الحوثي يقوّض الحريات ويفرض الوصاية على سلوك اليمنيين

لا يكفّ الحوثيون منذ انقلابهم على السلطة عن توظيف الدين والقوانين والأعراف القبلية لأغراضهم السياسية، ويحاولون دوماً فرض وصايتهم الدينية على أخلاق الناس خصوصاً على المرأة في سلوكها ومظهرها، والظهور بمظهر الحرص عليها، بينما ممارساتهم في الواقع بحقها على النقيض تماماً.

وخلال ثماني سنوات مضت نصبت مليشيا إيران الحوثية نفسها وصية على المجتمع اليمني، ومحددة لقيمه وسلوكياته وعقيدته، محاولة بزعم تفوقها الأخلاقي بفرضها إملاءات ونمط حياةٍ وسلوكٍ معينٍ على المواطنين والنساء في مناطق سيطرتها تصل حد الوصاية وقمع الحريات، في انتهاك صارخ للحريات العامة والخاصة التي كفلها القانون والدستور النافذ.

وبدأت ذراع إيران بالتدريج فرض سطوتها ووصايتها والتضييق على المواطنين خصوصا النساء والتدخل في الخصوصيات الشخصية والعائلية وشنت حملات واسعة على المطاعم والكافيهات والاستراحات والمقاهي بصنعاء هدفها "منع الاختلاط"، كما فصلت الجنسين بالمؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات، في اطار ما اسمتها مواجهة "الحرب الناعمة"، وفرضت كيانات كـ"الملتقى الطلابي الجامعي" و"نادي الخريجين" بغرض فرض اشتراطات وقيود مشددة و"منع الاختلاط" ولـ"ضبط أخلاق المجتمع من الانحلال" -حد زعمها- وبهدف فرض اتاوات مالية على الطلاب والطالبات لصالح قياداتها.

ولم تتوقف معارك الحوثيين ضد حريات المجتمع اليمني، بمنع الاختلاط فقط فاتجهت الجماعة الى معركة "أحزمة البالطوهات" حيث داهمت الجماعة عشرات المحلات المخصصة لبيع العبايات (البالطوهات) النسائية بشوارع متفرقة بصنعاء وقام عناصرها بجمع كل "أحزمة ربطة الخصر" الخاصة بالعبايات وإحراقها بشكل جماعي بذريعة ان هذه الأحزمة التي ترتديها بعض الفتيات تثير الفتنة وأحد أسباب "تأخير النصر".

وفي 11 نوفمبر الماضي، فرضت مليشيا إيران الحوثية وثيقة اسمتها "المدونة العامة للسلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل" في وحدات الخدمة العامة تتضمن سلسلة من الضوابط والقيود التعسفية بحق الموظفين في مناطق سيطرتها، التي قايضت وظائفهم باعتناق افكارها العقائدية وتكريس فكرة "الولاية" وحضور دوراتها الطائفية والمشاركة في شعائرها وطقوسها المستوردة من طهران ووضعت موظفي القطاع الحكومي بين خيارين؛ إما القبول بفرض الوصاية عليهم أو التسريح من العمل.

وبعدها بأيام، منعت المليشيات الحوثية أي زوج مع زوجته من دخول المطاعم لتناول وجبات الطعام في صنعاء وطالبتهم بابراز عقد الزواج وبطائق الهوية في انتهاك صارخ لخصوصيات الأسر اليمنية.

كما وجهت المليشيا الحوثية ملاك الفنادق بصنعاء باتخاذ اجراءات مماثلة بحق العوائل وصلت حد اعتقال عناصرها عددا من المواطنين مع زوجاتهم واقتيادهم إلى أقسام الشرطة من بعض الفنادق بسبب عدم امتلاك بعض الزوجات لبطاقة الهوية الشخصية رغم امتلاكهم لعقود زواج معمدة من القضاء الخاضع لسيطرتها.

وسبق، ان قوضت مليشيا الحوثي حرية تنقل المرأة ومنعتها من التنقل في الداخل أو السفر إلى الخارج بدون وجود "محرم"، ومنعت المقاعد المتقابلة في باصات النقل الصغيرة (الدبابات)، وألزمت مالكيها عبر ادارة مرور صنعاء بإعادة تركيب مقاعد الركاب بحيث لا تكون متقابلة وحددت لهم مهلة حتى نهاية شهر أكتوبر الفائت لتغيير وضعية المقاعد المتقابلة إلى وضعية التراتب (مقعد بعد آخر) مهددة باتخاذ إجراءات عقابية وفرض عقوبات مالية ضد المخالفين، تحت ذرائع أخلاقية منها "منع الاختلاط".

ومارست المليشيا في الحدائق العامة والمنتزهات بصنعاء التضييق على روادها وزوارها على غرار "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وتنظيمي داعش والقاعدة الارهابيين ولم تسلم حتى بعض العوائل داخل سياراتهم في مرتفعات شارع الخمسين ومنطقتي العشاش وعصر، من الاستجواب من قبل عناصرهم وسؤالهم على صلة قرابتهم، ومنع أنواع من قصاصات الشعر وإجبار الشباب على حلق شعر الرأس ممن لا يلتزمون بذلك بعد إهانتهم وضربهم في مراكز الشرطة وتحديد طريقة اللباس الخاص بالشباب.

وأثارت تلك الإجراءات والممارسات والانتهاكات موجة سخط واستنكار واسعة بين الحقوقيين والاكاديميين ورواد وسائل التواصل الاجتماعي وناشطات المجتمع المدني عبرت عن رفض الوصاية "الدينية" على الأخلاق والتضييق على الحريات العامة والخاصة.

وأعربت الناشطة سونيا صالح عن استيائها من الصمت الأممي والدولي لممارسات الحوثيين الذين اطلقت عليهم تسمية "أعداء الحريات"، مطالبة بضرورة حماية حرية المرأة وحقوقها في ظل ممارسات تقييدها والتعدي عليها من قبل مليشيا الحوثي وفرض الوصاية على حياتها.

وكتبت الاعلامية منى صفوان تغريدة بموقع "تويتر" قالت فيها: "الموظفين بلا راتب، والجماعة مشغولين بالسلوكيات الايمانية..! فعلاً.. الفلوس تجي وتروح.. المهم الأخلاق".

وقال ناشط حقوقي: "السلوك هذه الأيام ديدن الحوثيين.. سلوك الموظفين.. سلوك الطالبات.. سلوك النسوان.. سلوك المسافرات.. سلوك الباصات.. سلوك الموظفين.. سلوك المفسبكين لكنهم يتجاهلون سلوكياتهم".

ويعتقد ناشطون ان المليشيا تسعى لصرف انظار المواطنين عن مشكلة نهب المرتبات والوضع المعيشي المتردي للسكان وتفشي الفساد بشكل قياسي وتعطل الخدمات، بالتدخل في شؤون وخصوصيات الناس وفرض الوصاية على المرأة والمواطنين.

ويرى مراقبون أن فرض الوصاية الدينية بالقوة والقهر فعل لا يمارسه إلا من يحتاج إلى علاج نفسي، كونه مهووسًا بالتدخل في حياة وخصوصيات الآخرين خصوصا النساء، والذي لا محالة يجد فيه متعة خاصة، لأنه بقدر ما يحُط من قيمتهم، بقدر ما يستشعر أفضليته وتعاليه على ما يعتقده انحطاطًا ومنكرًا يسقط فيه الآخرون.

وأوضحوا أن خطر هذا النوع من السلوك الذي يمتاز به الحوثي يكمن في تطرفه وإضفاء صفة القداسة على نفسه، ما يتسبب في وجود حالة من التنافر فيما بينه ومحيطه من كل الفئات المجتمعية المختلفة.

وأشاروا إلى أن الدافع الحقيقي للحوثيين في ممارسة الوصاية الأخلاقية والفكرية والدينية، هو في الغالب دافع مصلحي، بهدف تحقيق الهيمنة والتسلط على المجتمع، واستتباعهم للذات خصوصا كون الناس لا يتقبلون فكرهم العنصري الطائفي المقيت.