الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية يسخّران الدعم الدولي لصالح مليشيا الحوثي

كشفت مصادر مطلعة عن تورط وزيرين في الحكومة اليمنية، المعترف بها دولياً، بتسهيل وصول تمويلات المنظمات الدولية إلى مليشيا الحوثي الانقلابية بالتنسيق مع مسؤولين في تلك المنظمات.

وقالت مصادر وكالة خبر، إن واعد عبدالله باذيب وزير التخطيط والتعاون الدولي، وتوفيق عبدالواحد الشرجبي وزير المياه والبيئة في الحكومة الشرعية، وقعا مع منظمات دولية عدّة من بينها "اليونيسف"، على عشرات المشاريع التي تضخ أموالها إلى وعاء مليشيا الحوثي، وتنفيذها بموافقتها في مناطق سيطرة الأخيرة، تحت مزاعم أنه يتم تنفيذها في جميع المناطق اليمنية.

وتساءلت المصادر عن دوافع التواطؤ والتسهيل الحكومي في وصول الدعم المنظماتي بصورة مريبة لمليشيا الحوثي والذي من شأنه تحسين صورتها في محاولة منها لملء فراغ غياب الدولة، وتخفيف حدّة السخط المجتمعي المتزايد تجاهها عاما بعد آخر جراء استمرارها في نهب الإيرادات المهولة التي تضاعفت خمسة أضعاف ما كانت عليه في العام الأول من انقلابها المسلح أواخر العام 2014م، فضلا عن رفضها توفير أدنى الخدمات الأساسية والضرورية للمواطنين، عوضا عن تأميمها المستشفيات والمدارس الحكومية وغيرها من الدوائر بدلاً عن مجانيتها لتصبح مصدرا اقتصاديا يدر عليها أموالا طائلة.

وأعلنت المليشيا الحوثية، مؤخراً، عن مناقصة مشروع الأشغال العامة بصنعاء المقدم على منحة من البنك الدولي عبر منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" عن تأهيل 47 مدرسة في محافظتي إب وتعز، بالإضافة لدعم جديد تحت غطاء تنفيذ مشاريع مستدامة في قطاع المياه والصرف الصحي بقيمة 88 مليون دولار، ومشاريع أعمال تسوية وسفلتة طرقات، منها مشروع طريق "باجل - الصليف" بطول 33 كيلومتراً و300 متر وبعرض ستة أمتار، وبتمويل من البنك الدولي عبر مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (اليونبس) بتكلفة أربعة ملايين و500 ألف دولار، بإشراف صندوق الطرق الريفية.

وذكرت المليشيا عبر وسائل إعلامها خلال الشهر الجاري، أن قياداتها وضعت حجر أساس لـ40 مشروع مياه ريفية وإصحاح بيئي في مديريات محافظة صعدة معقل الحوثيين الرئيس بتكلفة إجمالية ثلاثة ملايين و1.136 ألف دولار، بتمويل المانحين، بالإضافة إلى وضع حجر الأساس لـ26 مشروع مياه في تسع مديريات بالمناطق الخاضعة لسيطرتها في محافظة مأرب بمركز مديرية مجزر بتكلفة، ثلاثة ملايين و1155 ألف دولار بتمويل المانحين، وتنفيذ (اليونبس) مشاريع تأهيل وسفلتة طرقات ورصف لعدد من شوارع مدينة إب.

تورط أممي

وحذرت منظمات إغاثية تابعة للأمم المتحدة من أن جميع المديريات التي تقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية ستواجه مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي وارتفاع مستويات سوء التغذية الحاد بشكل عام.

وما يثير الاستغراب هو أن هذه التحذيرات اطلقتها كلٌ من منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (الفاو) وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي في ظل استمرار مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن (أوتشا) في تطبيق تنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي 2023 المعدة مسبقا لدى الحوثي بصنعاء بتواطؤ حكومي.

وتتضمن الخطة التي تشرف عليها ما تسمى الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية (وهي هيئة استحدثها الحوثيون من أجل السيطرة على عمل المنظمات الأممية والدولية) تخصيص المساعدات بنحو 75% لصالح مناطق الحوثي و25% لصالح مناطق الحكومة الشرعية، رغم أن الكتلة الأكبر للنازحين متواجدة في مناطق سيطرة الشرعية رغم انتقاد خجول من قبل حكومة الشرعية والمجلس الرئاسي للخطة التي اعتبرها مراقبون دعما أمميا علنيا لمليشيا الحوثي الانقلابية تحت مسميات إنسانية.

وتكرر المنظمات الدولية استمرار إطلاق التحذيرات من أسوأ أزمة إنسانية بالعالم وأن الاستجابة الإنسانية في اليمن تواجه نقصا حادا في التمويل، مما يؤدي إلى حرمان آلاف الأشخاص من المساعدات الإنسانية الضرورية بهدف الحصول على أموال جديدة من المانحين حيث يشير بيان حديث لـ (أوتشا) انه لم يتم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن حتى الآن إلا بنسبة 23.5 في المائة فقط من حجم التمويل اللازم للوفاء باحتياجات اليمنيين.

ويقول رئيس "حملة لن نصمت" الدكتور عبدالقادر الخراز، إن "النفقات التشغيلية للمنظمات العاملة في اليمن والوكالات الدولية للاسف يتجاوز في كثير من الاحيان 50 إلى 70 في المائة وهناك عدد من المشاريع التي نشرنا عنها والتي تصل الى 80 بالمائة ومنها مشروع الحوالات النقدية الطارئة لـ(اليونيسف) التي سلمته لمليشيا الحوثي بتسهيل وموافقة وزير التخطيط واعد باذيب الذي أعلن مع وزير الشؤون الاجتماعية أكثر من مرة بعد كشفنا للمشروع انه سيتم نقله الى عدن، إلا أننا فوجئنا بسيطرة الحوثيين عليه بعد تسليمه لهم من قبل (اليونيسف) وهذا يدل على التخادم والتلاعب وتسهيل وصول الأموال للحوثي من قبل بعض قيادات الشرعية".

وأوضح الخراز، أن التلاعب في سير المشروع ونفقاته التشغيلية تشعب وتنوع، لعل أبرزه الفارق الكبير في صرف العملة المحلية ما بين الفارق بين صنعاء وعدن حيث كان يصرف بسعر الصرف القديم للبنك المركزي، اي بـ250 ريالا للدولار، في الوقت الذي كان من المقرر ان يتم الصرف بالدولار الامريكي كما حدده البنك الدولي، بدلا من الصرف للمستهدفين بالريال اليمني.

وتابع، "تم اختلاس 326 مليون دولار خلال اربع سنوات من هذا المشروع ولم يتم محاسبة المنظمة وكل من تلاعب. كلها حقوق الشعب اليمني وللاسف هناك قيادات في الشرعية متورطة بذلك".

وأكد الخراز أنه بعد كشف التلاعب بهذا المبلغ قالت منظمة (اليونيسف) إنها ستقوم برفع المبلغ وإنها ستقوم بصرف بقيمة الدولار في مناطق الشرعية وبقيمة الدولار في مناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي ورغم ما حدث من تلاعب نحن نعتبر اننا حققنا إنجازا للأسر الفقيرة والمستضعفة المستهدفة في هذا المشروع التي اخذت حقوقها دون وجه حق بتغيير سعر الصرف لكن يجب تعويضهم عن ما تم نهبه عليهم خلال الفترة السابقة.

ويضيف، "رغم أن المستهدفين يستلمون اليوم بأقل من سعر الصرف وما زالوا يعانون مظلومية، ولكن ليس مثل السابق بـ250 ريالا، أو صرفه في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بالف ريال بدلا عن 1300 ريال. وفي جميع الأحوال كان يعتبر افضل من السابق حيث ارتفعت مخصصاتهم بعد كشف الحقيقة، إلا أنه -للأسف- لم يتم اجراء أي تحقيق رغم رفع النائب العام السابق احمد الموساي مذكرة -نشرت في حينه- موجهة الى جهاز الرقابة والمحاسبة للتحقيق في الموضوع"، الأمر الذي لم يقابل هذه التوجيهات اي اجراء، ما يشير إلى "وجود خلل كبير، يمكن تسميته بالتلاعب والتناغم ودعم المليشيا الحوثية من بعض قيادات الشرعية".

وأشار إلى أن رواتب الموظفين اليمنيين لدى بعض المنظمات الدولية تتفاوت من 3000 الى 4000 دولار شهريا حسب الفئة "ج"، في حين لا يتجاوز راتب الموظف الحكومي 100 دولار والاستاذ الجامعي 200 دولار، علاوة على الفارق الكبير في سعر الصرف في تلك المناطق، بينما تتراوح مرتبات الموظفين الاجانب بين 15 الف دولار وتصل الى 20 الف دولار، هذا بالاضافة الى بدل المخاطر، وبدل اطفال وبدل سفر، واجازات ورحلات للخارج وتأمين طبي في جميع انحاء العالم، مضافا أيضا إلى ذلك تأمين عن الحياة وبمبالغ كبيرة، وكل هذا يدفع من المساعدات المخصصة لليمنيين على حساب معاناتهم.

في الوقت نفسه لم يتم الاكتفاء بهذا الفساد، فهناك أيضا فساد الاتصالات والانترنت، ولكن الرقابة الغائبة تعرض المساعدات المخصصة لليمنيين للنهب المنظم.

فعلى سبيل المثال، صرف برنامج الغذاء العالمي (wfp) ما يتجاوز مليونا ونصف المليون دولار سنويا، حتى انه في إحدى السنوات صرف اكثر من مليوني دولار نفقات على خدمتي الانترنت والاتصالات، وهذه الارقام المهولة كفيلة للشراكة في اطلاق قمر صناعي في مجال الاتصالات لو أنه استفيد منها بشكل صحيح، بحسب تعليق مراقبين.

إلى جانب ذلك أيضا، مشاريع المياه والصرف الصحي التي وافقت عليها وزارة المياه والبيئة في الحكومة الشرعية، وتم استغلالها لصالح مليشيا الحوثي.

وفي عامي 2018 و2019، كشفت مذكرة اعترف من خلالها مكتب (أوتشا) ان توفيق الشرجبي وزير المياه والبيئة، وافق على الخطة التي ذهب 75% من مشاريعها لصالح مليشيا الحوثي، وبدلا من محاسبته تم ترقيته من وكيل الى وزير بحكومة الشرعية.

وكشفت وثيقة مسربة، عن صرف مرتبات بالدولار الأمريكي، صادرة من جماعة الحوثي، ضمت في قوامها عددا من الأسماء المتواجدة في مدينة عدن التابعة للحكومة الشرعية، بينهم منير عبدالوكيل محمد الاغبري السكرتير الخاص لتوفيق الشرجبي ومرافقه الدائم وآخرون، كجزء من تبادل المصالح والتخادم والفساد بين قيادات الشرعية والمليشيا.

وتؤكد المعلومات، أن جميع المشاريع، المتعلقة بمجال المياه أو غيره، يتم إدارتها من صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيا، ويتم التوقيع على سير تنفيذها من قبل وزراء ومسؤولي الحكومة الشرعية، في الوقت الذي يتم تنفيذها في مناطق المليشيا، حتى إن الأخيرة توافق على مشاريع تنفذ في المناطق المحررة، وتديرها في نفس الوقت.

ووفقاً للمعلومات المؤكدة لدينا، آخر هذه المشاريع، 27 مشروع مياه في عدن، وقبلها مشاريع للصرف الصحي، كان قد أعلن عن مناقصاتها في صنعاء ضمن ما يسمى مشروع الأشغال العامة التي تديره المليشيا بتمويلات من البنك الدولي وهو لعب واضح ولا يوجد هناك من يوقف هذه المهزلة.