هل تتعلم المملكة السعودية من أشهُر إخفاقاتها الثمانية في اليمن؟

بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار التي صار عليها الوضع في اليمن، فإن الأمور تشير إلى اتجاه الحكومة السعودية نحو النظر في طرق بديلة لتخليص نفسها من التدخل العسكري الذي يبدو غير ناجح حتى الآن، بحسب ما اعتبرته صحيفة "هافينغتون بوست" الامريكية.

ترى "هافينغتون بوست"، أنه يجب على المملكة العربية السعودية أن تتعلم من أشهر الإخفاقات العسكرية في اليمن واتخاذ مسار دبلوماسي صحيح.

وشهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة ارتفاعا غير مسبوق في النشاط العسكري من جانب التحالف العسكري في اليمن بقيادة السعودية. وشنت القوات السعودية حملة من الضربات الجوية في محاولة لإخضاع القوات اليمنية والحوثيين في اليمن، لكنهم، استمروا في ممارسة السيطرة والتحكم مع تأثير امتد إلى الحدود السعودية. وعلى الرغم من تكثيف العمل العسكري السعودي، فقد أدى الأمر في النهاية إلى تحقيق القليل من النجاحات وتسبب في كارثة سياسية وإنسانية أودت في نهاية المطاف بحياة 2300 شخص، بحسب الصحيفة.

وقالت الصحيفة الأمريكية، إن الحرب الأهلية اليمنية، التي بدأت هذا العام، هي صراع بين فصيلين يدعي كل منهما الاحقية في السيطرة على الحكومة اليمنية. وقامت القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية أيضا بشن العديد من الهجمات، فضلا عن قيام تنظيم القاعدة بالسيطرة على مساحات من الأراضي في المناطق النائية وعلى طول امتداد الساحل.

وبالنظر إلى النكسات العسكرية والاجتماعية في اليمن، ترى "هافينغتون بوست"، ان ذلك من شأنه القول لربما كان يجدر بالحكومة السعودية أن تتشارك مع الأطراف المتحاربة المناقشة والحوار بدلا من بداية الحرب التي ألهبت المشاعر المعادية للسعودية، وخلقت مستنقعا سياسيا وعسكريا للحكومة السعودية. ومع ذلك، فإن محاولات إيجاد حل دبلوماسي وجلب الحملة الدموية إلى نهايتها قد أحبطت بسبب اشتداد المعارك البرية والغارات الجوية. على سبيل المثال، بعد ساعات فقط من إعلان التحالف السعودي في اليمن خفض حملته في 22 أبريل 2015، استمر استهداف القوات اليمنية والحوثيين عبر الهجمات البرية والغارات الجوية. ومع ذلك، فإن مساعي التحالف السعودي لإعادة الرئيس هادي إلى السلطة قد فشلت كما فشل في فرض تراجع كبير على أنصار الله في اليمن. وبالنظر إلى حالة عدم الاستقرار التي صار عليها الوضع في اليمن، فإن الأمور تشير إلى اتجاه الحكومة السعودية نحو النظر في طرق بديلة لتخليص نفسها من مستنقع التدخل العسكري الذي يبدو غير ناجح حتى الآن.

وترى الصحيفة ان النهج السعودي يتركز في المقام الأول على إنهاء العمليات العسكرية في اليمن مع قليل من التأثير على اقتصاد البلاد. حيث أن الرد العسكري المكثف قد وضع اليمن في أتون أزمة اقتصادية، وامتدت تأثيراتها إلى أسواق الخليج العربي. وفي حال تسبب القتال في إغلاق مضيق باب المندب، المضيق الذي يفصل بين اليمن وجيبوتي ويمر من خلاله نحو 3 ملايين برميل من النفط يوميا، فإن الآثار الاقتصادية ستكون وخيمة.

ومما يجعل الأمور أكثر سوءاً، فقد أسفرت العمليات العسكرية السعودية في اليمن عن صراع داخلي على السلطة يزيد من تقسيم المنطقة. أكبر كارثة إنسانية تلوح الآن في أعقاب هذا الصراع. وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن الأمور سوف تتفاقم، داعية إلى تسهيل المحادثات بين الفصائل المتحاربة لتسريع عملية الإصلاح السياسي.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن التوجه الأمثل يشمل التركيز على المباحثات الرامية إلى توحيد الفصائل والأطراف اليمنية. مما لا شك فيه، أن المفاوضات السلمية قد تخفف من الحرب وتسهم في التوصل إلى حلول طويلة الأمد للخلافات السياسية والاجتماعية التي سلبت السلام من اليمن. مثال واحد على هذه الحلول الدبلوماسية مكن العثور عليه في خطة النقاط السبع التي اقترحتها سلطنة عمان، النظام الملكي الوحيد في المنطقة المتاخمة لليمن التي لم تنضم للتحالف السعودي. عمان، التي لديها تاريخ من العمل كوسيط بين إيران والولايات المتحدة، يمكنها أيضاً أن تكون مسؤولة عن تسهيل عملية وقف إطلاق النار في اليمن.

وتشمل المبادرة التي اقترحتها عمان لحل الأزمة في اليمن في سبع نقاط:

- انسحاب الحوثيين والقوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح من جميع المدن اليمنية وإعادة المعدات العسكرية والذخائر المصادرة من الجيش اليمني.
- عودة الرئيس هادي وحكومة خالد بحاح.
- انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.
- اتفاق سلام توقع عليه جميع الأطراف اليمنية.
- تحويل جماعة "أنصار الله" إلى حزب سياسي.
- مؤتمر دولي للمساعدات بحضور الدول المانحة.
- انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي.

ولفتت الصحيفة الى ما ذكره محمد عبد السلام، الناطق باسم الحوثيين، أن جماعته بإمكانها العودة إلى المباحثات فقط في حال أوقف التحالف عملياته العسكرية. ومن الواضح، قبل بداية العمليات، أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت قد دشنت مباحثات لإنهاء الأعمال العدائية، إلا أن هذه الجهود كان يمكن أن يكتب لها النجاح فقط إذا لم تكن المملكة العربية السعودية قد استخدمت القوة العسكرية في قمع التمرد المدني المستمر منذ فترة طويلة.

وفي مقابلة مع الدكتور عبيد الوسمي، أستاذ القانون في جامعة الكويت وعضو سابق في البرلمان الكويتي، أكد أن حل الأزمة اليمنية لا يمكن أن يكون عسكرياً في طبيعته، لأن معاناة الشعب اليمني الناجمة عن التدخل العسكري ليست فحسب سبباً في الاضطراب السياسي، وإنما تتسبب في صعوبات اقتصادية واجتماعية أيضاً، واصفاً العمل العسكري السعودي أنه "بلا فكرة" وأن الحرب الحالية في اليمن ليس لديها أهداف واضحة.

وأكد الوسمي، أن تشكيل لجنة دولية تحت إشراف الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، ستكون الطريقة الأكثر منطقية للبدء في إصلاح المشكلة. من خلال هذه اللجنة، يمكن لمجلس الأمن الحفر والتعمق في سبب الأزمة وضمان امتثال الأطراف المعنية مع عمليات سياسية محددة.

وفي نفس السياق، يمكن للعمليات العسكرية في اليمن أن تثير هجمات انتقامية من المتطرفين، وهو ما يشكل تهديداً ليس للمملكة العربية السعودية فحسب وإنما للأمن الأمريكي الإقليمي. وقد أعلن مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية أن الحرب في اليمن تسببت في تعزيز نفوذ القاعدة هناك. الآن، وبعد بضعة أشهر من النشاط العسكري، فإن المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب يتطلعون إلى عدن. وليس هناك شك في أن اليمنيين يرون نجاحات الحكومة السعودية بمثابة تهديد لنجاحاتهم، ونتيجة لذلك فإنهم سوف يشنون هجمات متفرقة على أهداف سهلة لمعاقبة السلطات السعودية. وبحسب ما أوردته رويترز أن القوات اليمنية والحوثيين هاجموا جيزان ونجران في المملكة العربية السعودية.

وترى الصحيفة، أن الرد العسكري على الاضطرابات المدنية وغيرها من أشكال الأزمة يتسبب في عواقب كارثية. هذه العمليات غالباً ما تشعل معارك من أجل التفوق بين القوى الأجنبية وتسمح للوضع في البلد المحاصر بالتدهور. في حالة اليمن، فإن العمليات العسكرية تسببت في زيادة الركود الاقتصادي وتعميق الاقتتال الداخلي. المملكة العربية السعودية قد فقدت أيضاً الكثير من جنودها في المعركة وتواجه خطر تزايد الهجمات الانتقامية.

لتجنب المزيد من إراقة الدماء، قد يكون من الحكمة بالنسبة للمملكة العربية السعودية النظر في استخدام الدبلوماسية بدلاً من مواجهة القوات اليمنية والحوثيين وجهاً لوجه.