذلك.

وأظهر التقرير أنه حتى المحامية التي عينتها نقابة المحامين للدفاع عن الدمير، وتدعى سيلا داملا أوزدوغان ،شاركت في تجريم الدمير، فقد جلبتها الشرطة لإثبات الإجراءات القانونية، ولكنها لم تهتم حتى بالمثول أثناء الاستجواب ووقعت المحضر الذي يزعم أن الدمير اعترف بمحض إرادته.

 ويخلص التقرير بمرفقاته من الوثائق المسرّبة، الى أنه رغم عدم وجود أدلة، وما يبدو من التعذيب وسوء المعاملة، إلا ان ألدمير وبعد عدة جلسات تقاضي شكلية، أدين في أيار/ مايو 2019 وحُكم عليه بالسجن المؤبد.

وفي المقابل، تمت ترقية جلاده رئيس الشرطة دومان إلى نائب رئيس قسم شرطة أنقرة.