"الصدع" داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الشرق الأوسط؟

شد وجذب وتراشق لفظي وخلافات على مساهمة أعضاء حلف الناتو في ميزانيته. تلك كانت أبرز ما تصدر أخبار القمة التي اختتمت اليوم في العاصمة البلجيكية. ما تداعيات ذلك على دور وفعالية الناتو في الشرق الأوسط؟

أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن "سعادته البالغة" بتعهد دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة الإنفاق الدفاعي "لمستويات غير مسبوقة". وفي تعديل على لهجته قال الرئيس الأمريكي اليوم الخميس (12 تموز/يوليو 2018) إن التزام الولايات المتحدة إزاء حلف شمال الأطلسي "يظل قويا جداً". وقال ترامب للصحفيين في بروكسيل "حلف شمال الأطلسي أقوى بكثير الآن مقارنة بما كان عليه قبل يومين". ووصف اجتماع أزمة لم يكن على جدول الأعمال عقده زعماء الحلف، وعددهم 29، صباح اليوم الخميس بأنه "رائع" وشهد "روحاً جماعية قوية".

كلام ترامب اليوم جاء بعد ما ذكرت مصادر ديبلوماسية مطلعة أن الرئيس الأمريكي هدد بسحب قوات بلاده من حلف شمال الأطلسي (الناتو) إذا لم يعزز الحلفاء على الفور حجم الإنفاق الدفاعي المخصص للحلف. وفي حال لم يرفع هؤلاء مستوى النفقات إلى أكثر من 2 بالمائة من إجمالي الدخل العام، فإن الأمريكيين "سيتبعون طريقهم لوحدهم"، حسبما نقل عن ترامب في مباحثات اليوم الخميس، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء الألمانية استناداً على عدد من المصادر.

ظاهرة "عابرة"

مهما يكن من الأمر ورغم نفي عدة جهات، على رأسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن يكون ترامب قد "هدد" بالانسحاب من الناتو، فإن الضجيج جاء ليعيد الجدل حول دور الناتو، الذي تأسس عام 1949 في بدايات الحرب الباردة، في المنظومة الدولية. مجرد "تسريب" أو "طرح" خروج واشنطن من الناتو أثار كثيراً من التساؤلات التي تمس أسس السياسية الخارجية الأمريكية والعلاقات الوطيدة البنيان بين جانبي الأطلسي منذ الحرب العالمية الثانية.

د. خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، يقول إننا نشهد "تحولاً فعلياً في النظام الدولي"، مردفاً أن "دونالد ترامب عامل خصمه الكوري الشمالي كيم جونغ أون باحترام في قمة سنغافورة، وفي قمة السبع عامل رئيس وزراء كندا وقادة أوروبيين تقريباً بازدراء، ليصل الأمر بترامب ليقول أن لقاءه مع بوتين بعد القمة سيكون أسهل من لقائه مع حلفائه". غير أن أستاذ العلاقات الدولية يعود ويقول في حديثه مع DW عربية إنه "وبمعزل عن تصريحات ترامب تبقى المؤسسات الأمريكية حريصة على العلاقة مع أوروبا".

أما د. نبيل الخوري، الأكاديمي الأمريكي، فيرجع السبب الجوهري لما يحدث في داخل الناتو إلى عدم إيمان ترامب وبعض كبار مساعديه بالمؤسسات الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية: "يعتقدون أنه يجب ألا تكون هناك مؤسسات سيادية فوق المؤسسات الأمريكية، سواء كانت الأمم المتحدة أو الناتو أو غيره". ولكن خوري يجزم في حديثه مع DW عربية بأن ترامب ظاهرة "عابرة في تاريخ الولايات المتحدة، وذلك بحكم العلاقات المتينة بين جانبي الأطلسي وعلى كافة الصعد".

تركيا.. الفضاء الأوروآسيوي

أمس الأربعاء قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في العاصمة البلجيكية إن تركيا "ستتسلم الدفعة الأولى من بطاريات منظومة إس 400 الروسية للدفاع الجوي أواخر العام المقبل". وتابع :"كنا بحاجة ماسة إلى مثل هذه المنظومات، ولم نستطع تأمينها من شركائنا في الناتو، لذا توجهنا إلى روسيا. تركيا دولة مستقلة وحرة، وتتخذ قراراتها بنفسها". ورفض جاويش أوغلو ادعاءات بعض الجهات بشأن ابتعاد تركيا عن الحلف، لافتاً إلى أن أنقرة كانت ستشتري منظومة الدفاع الجوي من شركائها في الحلف لو كانوا وافقوا على ذلك.

تعليقاً على هذه التطور وما سبقه يقول خوري إن بداية الخلاف بين أنقرة وحلفائها في الناتو تعود إلى بداية الأزمة السورية. أما أبو دياب فيذهب إلى أن علاقة الحلف بشقيه "الأمريكي والأوروبي" مع أنقرة ليست على ما يرام منذ محاولة الانقلاب الفاشلة. ويضيف أبو دياب إن "تركيا تقترب من المنطقة الأورآسيوية وفي المقدمة روسيا والهند وغيرها على حساب العلاقة مع الناتو"، مستشهداً بحضور رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف لحفل تنصيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وغياب أي شخصية غربية مهمة.

"كسوف" أوروبي في سوريا

على مدار أكثر من سبع سنوات تبدل الفاعلون الأساسيون، الإقليميون منهم والدوليون، في الملعب السوري. أما اليوم فيبدو أن اللاعبين الأساسيين هم روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وإسرائيل، بالطبع مع اختلاف وزن كل لاعب ونفوذه. ويرجع أبو دياب ما اسماه "الكسوف الأوروبي" في سوريا إلى عدم احترام أوباما "خطوطه الحمراء"، خالصاً إلى أن فرنسا، على سبيل المثال، تُركت "على قارعة الطريق"، ملمحاً إلى أن فرنسا لا دور لها اليوم في سوريا.

ويمضي أبو دياب بالقول: "حتى الضربة الثلاثية كانت رسالة سياسية أكثر منها ضربة وتمت بالتوافق مع الروس". ويشير أبو دياب هنا إلى تنفيذ القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية ضربات جوية ضد منشآت كيماوية سورية في أيار/مايو الماضي رداً على هجوم بغاز سام أسفر عن مقتل العشرات.

ومن جهته، يعتقد خوري أن ما يحدث سيزيد من "تهميش" الدور الأوروبي في سوريا: "ترامب سعيد بأن يترك الملف السوري لبوتين". ومن هنا، يستنتج خوري، أن أوروبا لن تستطيع وحدها "تحدي" الدور الروسي في سوريا.

إيران.. هامش للأوروبيين؟

ومن جهته غرد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عبر "تويتر" قائلاً: "الجماعات الإرهابية والتصرفات الروسية والاعتداءات الإيرانية تشكل تهديداً لأمن شعوبنا. ولهذا تطلب الولايات المتحدة من كل الحلفاء في الناتو زيادة التعاون مع الشركاء في أفريقيا والشرق الأوسط".

ويخالف نبيل خوري، الذي عمل دبلوماسياً للولايات المتحدة لمدة 25 عاماً قضى بعضها في بعض البلدان العربية، خطار أبو دياب في الزوايا التي ينظر كل منهما للملف النووي الإيراني، حيث يرى أبو دياب أن الاتفاق النووي هو اتفاق ثنائي "إيراني-أمريكي" تم تغليفه بطابع دولي. هذا في حين يعتقد خوري أن أوروبا تملك فرصة "أكبر" من أي مكان في الشرق الأوسط للعب دور إيجابي إيجابياً، أقله بالمحافظة على الاتفاقية وحث إيران على الالتزام به حتى بعد خروج الولايات المتحدة.