صواريخ إيران وإحراق العراق

تزايد الهجمات الصاروخية وبواسطة الطائرات من دون طيار على قواعد ومقرات، بعضها يستضيف قوات أميركية، في العراق، تحمل رسائل إيرانية لواشنطن، وهي أولا وأخيرا تدور في فلك حسابات طهران من دون أن يكون لديها أي ارتباط بمصالح الشعب العراقي والعراق كدولة ذات سيادة.

توقيت الاعتداءات والتي أصاب أحدها مسجدا في بغداد، فيما انطلق بعضها من فوق شاحنة محملة بالطحين ومن مناطق سكنية، هدفه منح طهران وسائل ضغط في مفاوضاتها مع الغرب، حول رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي. فكما جرت العادة، تحرك إيران أدواتها وأذرعها الإقليمية للضغط على الغرب في الدول العربية، فيما هي تفاوض وتتناول القهوة والكعكة النمساوية مع المفاوضين الغربيين في فيينا.

إيران لا تتجرأ على مواجهة أميركا مباشرة، فتراها تختبئ وراءها عصابات وميليشيات ومرتزقة إقليميين للقيام بذلك.

الساحة العراقية وإلى حد مماثل السورية تناسب المفاوض الإيراني اليوم لعرض عضلات بإطلاق صاروخ يصيب مسجد بدل السفارة، وإشعال حريق يعطل حركة مطار لربع ساعة، من دون أن يكون له نتيجة على طاولة المفاوضات. 

مصلحة العراقيين أو السوريين هي تفصيل صغير لإيران. فأدواتها من حزب الله إلى مشقاته العراقية والسورية هدفهم أبعد وأحيانا على تضارب مع مصالح الدول المركزية التي يتحركون داخلها. فحزب الله ضاعف قوته وسلاحه بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، وهو اليوم يصر على حماية طبقة سياسية فاسدة أفقرت لبنان وسلبت أموال مواطنيه. 

كذلك في العراق، هذه الميليشيات لن تسلم سلاحها مع انسحاب الأميركيين وهي لا تكترث لمصلحة المواطن العراقي الذي يبحث عن الكهرباء والماء وليس عن صاروخ كاتيوشا لإطلاقه فوق أكياس القمح والطحين. 

إيران رغم صواريخها وأدواتها وأذرعها المسلحة مقيدة في لعبة الشطرنج، واستعراضاتها الإقليمية لم تأت بالمال والنفوذ للإيرانيين أنفسهم. فها هي الحرائق تلتهم إيران، والكهرباء تشح في دولة نفطية تدعي الريادة في القضايا التنموية. والعقوبات ما زالت بهيكليتها الأساسية على طهران، فماذا يفعل المرشد الأعلى حيال هذه الصورة؟ يحاول تفجير الساحات الإقليمية كما فعل مرات عدة سابقا للضغط على الغرب. 

في داخل العراق، ستسعى إيران إلى إجهاض معركة الانتخابات البرلمانية في أكتوبر. فميليشياتها منقسمة على بعضها وأداؤها التنظيمي واللوجستي يتراجع وهي ستمنى بخسارة اذا صارت الانتخابات في موعدها وبقي الصف المقابل متحالفا ضدها. أمام هذا الواقع، يضرب تفجير الساحة الداخلية عصفورين بحجر: الأول يفيد إيران مع الغرب والثاني يضع الميليشيات في موقع هجومي ويساعد في تأجيل الانتخابات المقبلة.

مشكلة إيران أن عرض العضلات هو اليوم من جانب واحد، والرد الأميركي هو أكثر اتزانا وحذرا من إدارة بايدن لئلا يقع في الفخ الإيراني في العراق ويدخل دائرة عنف لا نهاية لها. 

زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن نهاية الشهر ستؤرق إيران كونها تبعد أميركا والعراق عن سكة المواجهة وتسعى إلى تقوية الدولة المركزية في بغداد. صواريخ الميليشيات قادرة على إحداث ضجيج إعلامي وإشاعة بعض الفوضى، إنما في لعبة الشطرنج الأكبر، هي دليل ضعف وارتباك في ظلمة انقطاع التيار الكهربائي.