سيناريو سعودي-غربي لـ "دفن" مجزرة صالة العزاء بصنعاء

بأسرع مما هو متوقع، تبدو السعودية وحلفاؤها على عجلة من أمرهم لدفن دماء شهداء وضحايا الصالة الكبرى بصنعاء، وطي ملف الجريمة الأكثر دموية، والمجزرة البشعة. سياق ومُعطيات الأحداث والتحرُّكات، سواءً المتسلسلة أو المتزامنة، يرسم مساراً واحداً، بل وحيداً، يؤدي بالضرورة إلى تمكين المجرمين من الإفلات، ومقايضة الإبادة الجماعية لليمنيين بصفقات خاصة.

بصرف النظر عن كونه المتهم وليس القاضي أو المحقق، وجميع ما سيقوله عن تحقيقات أجراها لا قيمة لها قانونياً، فإن المبررات التي ساقها تحالف العدوان السعودي في بيان إقراره بالمسئولية عن مجزرة صالة العزاء بصنعاء، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، تسير باتجاه واحد: إلقاء المسئولية -فقط - على مصادر ومواقع فيما تُسمى هيئة الأركان اليمنية (لا شيء منها على الأرض وتعني، فقط، أفراداً في الرياض غالباً) أعطت معلومات مغلوطة.

وهذه بدورها تسير في الاتجاه نفسه: راحت تلقي بالمسئولية على "اختراق" مزعوم في قوامها، أو أنها في طريقها إلى أن تفعل وتعلن ذلك بصورة رسمية، بعد تصريحات أولى نشرها الإعلام السعودي منسوبة لرئيسها (المقدشي) تحدث هو الآخر عن تحقيقات خاصة قيد الإنجاز بالتنسيق مع التحالف (..) مصرحاً أو ملمّحاً إلى النتيجة استباقاً "ولذا، فإننا سوف نتأكد من تلك الجهة المعنية بالحادثة، ونتمنى ألا يكون هناك أي اختراقات في الجيش، ولا نريد استباق الأحداث قبل استكمال كافة التحقيقات".

اقرأ أيضاً : المجلس السياسي الأعلى يتمسك بلجنة تحقيق دولية في مجزرة صالة العزاء

هناك متهمان (عملياً مجرما حرب) هما طرف واحد ارتكبا جرائم ومجازر جماعية منذ مارس/ آذار 2015، وتوجت بالمجزرة الأكثر دموية على الإطلاق بحق مئات المعزين في الصالة الكبرى بالعاصمة صنعاء، خولا نفسيهما الحق في إجراء التحقيقات، في ظل مطالب عالمية ودولية ومحلية أجمعت على تشكيل لجنة تحقيق أولية محايدة، وبقية السيناريو الالتفافي المهين للعدالة وللإنسانية اقتضى، كما هو الحال: أن يلقي الأول بالمسئولية على خطأ ارتكبه الثاني الذي هو في خدمته ولا ينفك عنه أصلاً، ليلقي هذا بدوره بالمسئولية على خطأ مرده "اختراق" مزعوم. وفي النتيجة الوحيدة المقررة سلفاً عن معطيات مبسوطة ومعلنة، فإن صنعاء هي الجاني، إضافة إلى أنها هي الضحية. هذا، ببساطة، ما يعنيه إعلان التحالف أولاً وتصريح رئيس هيئة مرتزقته ثانياً.

من الواضح أن المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، تقف عاجزة ومتواطئة أمام مجزرة دموية هزت العالم. وبدلاً من القيام بمسئولياتها تنتظر نتائج وتوصيات الجاني السعودي المُحصن أمامها بسلطات المال والنفط (العليا).

تمييع القضية والجريمة، وبيع دماء الضحايا في العلن، هو ما عبّر عنه: أن يخرس العالم ودوله ومنظماته، وأن تُدحرج سلطات التحقيق للجاني المجرم الغارق في الدماء. وتتولى واشنطن ولندن، بدرجة أساس وأولى، مسئولية تمكين الرياض من الإفلات والترويج لضغوط مورست عليها من قبل الدولتين؛ لإنجاز تحقيق شفاف. بينما هذا القدر كافٍ لإدانة العاصمتين بالانحراف عن مسار العدالة، والذي يقضي أولاً وفوراً بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة.

وفي بقية من سيناريو "سمسرة بدماء اليمنيين" تسوق واشنطن ولندن ــ العاصمتان المتورطتان في المجزرة وسابقاتها من المجازر وجرائم الحرب والانتهاكات السافرة للقانون الإنساني والقانون الدولي من قبل الحليفة الأولى ومملكة النفط ــ تصريحات تبدو قاسية نوعاً ما وساخنة تجاه السعودية، وتكرار اسطوانة وقف الأعمال العدائية والعودة للمحادثات السياسية، وأنه ليس هناك حل عسكري للصراع. وزيادة جديدة هذه المرة سيُقال وقف فوري خلال أيام!

نفس الكلام الذي قيل على مدى قارب العامين، بينما هم يدعمون ويدافعون ويعملون للحرب، وتعطل أمريكا وبريطانيا جميع المحاولات لإنشاء لجان تحقيق دولية وأممية، وتضربان عرض الحائط بكافة التقارير والتوثيقات بجرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية والاستهداف المنتظم والممنهج للمدنيين في اليمن.

وبدلاً من ،راحت الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً عسكرية على اليمن واليمنيين، وتستعرض عضلاتها بقصف صاروخي تحت مزاعم مريبة وفي توقيت مريب حول تهديد سفنها وطرق الملاحة. وفي تزامن فاضح، ذهبت المملكة السعودية تتشكى، مجدداً، في الأمم المتحدة باليمنيين و"والانتهاكات" اليمنية؟!

باتساق وتناغم، تبدو تحرُّكات المتورطين في جرائم الحرب (السعودية وتحالفها ومرتزقتها وداعميها الدوليين) متسقة وينتظمها سيناريو واحد مفضوح تماماً. الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ومن ورائهما الأمم المتحدة، تعمل باتجاه وحيد يكفل (مخارجة) الحليف السعودي، وتمكينه من الإفلات من الجريمة ومن التحقيق الدولي. هذه المرة، كما في جميع المرات السابقة.

لكن مجزرة الصالة الكبرى بحق المعزين فاقت كل الاحتمالات وكل احتمال. يصعب جداً على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دفن جريمة بهذا الحجم وبهذه الصراحة والعلنية والتعمد المباشر وبهذا العدد الكبير من الضحايا والأرواح التي سُفكت.

كما يصعب جداً على المملكة السعودية أن تجد ثمناً كافياً يمكنه أن يدفن الجريمة ولو قام معها العالم.

لن يجرؤ يمني، أياً كانت صفته أو مسئولياته، على التعاطي مع خيارات وحسابات سمسرة وخيانة دماء اليمنيين وبيعها أو مقايضتها بأي ثمن.