في يومهم العالمي.. عمال اليمن يحتفلون بيوم التجويع والمديونيات والدفع نحو الانتحار

بينما تكرم حكومات وشعوب العالم عمالها في مختلف القطاعات، بمناسبة يوم العمال العالمي، الذي يصادف الأول من مايو من كل عام، يحيي عمال اليمن هذا اليوم بمزيد من التجويع الممنهج الذي اختارته لهم مليشيا الحوثي والحكومة المعترف بها دولياً على حد سواء، في وقت كان قد اختصر العشرات منهم مسيرة البؤس هذه باختيار حبال المشانق والعيارات النارية.

منذ انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، أخذت أوضاع ملايين الموظفين والعاملين في عموم البلاد، ومثلهم بقية المواطنين، تنحو منحى حرجاً، حيث سرّحت آلاف الموظفين الحكوميين، ورفضت دفع رواتب مئات آلاف آخرين لأكثر من خمس سنوات، بينما فقد ملايين العاملين في القطاع الخاص وظائفهم، نتيجة هجرة رؤوس الأموال وزيادة الجبايات والإتاوات المفروضة عليهم تحت مسميات عدة.

بالمقابل، كانت الصورة مشابهة بالنسبة للموظفين المتواجدين في المناطق المحررة من قبضة مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً، فالحكومة الشرعية وإن التزمت بصرف الرواتب، إلا أنها ليست منتظمة شهرياً من جهة، ومن جهة أخرى تخضع آلاف الموظفين النازحين إليها من مناطق مليشيا الحوثي لقيود وتعسفات. ليس هذا فحسب، بل أيضاً، الفساد المالي والإداري، الإقصاء بالنسبة لحكومة عدن، العنصرية بالنسبة لمليشيا الحوثي، المعايير المزدوجة، التوظيف والتعيين بالمخالفة، توظيف القوانين وفق المصالح الخاصة... كل ذلك وغيره كان سببا رئيسا في انهيار الاقتصاد المحلي لأكثر من 500 في المئة مقارنة بفترة ما قبل الانقلاب واندلاع الحرب، واستمرار تنامي وتفاقم المعاناة.

يقول العديد من موظفي القطاعين الحكومي والخاص، إن الرواتب الحكومية والأهلية لم تعد قادرة على تغطية نفقاتهم واحتياجاتهم الأساسية. فمع خسارة العملة نفس النسبة التي خسرها الاقتصاد، وهي نفس النسبة أيضا التي خسرتها الرواتب من قيمتها، بات الموظف العامل في البلاد يحتفل في يومه يوم تجويعه وإركاعه وإذلاله، لا سيما والضغوط النفسية التي أفرزتها هذه المعاناة وتضخم مديونياتهم دفعت العشرات منهم خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلى إنهاء حياتهم بطرق عدة ما بين الانتحار شنقا أو رميا بالرصاص.

مديونيات

المدينوية بالنسبة لهذه الشريحة هي الرصيد الأوفر بعد أن تقطعت بهم السبل نتيجة فقدان الكثير منهم لمصادر الدخل المتاحة، حيث يعتمد أكثر من 60% منهم على الديون لتغطية احتياجاتهم من الغذاء، احتياجات العيش، الصحة، التعليم، الكهرباء وإيجارات المساكن، وفق تأكيدات عديد عاملين في قطاعات مختلفة.

وأكدوا لوكالة خبر، أن راتب المعلم الذي لا يتجاوز 70 ألف ريال (الدولار يساوي 1200 ريال)، لا يستطيع أن يغطي إيجار مسكن المعلم الساكن في مدينة عدن، وإن استطاع ذلك في مدينة أخرى، إلا أن تغطية نفقات الطعام لا سيما وسعر كيس القمح 50 كجم يقترب من 40 ألف ريال، بعد أن كانت قيمته قبل الحرب ما بين (4- 5) آلاف ريال، بزيادة عشرة أضعاف، ومثلها أو أقل قليلا بقية الخدمات والاحتياجات منها أجور مواصلات وصحة وكهرباء وغيرها، تظل عالقة في خانة المديونيات اليومية، بينما تحتدم المعاناة أكثر بالنسبة للعاملين المتواجدين في المناطق الخاضعة للحوثيين.

ويحتل المعلمون المرتبة الثانية بعد منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية من حيث نسبة الأجور، فيما موظفو بقية المؤسسات الحكومية، وغالبية موظفي قطاعات المؤسسات الخاصة، والعاملين بالأجر اليومي، يتقاضون أقل من ذلك، وبهكذا تتضاعف معاناتهم عن غيرهم.

قوى نفوذ

وأرجع خبراء اقتصاديون، أسباب المعاناة إلى كثير من الممارسات غير المدروسة للحكومة والمليشيا الحوثية ككل، من بينها نقل وظائف البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن بدون أي ترتيب لتلافي تبعاته وأضراره التي برز منها انقسام العملة، الفساد، التوظيف الجديد والتعيينات وفق معايير المحسوبية، تعدد الأوعية الايرادية وذهاب أغلب إيراداتها إلى قوى نفوذ الطرفين، غياب الرؤية الاقتصادية الجادة لإنعاش الاقتصاد، فساد المنظمات العاملة في البلاد... وغيرها الكثير.

وبرزت نسبة التضخم التي بلغت نحو 80 في المئة، كمشكلة رئيسة، بعد أن باتت تلتهم رواتب جميع الموظفين في المناطق المحررة، مضافا إليها المداخيل والأجور الشحيحة للفئة العاملة التي تجد صعوبة بالغة في الإيفاء بالتزاماتها المعيشية والمواءمة بين الدخل والإنفاق.  

وبسبب كل ذلك، أسقط السواد الأعظم من اليمنيين، من قوائم أنظمتهم الغذائية اللحوم، الأسماك، الخضروات والفواكه، الأجبان والبقوليات. ولعل ذلك إضافة إلى خروج أكثر من 50 في المئة من خدمات القطاع الصحي عن الخدمة بسبب استهدافها المباشر أو نقص وانعدام التمويل، كان سببا رئيسا في عودة الأمراض والأوبئة القاتلة التي كانت قد نجت البلاد منها خلال العقدين الأخيرين بدرجة كبيرة جدا، وفقا لتقارير ومصادر طبية.

ومع استمرار تسيّد سياسة الفساد على سياسة الإصلاحات المالية والإدارية، يظل الملايين فريسة تنهشها المجاعة والأوبئة والمضاعفات النفسية، ويبقى العامل اليمني الورقة الأرفع سعرا، والأكثر ربحية في الملف الإنساني، لدى طرفي الصراع، مضافا إليهما الدول الباحثة عن مصالح لها في البلاد.