وجهٌ تتقاطع فيه وجوه متعددة..

بدأت الحركة الاحتجاجية للشارع الجنوبي للمطالبة بالحقوق.. ظهرت كانتفاضة للضباط والجنود المسرحين بعد حرب صيف 94م والذين كانوا يشكلون نسبة من جيش جمهورية اليمن الديمقراطية ممثلة بطرفها المهزوم بتلك الحرب، واتسعت وانضم إليهم ضباط وأفراد ممن كانوا يعانون التهميش رغم بقائهم.. وبعد تظاهرات واعتصامات انضم إليهم مدنيون من العاطلين والشباب والمظلومين والسياسيين المعارضين والكتاب والصحفيين والأكاديميين. هذه الموجة الشعبية رتّبها السياسيون الجنوبيون في الخارج والداخل في ظل حماية إعلامية وسياسية وقانونية من قوى تكتل المشترك وتحديداً الاشتراكي والإصلاح لتتسع الاحتجاجات التي استقطبت معظم الشارع الجنوبي. حينها لم يعد ما كان يسمى مجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين العسكريين الحامل السياسي لهذه الحركة الاحتجاجية، لتبدأ مرحلة جديدة لتشكيل مكونات سياسية لتكون الحامل السياسي لمشروع الحركة الاحتجاجية للشارع الجنوبي. مكونات سياسية خرج رئيس ما كان يُعرف بمجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين العميد ناصر النوبة، بإعلان الهيئة الوطنية للاستقلال بشراكة المناضل الاشتراكي حسن باعوم.. ولكنهما اختلفا، ليعلن باعوم تشكيل المجلس الوطني الأعلى للتحرير والاستقلال مع نخبة من القيادات السياسية والعسكرية الجنوبية المحسوبة على جغرافيا لحج، يافع، الضالع في وقت انحسرت الهيئة الوطنية للاستقلال على جغرافيا شبوة، مسقط رأس العميد النوبة مع ممثلين له في كل المحافظات، لكنه تمثيل شكلي عمّق الخلاف بين جمهور الحراك، وسط ذلك قام صالح سعيد بإعلان هيئة وطنية أخرى لكنها محصورة به فقط. وبقى السباق في ذروته بين المجلس الوطني الأعلى الذي يقوده باعوم والقيادات الغاضبة على الحزب الاشتراكي والهيئة الوطنية للحراك الجنوبي برئاسة صلاح الشنفرى وبشراكة الدكتور ناصر الخبجي ومعهما طابور من المحسوبين على الحزب الاشتراكي.. ومع ذلك السباق اتسعت رقعة الخلافات لتنتقل من القيادات إلى الجماهير وتسابقوا لتقاسم الجمهور بحثاً عن الشرعية.. ومع مرور الوقت انشق القيادي أمين صالح من مجلس باعوم ومعه الدكتور عبدالحميد شكري لإعلان مجلس أعلى للتحرير والاستقلال، واتسعت الخلافات وتعمقت وكادت تعصف بالحراك. ويعد الخلاف على الدعم المالي من تبرعات المغتربين والقيادات التاريخية للجنوب بالخارج السبب الأول في تلك الخلافات والانقسامات. وفي 2009م أعلن الشيخ القبلي والجهادي السابق طارق الفضلي الانضمام للحراك الجنوبي لتدخل أبين خط الحركة الاحتجاجية المتوهجة المنطلقة من الضالع وردفان والمناطق المجاورة لهما، وقفز الفضلي بالحراك قفزات إلى الأمام جعلته محط مراقبة ومتابعة وتغطية إعلامية داخلياً وخارجياً، واختلف الفضلي مع قيادات المكونات السياسية التي كان يطمح لتوحيدها ليشكل له حركة (حسم). ورغم استفادة الحراك من انضمام الفضلي، إلا أنه جعله محط شك بتهمة الارتباط بـ"القاعدة" والتي كانت سوطاً يجلد به ظهر الحراك وجمهوره. • كان تصريح ناصر النوبة في 2008م بمهرجان يافع، حيث قال "الكل يبارك نضالكم ويدعو لكم بالنصر حتى القاعدة تهنئكم بالنصر".. ما لبث وتراجع عنه واعتبره "زلة لسان". • وبعد انضمام الفضلي بدأت مرحلة جديدة للحراك الجنوبي حيث بدأت رحلة التشكيك عن علاقة الحراك بالقاعدة. فخ الارتباط • ظل شعار مطلب "فك الارتباط" ملغوماً بمفردة "فخ الارتباط" بالقاعدة. كما تحوّل ناشطو الحراك في شبكة التواصل الاجتماعي، إلى غطاء إعلامي يدافع عن عناصر القاعدة ويتهم أي توجه للنظام بممارسات غير إنسانية ضد الجنوبيين.. وهذا ما جعل "القاعدة" تتمدد وتتسع وتستغل الحركة الاحتجاجية السلمية التي تخللها أعمال عنف وتقطع ونهب وقتل. كما أن الأوضاع الأمنية في المحافظات الجنوبية الملتهبة كالضالع وردفان وأبين وشبوة وحضرموت وعدن، جعلها بيئة خصبة لعناصر القاعدة التي تحركت للسيطرة وتوجيه ضربات نوعية للنظام رداً على عملياتها العسكرية التي استهدفت بعض قياداتهم. وتعد عملية الهجوم على مقر المخابرات بعدن وبعدها سقوط أبين في يد "أنصار الشريعة" وسلسلة عمليات استهدفت المواقع العسكرية ومنشآت حكومية كلها لها بصمات القاعدة، فيما كان للحراك المسلح بالحركة الاحتجاجية بعض منها كالتقطعات التي شهدتها ردفان والضالع وتفجير نادي الوحدة بعدن وسلسلة أحداث قتل لمواطنين بالهوية. وهذا ما جعل الحراك السلمي للشارع الجنوبي عرضة لاختراق القاعدة ووصلت العلاقة حد التماهي. الجنوب.. تبادر الأدوار عقب حرب 94م وخروج الاشتراكي، الممثل الشرعي للجنوب، من الشراكة وفوز تحالف حرب صيف 94م كان جزء من الجنوب هو أحد تحالف المنتصر.. ليحل محل الاشتراكي ممثلاً للجنوب.. إلا أن عدم ممارسته لشراكته الحقيقية بعد الحرب سوى مناصب شرفية دون أي قدرة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي جعله يعيد تحالفه في الجنوب مع كل القوى في ظل بقائه في إطار تحالف المنتصر.. ويتمثل ذلك الجزء بأبين التي كانت تتواجد في كل مفاصل ومكونات الجنوب. فمن الشارع، إلى السلطة، إلى المعارضة، إلى حركة المتقاعدين، إلى معارضة الخارج.. كانت ومازالت أبين حاضرة وبقوة وتلعب دوراً رئيساً في المشهد السياسي للجنوب، كان هادي نائباً لرئيس الجمهورية لكنه كان يمتلك قنوات تواصل مع قيادة حراك الشارع الجنوبي، كما كانت قنوات الاتصال والتواصل مستمرة مع معارضة الخارج ممثلة بعلي ناصر وكل عناصره الأخرى كالحسني ومحمد علي أحمد. ومع انتفاضة ما يُعرف بـ"ثورة الشباب" كان هادي في منظومة حكم صالح في وقت ما كان منسقاً مع رموز النظام المنشقين إلى "الثورة" وبالتحديد قائد الفرقة الأولى مدرع اللواء الأحمر، ليكون الشخصية الوحيدة التي جمعت المتناقضين والمتصارعين. ويعد هادي هو الشخصية الجنوبية الذي يمضي لتوظيف الجنوب في مشروع سيطرته على حكم اليمن في وقت ما يتمسك بتحالفه مع قوى ورموز النفوذ في الشمال. خارطة الجنوب.. يلعب الجنوب أدواراً متعددة.. مختلفة ومتناقضة، لكنها تصب في هدف واحد هو العودة إلى السلطة حتى ولو على جزء من الجغرافيا. تتضح تلك الأدوار كما يلي: - هادي في دور الأسطورة تحت غطاء جغرافيا اليمن الطبيعي، مستنداً لفقه الواقع، إما أن أحكم اليمن وإلا فالجنوب جاهز. - علي ناصر محمد، رِجْل مع "الجنوب" ورِجْل "تحت سقف الوحدة". - البيض في مربع استرداد جزء من الجغرافيا لحكمها. - في الداخل محمد علي أحمد يحاور في الشمال مع هادي لانتزاع فك الارتباط، عبر التفاوض الندي للفيدرالية من إقليمين إلى الانفصال. - مكونات الحراك الجنوبي في الداخل.. نضال في الساحات للمضي للانفصال. - تلك أدوار متعددة ومتناقضة، لكنها تسعى لهدف واحد هو فك الارتباط. - يأتي ذلك في وقت ارتباك الشمال وكل النخب اليمنية في الشمال والجنوب والتي تقف وسط التيه بلا حضور وقد تتفاعل سلبياً. - أمام كل ذلك، يبقى الجنوب ورقة للابتزاز ومشروعاً انفصالياً مؤجلاً خاضعاً لإدارة الفعل السياسي وللتحرر من عباءة القيادات المتخشبة (التاريخية) والتي وان سايرت الشارع إلا أنها تظل مشكلة مزمنة لشارع يعرف تاريخها جيداً.