عدن: سعر كيس الدقيق تجاوز راتب الموظف.. والخدمات في تدهور مستمر
شهدت أسعار السلع الأساسية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن قفزة خيالية، حيث تجاوز سعر كيس دقيق القمح (50 كجم) حاجز 60 ألف ريال، وهو مبلغ يفوق متوسط أجور الموظفين الحكوميين شهرياً.
يأتي ذلك بالتزامن مع انهيار شامل وأزمات متلاحقة في الخدمات، على رأسها الكهرباء والغاز والمياه.
أكدت مصادر محلية في عدن لوكالة خبر، أن سعر كيس دقيق القمح (50 كجم) بلغ، حتى يوم الأحد 13 يوليو/تموز 2025، نحو 63 ألف ريال، مسجلاً بذلك زيادة تجاوزت 20 ضعفاً مقارنة بالفترة التي سبقت اندلاع الحرب إثر الانقلاب الحوثي المسلح في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
ويتجاوز هذا الرقم الصادم دخل معظم الموظفين المدنيين، الذين تتراوح رواتبهم بين 40 و60 ألف ريال شهرياً، ما دفع آلاف الأسر إلى حافة الجوع، وأثار مخاوف من مجاعة صامتة في المدينة، وفق تقديرات خبراء اقتصاديين.
وتواكب الزيادة في أسعار الدقيق زيادات مماثلة في أسعار السكر، والزيت، والأرز، والبقوليات، والأجبان، وغيرها من المواد الأساسية.
تدهور متسارع
تأتي هذه الزيادات في الأسعار وسط تدهور متسارع في الخدمات الأساسية، إذ تستمر خدمة الكهرباء في الانقطاع لساعات طويلة يومياً، وسط اتهامات للعاملين في محطات توليد الطاقة بالتلاعب المتعمد في شدة التيار، ما يتسبب في تلف الأجهزة الكهربائية والإلكترونية المنزلية، بحسب شكاوى سكان محليين في مديريتي دار سعد والشيخ عثمان خلال يومي السبت والأحد.
ويتزامن هذا الانهيار في الخدمة والتلاعب بجودتها مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، ما حوّل حياة المواطنين إلى معاناة يومية خانقة، في ظل غياب أي بدائل حكومية، وهو ما يعتبره المواطنون "عقاباً جماعياً" رداً على مطالبهم المستمرة بتحسين الخدمة.
أما أزمة الغاز المنزلي، فما تكاد المدينة تتعافى منها حتى تعود فجأة، حيث شهدت مديريات عدن انقطاعاً في الإمدادات مرتين خلال 72 ساعة، ما أجبر العديد من الأسر على استخدام الحطب والفحم في الطهي، في مشهد يعيد العاصمة إلى حقبة غابرة.
سياسات نقدية فاشلة
في خلفية هذا التدهور، يواصل الريال اليمني انهياره المريع أمام العملات الأجنبية، إذ بلغ سعر الدولار الأمريكي، في تداولات الأحد 13 يوليو/تموز، 2838 ريالاً للشراء، و2857 ريالاً للبيع، ما يعكس فشل السياسات النقدية للبنك المركزي في عدن، ويُفاقم من أزمة المعيشة من خلال تسريع وتيرة التضخم.
وبالمقارنة مع ما قبل انقلاب مليشيا الحوثي في سبتمبر/أيلول 2014، حين لم يتجاوز سعر الدولار 240 ريالاً، فإن الريال فقد أكثر من 1000% من قيمته خلال عقد واحد، ما خلف تداعيات كارثية على القوة الشرائية، في ظل عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات لرفع الرواتب أو تقديم دعم مباشر للمتضررين.
وتُظهر التقارير الدولية أن أكثر من 80% من سكان اليمن يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعتمد الملايين في المناطق المحررة على التحويلات الخارجية والمساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
أما الداخل الحكومي، فغارق في الفوضى والشلل الإداري، في ظل غياب أي برامج لإنعاش الاقتصاد أو رقابة حقيقية على الأسواق.
ووفق بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء والبنك الدولي، تقلّص متوسط الدخل الحقيقي للموظف الحكومي إلى أقل من 20% مقارنة بعام 2014، ما أدى إلى تفشي الإحباط وتراجع الأداء الوظيفي داخل مؤسسات الدولة، وسط بيئة لا تشجع على الإنتاج أو الاستقرار.
وفي مواجهة هذا الانهيار الشامل، ترتفع أصوات المواطنين مطالبةً بتدخل حكومي عاجل لإعادة هيكلة السياسات الاقتصادية، وضبط الأسعار، وإنقاذ الخدمات من الانهيار.
ويتفق خبراء الاقتصاد على أن الحلول الجزئية لم تعد مجدية دون حل سياسي شامل يُنهي الانقسام ويوحّد المؤسسات لإنقاذ ما تبقى من الدولة.