تكريس أمريكي لـ"الملك القادم" للسعودية

يكتب سايمون هندرسون، الحليف المثالي للمملكة السعودية في واشنطن، مقالا جديدا في معهد واشنطن يتناول زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن العاصمة والولايات المتحدة وعلى صلة بالملف الاقتصادي خصوصا وعرض "رؤية عام 2030" لدى صناع القرار ودوائر المال والأعمال في أمريكا- كهدف رئيس من الزيارة التي تتكشف خلال ذلك؛ عن مظاهر تقديم لملك جديد أو "ملك قادم" بتعبير هندرسون.

ليس عاديا أن يكتب سايمون هندرسون/ معهد واشنطن، في اسبوع واحد وحول الموضوع ذاته أكثر من ثلاثة مقالات متتابعة، علاوة على حوار صحفي واحد على الأقل (..) بما يكرس الانطباع حيال "حليف" أمريكي مثالي في المجال الإعلامي يواكب تحركات و"حاجيات" السعوديين في اللحظة.

تكريس ملكي

المقال الأخير، وهو ليس الآخر بالطبع، الذي صدره هندرسون بعنوان "الخطط الاقتصادية السعودية الطموحة: رؤية أم سراب؟"، يكرس تلقائيا - بصورة مباشرة علاوة على ما بين الأسطر والفقرات - انطباعا "ثوريا" بطريقة ما؛ إزاء (أمير شاب يحب تشرشل ويحتذي تاتشر ويتعمق كتاب الحرب وينطلق من بين حرائق وأدخنة الأزمات).

كما أنه ، وفضلا عن ذلك، يؤمن بأولوية الاعتماد على تحالف استراتيجي مع أمريكا ويقدم للشركات والمصانع وقطاع المال والاستثمار الأمريكي فرصا حقيقية واعدة لجني الأرباح. وفي النتيجة التحليلية تبدو الزيارة وفعالياتها أقرب إلى مراسم تكريس ملك قادم للمملكة السعودية بمباركة الولايات المتحدة ودوائر القرار في واشنطن بمن فيها الكونغرس وقطاع المال والأعمال وفي الأثناء يتم تجييش وغعادة تعبئة اللوبي المساند في الأوساط الإعلامية الأمريكية "بسخاء".

- عبدالباري عطوان: لماذا تخلت امريكا عن رجلها بن نايف لمصلحة بن سلمان؟

يكتب سايمون هندرسون: بعد أسبوع من الاجتماعات في واشنطن، شملت إجراء محادثة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في المكتب البيضاوي، يتوجه ولي ولي العهد السعودي إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة حيث من المتوقع أن يزور منطقة "سيليكون فالي" [أو "وادي السيليكون" التي تضم أكبر وأعرق الشركات العاملة في مجال التقنية]، ومقر شركة "أوبر" لخدمات نقل الأفراد في سان فرانسيسكو، والتي تشهد نمواً سريعاً شمل قيام المملكة العربية السعودية مؤخراً باستثمار 3.5 مليار دولار في هذه الشركة.

بعد ذلك، من المرجح أن يزور مصارف الاستثمار في نيويورك لمناقشة عمليات بيع جزئي لشركة النفط الوطنية السعودية "أرامكو"، وصولاً إلى هدفه الأوسع نطاقاً الذي يقوم على إنشاء صندوق للثروة السيادية بقيمة 2 تريليون دولار وتغيير اقتصاد بلاده.

جانب من الخلفية

تحت عنوان جانبي يقول هندرسون/ معهد واشنطن: بما أن المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم - حيث تتفاخر بامتلاكها احتياطي من النفط يبلغ 266 مليار برميل، أي ما يعادل 15.7 في المائة من إجمالي المخزون النفطي في العالم - تُعتبر المملكة على نطاق واسع "اقتصاداً قائماً على ركيزة واحدة"، وفقاً لعنوان بارز صدر مؤخراً في صحيفة "فاينانشال تايمز". وقد مرّ هذا الاقتصاد بضغوط خاصة منذ انهيار أسعار النفط في أواخر عام 2014، من ما يتخطى 100 دولار للبرميل الواحد إلى حوالي 50 دولار في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن السعر الأخير يمثل ارتفاعاً كبيراً عن أدنى مستوى لهذا العام (أقل من 30 دولار في كانون الثاني/يناير)، إلا أنه من المرجح أن تكون الأسعار مقيّدة في الوقت الراهن بسبب المخزون الكبير (أي النفط الذي تم ضخه ولكنه لا يزال في التخزين).

وينوه أنه لا بد من الإشارة إلى أن هذا الانهيار في الأسعار كان نابعاً، جزئياً على الأقل، من تصرفات المملكة ذاتها، فالرياض توقعت نمو شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة، ولكن محاولتها لإبعاد هؤلاء المنتجين ذوي التكلفة الأكثر ارتفاعاً لم تكلل بالنجاح التام.

في هذا الصدد يشير إلى أن "عدم اليقين" في قطاع الطاقة ترافق مع التغيير السياسي السريع. ففي كانون الثاني/يناير 2015، توفي الملك عبد الله وحل محله الملك سلمان، والد الأمير محمد بن سلمان. وعلى الرغم من أن الأمير كان يبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً فقط في ذلك الوقت، إلا أنه عُيّن وزيراً للدفاع ورئيساً لـ "مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية" الجديد، وهو المنصب الذي استخدمه لكي يفرض نفوذه على كافة جوانب الاقتصاد السعودي. وفي نيسان/ إبريل 2015، عينه الملك في منصب ولي ولي العهد (الثاني في ترتيب ولاية العرش) ورئيس هيئة جديدة لرسم السياسة النفطية، أي "المجلس الأعلى"، مُهمشاً بذلك أفراداً آخرين من العائلة المالكة.

بيد، استمرت المملكة في سياستها القائمة على ضخ كميات هائلة من النفط للحفاظ على حصتها في السوق، مما أبقى الأسعار منخفضة. وفي الوقت نفسه، انخفضت الاحتياطيات المالية السعودية، ويعود ذلك جزئياً إلى دفع الأمير محمد بن سلمان باتجاه التدخل في اليمن. وعلى الرغم من إقالة وزير النفط في التعديل الوزاري الذي أُعلن عنه الشهر الماضي، لم تظهر أي تخفيضات وشيكة في الانتاج.

"بداية الملك القادم؟"

تحت العنوان الفرعي يعيد معهد واشنطن/ هندرسون صياغة الجمل الأولى نفسها بترويج احتفائي "لقد فاجأ الصعود المثير" للأمير السعوديين والأجانب (..) على حد سواء "وقد بدأ تعريفه للعالم بشكل جدي هذا العام".

يجدر هنا التذكير بتقرير شبكة التلفزة الأمريكية (NBC) قبل ايام قلائل والذي اثار علنا وبقوة تحذيرات ومخاوف أمريكية من "انهيار" المملكة ويربط بين تدهور صحة الملك وولي العهد بن نايف وبين ترجيحات بانتقال السلطة والعرش السعودي إلى ملك جديد في القريب العاجل.

فخلال زيارته الحالية، يقول هندرسون، لا يجتمع بالرئيس الأمريكي وزعماء الكونغرس فحسب، بل يعقد أيضاً لقاءات على أساس ثنائي مع أشخاص مثل الرئيس السابق لـ "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية و"القيادة المركزية" الأمريكية ديفيد بتريوس، والمدير التنفيذي في مجموعة "كارلايل" الاستثمارية ديفيد روبنشتاين. بالإضافة إلى ذلك، كان يعقد اجتماعات منسقة بعناية مع وسائل الإعلام.

بروباجندا

وعلى صلة مباشرة بالنقطة الأخيرة المتعلقة بالإعلام، تذكر تقارير أمريكية معلومات متوازية حول توجه مكرس نحو "إنعاش" وإعادة تعبئة وتوسيع عداد وفاعلية اللوبي الحليف في الإعلام الأمريكي، للمملكة الغنية بالنفط والسخية في التمويلات. تفعل هذا ايضا ليس في أمريكا فحسب بل أيضا في فرنسا وبريطانيا. ولعل "إسهاب" سايمون هندرسون ذاته ومنصة معهد واشنطن في مواكبة التحركات الأميرية/الملكية أنموذج عملي أكثر من دال على خدمات منسقة!

بطريقته أيضا يستشهد سايمون: ففي مقابلة ظهرت على قصة غلاف لمجلة الـ "إيلكونوميست" في كانون الثاني/ يناير، صرّح بأنه يريد غرس ثورة في المملكة العربية السعودية تسير على خطى رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر، ثم أعلن أنه من المعجبين برئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، الذي نسب إليه القول: "الفرص تأتي خلال الأزمات". وبالمثل، في ملف تعريف صدر في نيسان/ إبريل في مجلة "بلومبرغ بيزنس ويك"، أشار إلى أن كتاب "فن الحرب" لـ سون تزو علّمه كيفية تحويل المحن لمصلحته.

ناقص الخبرة

لكن أيضا، يستدرك الكاتب/ المعهد "أبرزت هذه المقابلات في بعض الأحيان غطرسة تخبئ النقص النسبي في خبرته، فضلاً عن جانب معين بخصوص موقفه تجاه واشنطن. ففي كانون الثاني/ يناير على سبيل المثال، صرّح أن "على الولايات المتحدة أن تدرك أنها البلد رقم واحد في العالم وعليها أن تتصرف على هذا الأساس". كما أنه يفضل اللباس العربي على الملابس الغربية، ولم يخجل من التفاخر بذكائه (كان الرابع في صفه عند التخرج من جامعة الملك سعود عام 2007)".

إن بروزه السريع وقلة خبرته حفزا قيام تخمينات كثيرة حول أقرب مستشاريه. فعلى الرغم من أن باستطاعة محمد بن سلمان الوصول إلى البيروقراطية السعودية بأكملها، يُقال إنه يعتمد بشكل كبير على أربعة أشخاص فقط:

* تركي الدخيل، مدير عام قناة "العربية" الإخبارية الشاب.
* أحمد بن عقيل الخطيب، شريكه التجاري سابقاً. وقد شغل منصب وزير الصحة لمدة ثلاثة أشهر خلال العام الماضي لكن الملك سلمان أقاله بعد الانتشار الواسع لمقطع فيديو ظهر فيها في مشادة كلامية مع مواطن يشكو من المستشفيات السعودية. ومع ذلك، أعيد تعيينه الشهر الماضي، في ظهور سياسي جديد كرئيس لـ "الهيئة العامة للترفيه" - وهي هيئة جديدة.
* محمد آل الشيخ، وزير الدولة، محامي متخرج من جامعة هارفارد، كان رئيساً سابقاً لمجلس "هيئة السوق المالية" السعودية.
* عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط.

السعوديون والعائلة الملكة

وفقا لمعهد واشنطن، يُعزى السبب المنطقي وراء الخطة الاقتصادية التي كشف عنها الأمير مؤخراً، والتي تُعرف باسم «رؤية عام 2030»، إلى المسؤولين المحيطين به فضلاً عن المستشارين الأجانب. على سبيل المثال، أصدرت شركة "ماكينزي" الاستشارية تقريراً متاحاً للجمهور حول هذا الموضوع في كانون الأول/ ديسمبر، فضلاً عن مشاركة شركة استشارات وبنوك أخرى في ذلك وفقاً لبعض التقارير.

وإذ يعرض العناصر الرئيسية لرؤية يعلق بالقول إنه "وعلى الرغم من أن هذه التدابير تبدو منطقية، إلا أنه من المرجح أن يتم تمديد الإطار الزمني المسموح لإنجازها، كما أن نجاحها في النهاية سيتوقف على رغبة الناس في العمل في القطاع الخاص. وقد يستغرق ذلك جيلاً بأكمله، ففي الوقت الحالي يفضل الكثير من السعوديين الوظائف الحكومية لأنها أقل تطلباً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لخفض الدعم أن يرهق العقد الاجتماعي الضمني بين العائلة المالكة ورعاياها. فعلى الرغم من سمعة المملكة بالثراء غير العادي، إلا أن نصيب الفرد من الثروة هو أقل من نصيبه في العديد من الدول المجاورة، كما أن التفاوت في الدخل مرتفع. وفي الواقع، لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي لا بد من طرحها والإجابة عليها".

قبل أن يستخلص من هذا كله أن السعوديين يتقبلون الملك القادم (..) "يحبذون احتمال أن يحكمهم شخص لا يبدو مثل جدهم. وعلى الرغم من أن طموحه الواضح ووضعه المفضل قد أثارا غضب بعض أفراد العائلة المالكة الآخرين، إلا أنه أنه يتلقى دعاية جيدة جداً في الوقت الراهن".

خبر سار لأمريكا!

ينتهي مقال هندرسون/ معهد واشنطن إلى "الأهم" أمريكيا: أما الخبر السار بالنسبة إلى الولايات المتحدة فهو أن الأمير محمد بن سلمان يفضل بشكل واضح تطوير المزيد من العلاقات مع شركات أمريكية. فقد اجتمع أيضاً مع رئيس "غرفة التجارة الأمريكية" ومختلف الرؤساء التنفيذيين للصناعات الحربية خلال زيارته لواشنطن. وعما إذا كانوا قادرين على مساعدته على تحقيق رؤيته، فإن ذلك سيعتمد في النهاية على صحة الافتراضات التي بُنيت حالياً - وربما الأكثر أهمية، على الظروف في منطقة الشرق الأوسط الدائمة التغيّر، والتي يتعيّن أن تكون مواتية لنجاح المبادرات الحساسة في المملكة.