سر اعتقال السعودية مموّل سد النهضة الاثيوبي الذي أحدث خللاً في اقتصاد اديس ابابا

فيما جرى تناقل الأخبار عن احتجاز أمراءٍ سعوديين وأباطرة من رجال الأعمال بالرياض في وقتٍ مسبق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كانت أجراس الإنذار تدُق بعاصمة أخرى على بُعد 1000 كيلومتر من الرياض: فقد تم اعتقال أحد أهم مستثمري إثيوبيا.
 
لم يتَّضح بعدُ لِمَ ألقت السلطات السعودية القبض على محمد حسين العمودي، وهو مواطن وُلِد في إثيوبيا ويحمل جنسيتين، وتفيد التقارير أيضاً بأنَّه ثاني أغنى سعوديّ، بعد الأمير الوليد بن طلال، حسب ما ورد في تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني.
 
ويوصف العمودي كذلك بأنه أغنى رجل أسود في العالم والأغنى بإفريقيا، وفقاً لتقرير لموقع إيلاف السعودي.
 
ومع أنَّ ابن طلال -واستثماراته في كُل الجوانب، بدءاً من شركة سيتي غروب البنكية الدولية، وحتى موقع تويتر وفُندق سافوي بلندن- هو من حاز أغلب اهتمام الإعلام حول العالم، فإنَّ أهمية احتجاز العمودي تأتي من قُدرته على إحداث خلل في اقتصاد دولةٍ بأكملها، حسب "ميدل إيست آي".
 
لن تتصور حجم استثماراته
 
استثمر العمودي -أو "الشيخ" كما يُعرَف هُناك- في كُلِّ قطاعٍ تقريباً من اقتصاد إثيوبيا، ويتضمن ذلك الفنادق، والزراعة، والتنجيم، لحد أنَّ الدبلوماسيين الأميركيين قد تشكَّكوا يوماً في أنَّ "تقريباً كُلَّ" عملية خصخصة بإثيوبيا منذ عام 1994 قد تضمَّنت شركات العمودي.
 
ووفقاً لبرقية دبلوماسية تعود لعام 2008 ونشرها موقع ويكيليكس، فإنَّ "تأثير الشيخ على الاقتصاد الإثيوبي لا يمكن الاستهانة به".
 
وبعد 10 أعوام تقريباً من تلك البرقية، أصبح من الصعب أن تُقدِّر مبلغاً محدداً لقيمة استثمارات العمودي الكلية في إثيوبيا، وهي إحدى أفقر الدول في العالم، لكنَّها بين الأسرع نمواً بإفريقيا.
 
ولا يُعلِّق فريق العلاقات العامة الخاص بالشيخ على الأرقام الموضوعة من قِبل أطرافٍ خارجية، ويُحذِّر من تقديراتهم. وقدَّر أحد المحللين قيمة استثمارات الشيخ بـ3.4 مليار دولار، ما يمثِّل 4.7 في المائة من الناتج المحلِّي الإجمالي الحالي بإثيوبيا.
 
وقال آخر إنَّ شركاته توظِّف نحو 100 ألف شخصٍ، ممَّا يمثِّل 14 في المائة من القطاع الخاص الإثيوبي، وهذا وفقاً آخر استطلاعٍ للقوى العاملة أُجريَ في عام 2013. ومع ذلك، يُحذِّر محللو البنك الدولي من أنَّ تِلك الأرقام قد ازدادت على نحوٍ ملحوظ على مدار الأعوام الأربعة الماضية؛ إذ إنَّ القطاع قد نما خلالها.
 
شغل العمودي الصفحات الأولى لكبرى مجلَّات إثيوبيا منذ اعتقاله. وغطَّت وكالات الأنباء هُناك تطوُّرات احتجازه -بما في ذلك الشائعات المنتشرة على الشبكات الاجتماعية- بصفتها أخباراً عاجلة.
 محمد حسين العمودي والملك سلمان
محمد حسين العمودي والملك سلمان
وقال هينوك غابيسا، وهو زميل باحث زائر بجامعة واشنطن آند لي بولاية فيرجينيا وباحثٌ في شؤون إثيوبيا: "إنَّهم يفزعون يُمنةً ويسرة الآن".
 
قلق
 
وبعد أيامٍ من اعتقال العمودي، شعر رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي ماريام ديسالين، بضرورة إقامة أوَّل مؤتمرٍ صحفيٍّ يعقده منذ شهرين، وأجاب فيه عن أسئلة متعلقة بالعمودي. وأكَّد أنَّ الحكومة لا تعتقد أنَّ ذلك سيؤثر على استثمارات العمودي في إثيوبيا.
 
واستبعد مسؤولٌ بمنظَّمة سلطة الاستثمار الإثيوبية فكرة أنَّ اعتقال العمودي قد يشيع الفزع في حكومته. وقال: "إنَّ اقتصاد البلاد لا يقوم أبداً على مستثمرٍ واحد. إنَّ تعدادنا 100 مليون شخص بحق السماء، كيف نكون معتمدين على استثمارٍ واحد؟! إنَّه أمرٌ مضحك".
AFP
AFP
وقال المتحدث باسم العمودي في المملكة المتحدة، تيم بيندري، في بيان: "إنَّ الاستثمارات خارج السعودية والمملوكة للشيخ لم تتأثر حتى الآن بهذه التطوُّرات".
 
ومع اعترافهم بأنَّ الصينيين الآن -وهُم يستثمرون بكثافة في إثيوبيا- يمتلكون حصةً أكبر كثيراً ممَّا يمتلكه العمودي بإثيوبيا، فإنَّ المحللين والمصادر المُطَّلعة يقولون إنَّه حتى وإن لم تكن الحكومة في حالة فزع، فإنَّ هناك مخاوف ستظهر بالتأكيد حول كَم قد يكون نشوب نزاعٍ مع القصر السعودي ذا تأثيرٍ بليغ على الاقتصاد الإثيوبي.
 
وقال ألو، وهو محاضرٌ للقانون في جامعة كيل البريطانية: "إنَّه شخصٌ قد يؤثر وجوده أو غيابه في اقتصاد البلاد".
 
وأضاف: "إنَّه ذو تأثير، وفي ظل كُل المشاكل المرتبطة باستثماراته بالبلاد، هذا يجعله شخصيةً ذات تأثير".
 
النيل
 
وتسري شائعاتٌ بأنَّ العمودي أقرض الحكومة الإثيوبية عُملةً أجنبية حين عانت نقصاً فيها. ومؤخراً، كان أول مستثمر يتبرَّع بأموال لحملة سد النهضة الإثيوبي المقام على نهر النيل، وأفادت تقارير بأنَّه قدَّم 88 مليون دولار للمشروع.
 
واهتم الإعلام المصري باعتقال العمودي ضمن الحملة السعودية بسبب دوره في تمويل سد النهضة، وبدت مرتاحة للقرار.
AFP
AFP
وقال السيد فليفل، رئيس لجنة الشؤون الإفريقية بمجلس النواب المصري، أن القاهرة تملك العديد من أوراق الضغط على إثيوبيا في حال تعنت الأخيرة في الموافقة على الطلبات المصرية، مشيرا إلى أنها تملك ملفا قانونيا بالإضافة إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية، وكذلك الاستعانة بالقوى الإقليمية، معتبراً أن ما فعلته الرياض باعتقال رجل الأعمال السعودي محمد العمودي الذي يعتبر من أكبر المساهمين والمستثمرين في سد النهضة يأتي في هذا الإطار.
 
"نحن بنينا ذلك"
 
يأتي اعتقال العمودي في وقتٍ صعب بالنسبة لإثيوبيا. إذ أدَّى تصميم الحكومة على الدفع باتجاه برنامج تنمية اقتصادي تقوده الدولة على النمط الصيني من أجل إقامة دولة ذات مستوى دخل متوسط بحلول عام 2025 إلى احتجاجاتٍ واسعة النطاق في صفوف الكثيرين ممَن يشعرون بأنَّ الحكومة أصبحت تنظر إليهم باعتبارهم عديمي النفع.
AFP
AFP
في العقد الماضي، ومع مواصلة الحكومة السير على نهج الزعيم السابق ميليس زيناوي، الرجل المُعجَب بالصين والذي قدَّم التنمية على الديمقراطية، أصبح الاقتصاد هو "مصدر شرعيتها النهائي"، حسبما قال ألو.
 
وأضاف: "أصبحت التنمية الاقتصادية كل شيءٍ في سياق إثيوبيا، وراحت الحكومة تبرز أعداد المشافي والمدارس التي بُنيت. فأياً ما كانت المشكلات الكامِنة المتعلِّقة بالاستدامة الاجتماعية، أصبح بمقدورها الالتفات وقول: نحن بنينا ذلك".
 
وأردف: "أمَّا في ما يتعلَّق بالديمقراطية والانتخابات، فهي مجرد طقوس يمرون بها كل 5 سنوات"، لافتاً إلى أنَّ آخر استحقاقين انتخابيين جريا في عامي 2010 و2015، فاز الحزب نفسه، الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الإثيوبية، بكل المقاعد تقريباً.
 
سر اعتقاله
 
لا يزال من غير الواضح تحديداً سبب إقحام العمودي في حملة الاعتقالات السعودية.
 
وقال مصدرٌ مُطَّلع على النشاط التجاري للعمودي إنَّ الكثيرين تفاجئوا حين ورد اسمه ضمن قائمة المعتقلين لأنَّه، وبخلاف آخرين كُثُر، قام بجهودٍ طيلة مسيرته المهنية للالتزام بقواعد النظام المصرفي الإسلامي.
 
وقال المصدر إنَّ احتجازه أوحى بأنَّ الاعتقالات كانت تُركِّز حصراً على مصادرة الأصول من أجل مملكةٍ تواجه تحديات أسعار النفط المتراجعة وتزايد نسبة السكان الشباب.
 
وسأل موقع "ميدل إيست آي" متحدثاً باسم السفارة السعودية بواشنطن عن سبب إقحام العمودي في حملة الاعتقالات وما إذا كانت مشروعاتٌ أو أعمالٌ معينة له قيد التحقيق، لكنَّه لم يرد بعد اتصالاتٍ متكررة.
 
وفي حين أنَّه من المبكر للغاية معرفة كيف سيؤثر اعتقال العمودي على إثيوبيا تحديداً، يبدو واضحاً أنَّ أديس أبابا سترقب التطورات في الرياض عن كثبٍ في المستقبل المنظور.
 
فقال موسلي: "ليس من الواضح إلام سيؤول ذلك في ما يتعلَّق بمجموعة ميدروك في إثيوبيا، لكن الأكيد أنَّه موقفٌ غريب توجد فيه إثيوبيا".