الناتو يفتح ذراعيه لفنلندا والسويد وحلف أوروبي لضم أوكرانيا.. هل اقترب الصدام بين روسيا والغرب؟

رحب حلف شمال الأطلسي الخميس بطلب فنلندا ومساعي السويد للانضمام إليه، ضاربا بعرض الحائط التهديدات الروسية باتخاذ إجراءات "عسكرية تقنية" ردا على تلك الخطط التي تعتبرها موسكو تهديدا مباشرا. كما اقترحت فرنسا إنشاء "منظمة سياسية أوروبية" لضم أوكرانيا في انتظار قبول عضويتها في التكتل. فما الذي يمثله ضم الدولتين الإسكندنافيتين إلى الناتو؟ وماذا عن "الحلف" الأوروبي الجديد؟ وما الرد المحتمل لبوتين وهل حانت ساعة الصدام المباشر بين الروس والغرب؟ أسئلة يجيبنا عليها الخبير العسكري والاستراتيجي العميد ركن أحمد رحال، والباحث العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب.

أعلنت فنلندا الخميس عن عزمها تقديم طلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "دون إبطاء"، ومن المتوقع أن تحذو السويد حذوها، ما قد يعني أن الهجوم الروسي على أوكرانيا سيؤدي بالمحصلة إلى توسيع التحالف العسكري الغربي وهو ما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى للحيلولة دون حدوثه.

وسيشكل قرار الدولتين الإسكندنافيتين التخلي عن وضع الحياد الذي حافظتا عليه طوال الحرب الباردة أحد أكبر تحولات الأمن الأوروبي منذ عقود. وأثار الإعلان غضب الكرملين الذي وصفه بأنه تهديد مباشر لروسيا وتوعد برد يتضمن إجراءات "عسكرية تقنية" لم يحددها، لكن مسؤولين روس تحدثوا في السابق عن احتمال نشر صواريخ نووية في بحر البلطيق.

تكتلات أوروبية وانتكاسة روسية

في السياق، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن الفنلنديين سيكونون "موضع ترحيب شديد" ووعد بعملية انضمام "سلسة وسريعة". وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه يدعم تماما اختيار فنلندا الانضمام للحلف، ودعا الاثنين إلى إنشاء "منظمة سياسية أوروبية" لضم أوكرانيا خصوصا، بالتوازي مع آلية ضمها إلى الاتحاد الأوروبي. وقال ماكرون إن الحلف الجديد سيسمح "للأمم الأوروبية الديمقراطية التي تؤمن بقيمنا الأساسية بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي وللأمن".

ميدانيا، تعرض الجيش الروسي لانتكاسة كبيرة حيث طردته القوات الأوكرانية من محيط مدينة خاركيف ثاني أكبر مدن البلاد، في أسرع تقدم لأوكرانيا منذ إرغام روسيا على الانسحاب من محيط العاصمة ومن الشمال الشرقي قبل أكثر من شهر. وأوضحت رئاسة الأركان الأوكرانية مساء الأربعاء أن الروس لا يتحركون باتجاه خاركيف، مؤكدة تحرير بلدة بيتومنيك.

والجمعة، أعلنت كييف أنها ألحقت أضرارا بسفينة لوجستية تابعة للبحرية الروسية قرب جزيرة "سنيك" أو الأفعى، الموقع الصغير ولكن الاستراتيجي في البحر الأسود.

ما الذي يعنيه ضم فنلندا والسويد إلى حلف الناتو؟

قال الخبير العسكري والاستراتيجي أحمد رحال إنه من "المؤكد أن ضم فنلندا والسويد إلى الناتو ينطوي على مخاطر كبيرة على موسكو وحصار سياسي وعسكري للقوات الروسية. وإذا ما وضعت صواريخ أو أسلحة متطورة للناتو في السويد وفنلندا فإن الحلف بات متواجدا في الجبهات والحدود الغربية الروسية ما يعني تكبيل أيدي بوتين وخطر السلاح الروسي". وأضاف رحال: "وصول صواريخ متطورة لحلف الناتو إلى البلدين يعني اختصار الدورة الزمنية لقدرة الدفاع الجوي الروسي على الرد. نعرف أنه كلما اقتربت الصواريخ من موسكو كلما كان زمن طيران الصواريخ أقل وبالتالي الزمن المتاح للتصدي لها هو أقل ما يعني زيادة الخطورة على موسكو. لذلك رأينا بوتين يشعر بالضيق عند كل محاولة لضم أجزاء من أوروبا الشرقية إلى الناتو".

من جانبه، أوضح الباحث العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب: "بإجماع ثلاثين دولة تشكل حلف الناتو جرى تدعيم الجبهة الشرقية المقابلة لموسكو. وأنشئت مجموعات قتالية زودت بسلاح وعناصر أمريكيين وهذا للدفاع ليس فقط من خلال البحر الأسود ولكن أيضا بحر البلطيق الذي يعد جزءا من منطقة دفاع الناتو أمام أي هجمات روسية. إذا ما استطاع الروس تحقيق انتصار في أوكرانيا تخشى فنلندا أن يتفرغوا لها وللسويد، والهاجس هو السيطرة على بحر البلطيق، حيث إن لدى الروس أسطول بحري كبير في المنطقة لذلك لن يسمح الناتو بأن يكون البلطيق حديقة خلفية لروسيا مثلما تسعى لفعله في البحر الأسود إذا ما حرمت أوكرانيا من شاطئها وسيطرت على كامل المنطقة لناحية الشرق".

كما قال ملاعب: "إذا ما ضم الناتو فنلندا والسويد سيكتمل الطوق الغربي باتجاه روسيا وبالتالي سيعاد تنشيط الدرع الصاروخي الذي أقر منذ 1990 ويشمل كل الدول الأوروبية الشرقية التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي وأصبحت جزءا من الناتو، لذلك فإن التمدد إلى فنلندا والسويد سيحقق للناتو حماية قريبة لدول أوروبا الشرقية التي تخشى دائما أن يعاود الروس غزوها واحتلالها".

ماذا عن المنظمة السياسية الأوروبية الجديدة التي ستضم أوكرانيا؟

قال العميد ركن أحمد رحال: "هناك شبه إجماع أوروبي-أمريكي على منع أي انتصار لبوتين الذي بات بنظر الغرب بمثابة هتلر. هناك مخاطر كبيرة على الوجود الغربي في ظل التهديدات الروسية. للمرة الثالثة في زمن الحرب الأوكرانية سمعنا تهديدا باستخدام الأسلحة النووية من قبل بوتين ولافروف، هذا الكلام خطير جدا. لذلك فإن الدعوة الفرنسية اليوم تأتي بعد إجماع غربي بضرورة تكبيل الأدوات العسكرية الروسية من خلال تجمعات وتكتلات سياسية".

وأضاف الخبير العسكري والاستراتيجي: "إنشاء منظمة سياسية أوروبية جديدة تضم أوكرانيا يعني حمايتها وتصعيب أي عمل مستقبلي عسكري لروسيا ضد الدول الأوروبية. صارت أطماع بوتين واضحة فهو يسعى إلى أوكرانيا وغدا إلى بولندا وبلدان أخرى مثل مولدافيا وبالتالي هناك أخطار كبيرة يحملها المشروع البوتيني. لذلك فإن المطالب الأوروبية والأمريكية هي بتحجيم قدرات موسكو على التوسع لإعادة الاستقرار إلى المنطقة. من الواضح أن بوتين وضع كامل الدول الأوروبية على صفيح ساخن وبالتالي أعاد سيناريو أو مسببات الحرب العالمية الثانية".

بدوره، قال الباحث ناجي ملاعب: "تميزت فرنسا خلال الغزو وبعد إعادة انتخاب ماكرون بمحافظتها على القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع روسيا. لكن يحاول الرئيس ماكرون منذ فترة إقناع الألمان بأهمية وجود قيادة أوروبية عسكرية أنشئت بموجبها قوة مقاتلة من خمسة آلاف عنصر لم تتوسع ولم تلق الدعم الكافي من باقي الدول. لدى الألمان نية معلنة بزيادة التعبئة العسكرية وموازنة الدفاع إلى 100 مليار يورو ما سيعني أن القدرات العسكرية الأوروبية ستنمو بشكل كبير. لم تكن تلك القدرات موجودة قبل أزمة أوكرانيا حتى إن الناتو كان يلقى صعوبات في تعبئة القوات لإرسالها في مهمات إلى الخارج مثل أفغانستان والتحالف الدولي في العراق. تدعم أوروبا اليوم قدرات جديدة للحفاظ على أمنها الحيوي المهدد مباشرة عكس الولايات المتحدة. أعتقد أن هذا المسعى الأمني ليس موجها فقط ضد روسيا ولكن لأهميته في تعزيز التكتل الأوروبي من الناحية العسكرية، دون إغفال أهمية الدعم الأمريكي. وجود قوة عسكرية حليفة للناتو بقيادة أوروبية منسجمة ستسمح بتسهيل التسليح وتسريع وتيرة اتخاذ القرارات وتجنب الاصطدام بالعائق البيروقراطي كما في الناتو".

كيف سيرد بوتين وهل نتجه نحو الصدام المباشر بين الغرب والروس؟

أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي أحمد رحال: "يعتبر بوتين ووزير خارجيته لافروف أي مساعدة غربية لأوكرانيا بمثابة إعلان حرب، وأن كل الدعم الغربي المقدم في مجال الدفاع للرئيس زيلينسكي هو نوع من الاستفزازات لروسيا. أتوقع أن تزداد نبرة التصعيد الروسي على لسان لافروف وشويغو وبوتين، لكن اتخاذ قرار بشن هجوم (على الغرب) أعتقد سيكون في إطار ضوابط أهمها، أن الطبقة السياسية والاقتصادية المحيطة ببوتين بدأت تشعر بأنه أصبح يشكل عائقا لها. قرار شن هجوم أو استخدام أسلحة أو صواريخ نووية ضد الغرب يمكن أن يؤدي لمقتل بوتين لأنهم لن يسمحوا بهذا التطور وبعقلية بناء إمبراطوريته التي ستشكل دمارا للعالم كله. وبالتالي قد نسمع بعض التهديدات إنما لا أتوقع أن تذهب الأمور إلى صدام عسكري".

في المقابل، اعتبر الباحث العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب أن "ضم أوكرانيا إلى هكذا قوة مقترحة يعني صداما مع روسيا. لأن الأوكران منذ 2014 يتدربون مع الناتو في ألمانيا وشاركوا في عشر مناورات باستخدام أسلحة أمريكية وغربية. الأوكران ناصبوا العداء للروس منذ احتلال القرم لذلك هذا الموضوع لن يؤدي إلى حل الأزمة". وأضاف محدثنا: "الجيش الأوروبي هو مناعة لأوروبا حتى لا يفكر أحد بأنها تعتمد على الآخرين وعلى ردات الفعل بل بأنها تبادر إلى الفعل. وإذا ما ضمت أوكرانيا فهذه الخطوة موجهة ضد روسيا، وبوتين لن يسكت على هذا".

يضيف ناجي ملاعب: "لن يقبل الروس بضم أوكرانيا لهذه المنظمة أو ضم فنلندا والسويد للناتو، ولن يقبلوا بمحاصرة روسيا بالصواريخ ضمن منظومة الدفاع الصاروخي ونشرها على مقربة من موسكو والشمال الروسي". ويذكّر أن بوتين سبق له وأن "استنفر الغرف النووية التي أصبحت جاهزة وموجهة ضد الغرب. بعد كل تصعيد ضده أو ضد روسيا مثل الإعلان عن النية بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، يرد بوتين باستخدام أسلحة مثل الكينجال والكاليبر من صواريخ الكروز من غواصات البحر الأسود أو حتى صواريخ اسكندر واسكندر-إم التي استخدمت في أوكرانيا. إنه استخدام يلي كل تصريح غربي لدعم أوكرانيا وهو في منحى تصاعدي. وزير الدفاع الأمريكي قال إن الهدف إضعاف الجيش الروسي وعليه أعتقد عسكريا، أنه جرى استدراج روسيا إلى حرب استنزاف كما يحدث في الشرق الأوكراني وهي بدأت ولن تنتهي قريبا".

وخلص الباحث العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب إلى أن "الغرب يعي أن جزءا بسيطا من الجيش الروسي نظامي والباقي هو من المتعاقدين أي هم أصحاب الارتزاق من الأقاليم البعيدة، لكن استمرار الاستنزاف قد يدعو بوتين لإعلان التعبئة العامة والاستنفار وجلب احتياطي الجيش وهو موضوع سوف تدفع ثمنه الحكومة الروسية أمام شعبها، إذ إن عامة الناس باتت تطرح تساؤلات حول أهمية الحرب. أعتقد أن هناك احتمالا باستخدام سلاح كيميائي أو نووي. إنها حرب مفتوحة ولن يستطيع أي من الفريقين إنهاءها".