"مأزق داخلي".. ضربات طهران في شمال العراق "رد على انتفاضة الإيرانيين"

بعد يوم من اجتماع وزير الخارجية العراقي بنظيره الإيراني، أقدمت طهران، الأربعاء، على قصف أربع مناطق في إقليم كردستان العراق، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص وإصابة العشرات. 

وأعلنت وزارة الخارجية العراقية، أنها ستستدعي السفير الإيراني في بغداد لتسلميه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة جراء القصف المستمر على مناطق في إقليم كردستان.

وأثارت التطورات الأخيرة، تساؤلات حول دلالات التصعيد العسكري الإيراني ضد إقليم كردستان العراق وسط اشتعال المظاهرات المنددة بمقتل الشابة مهسا أميني (22 عاما) ذات الأصول الكردية بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق لعدم ارتدائها الحجاب بشكل لائق.

وقال خالد ونوشة القيادي في الحزب الديمقراطي الإيراني في كردستان العراق، لموقع "الحرة"، إن النظام الإيراني قصف بعض مواقعه في قضاء كويسنجق، بطائرات بدون طيران هجومية، دمرت مخيما ومدرسة، وأثارو الرعب والخوف في قلوب السكان". 

وأظهرت لقطات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، أطفالا يرتعدون خوفا بعد الضربات الهجومية.

ويرى العضو في المجلس الوطني‌ للمقاومة الإیرانیة، مهدي عقبائي، في حديثه مع موقع "الحرة" أن هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الحرس الثوري الإيراني مقرات الأحزاب الكردية في أربيل والسليمانية بالطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة، بل إنها مستمرة منذ عدة أيام، مع تصاعد المظاهرات المنددة بوفاة الشابة الكردية، مهسا أميني.

وأقر الباحث السياسي الإيراني، سعيد شاوردي، في حديثه مع موقع "الحرة"، بأن هذه هي العملية العسكرية الثالثة منذ السبت الماضي ".

واعتبر شاوردي أن  "هناك عناصر تم إلقاء القبض عليها اعترفت أنها أرسلت من قبل هذه الحركات، مثل جماعة كوموله والحزب الديمقراطي الكردي، لتزويد عناصر الاحتجاجات بالسلاح وأجهزة معينة لكي تستهدف قوات الأمن، وهذا هو السبب في استهداف الحرس الثوري لمقراتهم في كردستان العراق". 

وأضاف أن "الحرس الثوري والحكومة الإيرانية طلبا من السلطات في إقليم كردستان العراق أن توقف هذه النشاطات المعادية، ولكن للأسف السلطات هناك لم تقم بشيء واستمرت هذه الأعمال الاستفزازية ضد إيران، مما أدى إلى استهداف مقرات هذه  الحركات المعادية التي تنشط في المناطق الحدودية الغربية". 

وتتخذ أحزاب وتنظيمات معارضة كردية إيرانية يسارية من إقليم كردستان العراق مقراً لها، وهي أحزاب خاضت تاريخياً تمرداً مسلحاً ضدّ النظام في إيران على الرغم من تراجع أنشطتها العسكرية في السنوات الأخيرة.

لكن هذه التنظيمات لا تزال تنتقد بشدّة الوضع في إيران على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر مشاركة مقاطع فيديو للتظاهرات التي تشهدها إيران حالياً منذ وفاة الشابة مهسا أميني منتصف سبتمبر بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق. 

ومن بين القتلى، عنصران على الأقلّ من حزب الحرية الكردستاني – الإيراني المعارض، وفق بيان صدر عن هذا التنظيم المسلّح، تحدث كذلك عن جرحى في صفوفه في قصف استهدف منطقة كويسنجق شرق أربيل. 

وندّد الحزب على تويتر بما وصفه "بالهجمات الجبانة" التي شنّت في وقت "يعجز فيه النظام الإيراني عن قمع التظاهرات في الداخل ووقف المقاومة المدنية" للشعب الكردي والإيراني.

ووصف عقبائي، خلال حديثه مع موقع "الحرة" هذه العمليات بـ"الجرائم الإرهابية، خاصة مع استهداف أشخاص ومديين يعيشون في هذه المناطق". 

يعرب شاوردي عن أسفه لسقوط ضحايا مدنيين في العمليات العسكرية الإيرانية في كردستان، لكنه يلقي باللوم على المنظمات الكردية "لأنها تحتمي بالمدنيين وتنشأ مقراتها وسطهم".

ودانت حكومة إقليم كردستان، القصف الإيراني لمواقع داخل الإقليم، فيما طالبت بإنهاء الاعتداءات المتكررة.

وذكر بيان لحكومة كردستان، أنه "ندين بشدة خرق سيادة إقليم كردستان وشن قصف بالصواريخ على مقرات للمعارضة من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

وأضاف البيان، أن "تكرار هذه الهجمات على أرضنا يكون المواطن ضحية لها"، مطالباً بـ"إنهاء هذه الاعتداءات".

وذكرت وزارة الخارجية العراقية، في بيان منفصل، أنها "تُدينُ وبأشدِّ العبارات الاستهداف المدفعيّ والصاروخيّ من قبل الجانب الإيراني، متزامناً مع استعمال عشرين طائرة مسيَّرة تحملُ مواد متفجِّرة، طالَت أربع مناطق في إقليم كردستان العراق، وأوقعت أعداداً من القتلى والجرحى، في تطوّرٍ خطر  يهددُ أمن العراق وسيادته، ويضاعِف آثار الخوف والرُعب على الآمنينَ من المدنيين".

وأضافت، أن "هذه الأعمال الاستفزازيَّة، أُحادية الجانب، تُعَقِّدُ المشهد الأمنيّ وتُلقي بظلالها على المنطقة ولن تساهم إلّا بالمزيد من التوتر".

لكن شاوردي يؤكد أن "مثل هذه العمليات العسكرية في إقليم كردستان العراق ضد الأحزاب الإيرانية المعارضة ستستمر لأن الأولوية هي للأمن القومي". 

تسبب قصف الأربعاء، بأضرار وتدمير مبانٍ في منطقة زركويز على بعد نحو 15 كلم من مدينة السليمانية حيث مقار عدة أحزاب كردية إيرانية معارضة يسارية مسلحة، لا سيما حزب كومله - كادحو كردستان. 

وشاهد مراسل فرانس برس في زركويز دخاناً أبيض يرتفع من الموقع الذي تعرض للقصف وسيارات إسعاف تتجه إلى المكان، فيما كان سكان يغادرون منازلهم. وأضاف أن طبيبة من الحزب كانت تقوم بمعالجة جرحى إصاباتهم طفيفة في الموقع. 

وقال عطا ناصر سقزي القيادي في كومله- كادحون لفرانس برس إن "أماكن وجود مقراتنا في زركويز تعرضت لعشر ضربات بطائرات مسيرة". 

وتعرضت منطقة شيراوا جنوب أربيل كذلك للقصف. وقال رئيس حزب الحرية الكردستاني – الإيراني المعارض حسين يزدان، إن "مقراتنا في منطقة شيراوا التابعة لمحافظة أربيل ...تعرضت لقصف من جانب إيران".

ويرى عقبائي أن "هذه الضربات تمثل جزءا من الجرائم الإرهابية لنظام الملالي، الذي كلما وجد نفسه في مأزق داخل إيران، يرتكب هذه الأعمال الإجرامية ويستهدف المواطنين الأبرياء". 

ويعتبر أن "هذه الجریمة من قبل النظام تأتي ردا على انتفاضة الشعب الإيراني المستمرة منذ 13 يوما، منذ مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني بشكل وحشي على يد الشرطة". 

وقال عقبائي: إن المظاهرات بدأت في المدن الكردية، لكنها توسعت في جميع أنحاء إيران، وشملت حتى الآن 162 مدينة في جميع المحافظات الإيرانية البالغ عددها 31". 

وبينما تقول الأرقام الرسمية، إن عدد قتلى الاحتجاجات هو 60 شخصا بحسب وكالة أنباء فارس، فإن عقبائي يقول لموقع الحرة": "النظام أقام حظراعرفيا غير معلن في العديد من المدن الإیرانیة، وقتل أكثر من 240 شخصا حتى الآن من خلال قوات الأمن، وتجاوز عدد المعتقلين 12 ألف شخص". 

لكن شاوردي يقلل من تأثير الاحتجاجات ويقول "نعم هناك احتجاجات رأيناها خلال العشرة أيام الماضية، لكنها أقل بكثير من مظاهرات 2009 على سبيل المثال بل وحتى 2019، بدليل أن قوات الحرس الثوري لم تتدخل للتصدي لها، وتركت المهمة لقوات الأمن التي لا تزال تسيطر على الوضع". 

يطالب عقبائي بدوره، المجتمع الدولي، "الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني في انتفاضته، وإدانة الجرائم الهجمية التي يرتكبها النظام في الداخل والخارج".