في الذكرى الـ 34 من عمر الوحدة اليمنية المُباركة... الوحدة صامدة في وجه التحديات
لاشك بأن الوحدة اليمنية مرت بمراحل عديدة، ظهرت خلالها أوجه اتفاق واختلاف، وتجاوزت ذلك بحكمة وحنكة أبناء الشعب اليمني، وجيل الوحدة اليمنية، الذين يحملون لها مشاعر الحب والانتماء لليمن الجمهوري الواحد، حاملين على أكتافهم روح جسر الوحدة وعمودها المتين، متجردين من كل النزعات المناطقية والعنصرية وشعارات الردة والانفصال، خاصة وأن كل ذكرياتهم ودراستهم لا تخلوا من ثقافة دولة الوحدة اليمنية التي رسخت في اذهانهم وذاكرتهم مبدأ التكافل الاجتماعي والتعايش السلمي بين جميع أبناء الوطن الواحد.
لقد شهدت الوحدة اليمنية في الوقت الراهن أخطر وأبشع حملات التزييف منذُ قيامها في العام 1990م وسخر دعاة الانفصال كل امكانياتهم للترويج لمشروعهم التخريبي الذي يدعوا للتشرذم والتفرقة والعنصرية، وعملوا على قتل وتخديش صورة الوحدة وتشويه قيمها العادلة، وتنكروا لفضلها عليهم التي أحتضنتهم ويسرت لهم سبل العيش الكريم والتواصل والتنقل بحرية في عموم محافظات الجمهورية اليمنية، بل وصل بهم الأمر الى تزييف الوعي المجتمعي والتشكيك بوحدوية أبناء اليمن في الجنوب وبنضالهم وتضحياتهم التي سطرها التاريخ وعمدتها دمائهم الزكية في مراحل عديدة.
لقد تعثرت خطوات مشروع الوحدة في بداية مراحله الأولية، وشابها التخوف والتوتر والحذر لبعض الوقت، ولكن الإحساس بالمسؤولية، والرغبة في إحلال دعائم السلام في ربوعه، والحرص على تصفية وإنهاء المشاكل بين الشطرين، وحماية المكتسبات الوطنية التي حققها الشعب اليمني بنضاله الطويل، خرجت فكرة إقامة وحدة، بين شطري اليمن، وبدأت مسيرة الوحدة وبشكل جاد بقيادة الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح ورفاق مسيرته النضالية، على الرغم من العقبات والمشاكل التي ما أن تُخمد أو تنتهي حتى تعود للظهور من جديد، وهو ما يؤكد بأن جهات خارجية كانت ومازالت تسعى لعرقلة مشروع قيام الوحدة وكلما فشلت مساعيها عادت للمحاولة من جديد، ولكن هذه المرة عادت من بوابة الفوضى والحرب في اليمن التي وجدت فيها أرض خصبة لتنفيذ طموحها القديم بفكفكة الوحدة، حيث بدأت بدعم مجاميع مسلحة وتشكيل مجالس وتفريخ كنتونات ظناً منها بأن بإستطاعتها التغلب على وعي ملايين اليمنيين الذين يشكلون اليوم جدار الوحدة وأرضيتها الصلبة.
استمرت سياسة التعايش السلمي في عموم محافظات الجمهورية في ظل وجود دولة الوحدة لسنوات عديدة، لكن التحولات السياسية والاجتماعية والفوضى التي شهدها اليمن من بعد عام ٢٠١١م وانعكاس ماحدث من فوضى واقلاق للسكينة العامة على الحياة العامة للمواطن اليمني، والتدخل الخارجي وإعلان الحرب على اليمن، وعدم الاستقرار السياسي نتيجة غياب هرم دولة الوحدة، أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى وجود فجوة كبيرة بين الشمال والجنوب والذي تم استغلاله من قبل دعاة الانفصال ورفع شعارات تجاوزتها الأحداث وصارت متخلفة ومتهالكه، غير أن القوى المحبة للوحدة سارعت وكعادتها إلى تطويق هذه الشعارات، ومخاطبة الناس وتذكيرهم بأهمية الوحدة وعدم الانجرار خلف أصحاب الأجندات والمشاريع الصغيرة التي وبلا شك ستتبخر كما تبخرت سابقاً.
تعتبر الوحدة اليمنية ركيزة من ركائز مقومات الجمهورية اليمنية، وأساساً من أسس تطور الدولة وتقدمها، كما تعد الوحدة اليمنية الأساس في استقرار الدولة ونمائها، يقوم عليها البناء الوطني السليم وتشكل أهداف التنمية السياسية وغايتها الأولى، وهي تمثل أهم الثوابت الوطنية وأكثرها إلحاحاً وحيوية، كما أنها ( الوحدة) تبرز قصة الحضارة التى تتوالى فصولها مع تعاقب السنين التي توجت بالكثير من الاصلاحات والمشاريع التنموية والخدمية، مما جعل قيمة الانتماء الوطني أمراً مسلماً له جذوره التاريخية وامتداداته العريقة، وتعتبر الوحدة اليمنية قيمة من القيم الوطنية الخالدة، التي عمل الشعب وقيادته الوطنية الشريفه على تقويتها والحفاظ عليها، فهي من مكتسبات الوطن لا يمكن التفريط بها مهما كانت الظروف المحيطة بها.
وأينما تحل الوحدة الوطنية تختفي كافة الشرور والمشاكل والخلافات والصراعات البينيه، والأحقاد، والعنف، والعنصرية، وتسود فيها أجواء المحبة، والتسامح، والتكاتف، والتآخي، والتعايش السلمي بين جميع أبناء الوطن الواحد، ولهذا تجد السواد الأعظم يدافع اليوم عن الوحدة وينتمي إليها عقلاً وروحاً، وفكراً لا حدود له.
لقد تشبع وتشرب المواطن اليمني في شمال الوطن وجنوبه بالوحدة اليمنية، وآمن بها وتمسك بجذورها، وتذوق ثمارها، منذُ قيامها حتى يومنا هذا، وبالتالي لايمكن لأحد تجاوزهم، أو محاولة فرض وممارسة طقوس العربدة الانفصالية على واقعهم، فمن ارتبطت روحهُ بالوحدة وعبرت عن إرادته الصلبة لا يمكن التغلب عليه مهما كان حجم ونفوذ الضغوطات التي تمارس عليه.
وعليه فإن الوحدة اليمنية رغم ما يجري من اقتتال وتدمير في البلاد لابد أن تظل هي خيار الشعب وأمله في حياة مدنية آمنة ومستقرة، والحفاظ عليها يجب أن يكون مسؤولية وطنية كبيرة تقع على عاتق الجميع، لما لها من أهمية في تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة، خصوصاً أن الوحدة اليمنية هي فعل تاريخي صنعه اليمنيين، ولا علاقة لها بفشل مجلس القيادة الرئاسي وقبله هادي وزمرتهم في التفريط بها والعمل على جعلها قضية ثانوية وليست عامل أمن واستقرار للمنطقة ودول الخليج بصورة خاصة، حيث أن الوحدة اليمنية لا تُشكل خطراً وجودياً على أحد، بقدر ما تُشكل العمق الأمني الاستراتيجي للمنطقة برمتها.
هذه من الحقائق التي غُيبت عمداً من قبل دعاة الانفصال والشرعية، التي تتعمد في خطاباتها الرسمية عدم التطرق للوحدة اليمنية أو الحديث عنها، ومن غير المنطق القول بأن هذه التجاوزات التي تمس بشرف الوحدة اليمنية تتم بأيدي أبناء الشمال والجنوب، بل أنها تتم بأيدي فاسدين لا يمثلون أبناء الشعب اليمني في شمال الوطن وجنوبه المتمسك بقيم ومبادئ وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر والـ٢٢ من مايو المجيد، حيث أنه كان ولازال الهدف من المبالغة والتهويل بشأن القضية الجنوبية ومظلومية الجنوبيين هي المزايدة السياسية التي تحولت فيما بعد إلى مشروع للتسويق الخارجي، على حساب القضية الوطنية، وعلى حساب إضعاف المشروع الوطني الوحدوي، خدمة للمشروع الانفصالي الجديد الذي تبنته شخصيات لاتحظى بأي ثقل داخل المناطق والمحافظات الجنوبية، وليس لها أي رصيد نضالي أو سياسي يُذكر.
لقد أغلق العالم والاقليم أعينهم وصموا آذانهم عن كل المتغيرات التي تشهدها الساحة اليمنية، وأقاموا حاجز عزلة منيع على اليمن خشية من النفوذ الإيراني كما قالوا، بينما الحقيقة كانت كل تلك العزلة لتقسيم وتفتيت البلد، ومع ذلك لقد شكل هذا البؤس والظلم والعزلة نواة فكر ووعي تضافرت مع بعضها البعض لتنتج طابوراً من الوحديين الشرفاء الغيورين على يمنهم ووحدتهم التي ستبقى خالدة في ذاكرة ووجدان وروح وعقل كل اليمنيين.