صنعاء: الجديد ـ القديم في بيان اسماعيل ولد الشيخ

في المجمل بات واضحاً من بيان ولد الشيخ الصحفي، تعزز قناعته باستحالة الحسم العسكري، والذي يبدو أنه انعكاس لقناعة بدأت تترسخ لدى صانع القرار السعودي بذلك.

رغم عدم كشف ولد الشيخ أحمد رسمياً عن تفاصيل خطته المكتوبة التي سلمها لوفد صنعاء (المؤتمر والحوثيين)، إلا أنه من خلال تصريحاته وبيانه المنشور عن زيارته في صفحته الرسمية، أمس الثلاثاء، يرجح عدم وجود جديد في الخطة باستثناء بعض الإضافات الشكلية، التي يحاول من خلالها الالتفاف على تحفظات صنعاء المعروفة.

ويمكن إيضاح ذلك من خلال:

- حديثه عن الحل الشامل بما فيها ترتيبات سياسية معناه مواصلة التركيز على اقتراح نائب توافقي بقرار صادر من هادي، تؤول إليه صلاحيات الرئيس، وهى محاولة لتأكيد شرعية هادي المنتهية قبل شن العدوان، وذلك لإضفاء شرعية زائفة على قرار شن الحرب وفتح ثغرة تمكن قيادة العدوان من التملص مستقبلاً من المسئولية القانونية من المجازر التي ارتكبتها في بلادنا، ولا تزال.

- خلو بيان ولد الشيخ وتصريحاته خلال زيارته لصنعاء من ضرورة وقف العدوان بقرار دولي ملزم، ورفع الحصار بكل أشكاله، وغموض الوضع الذي سيكون عليه في المحافظات الجنوبية والشرقية، ما يرجح تهميشه لتلك القضايا في خطته المقدمة، وعدم وضعها كبنود رئيسية وواضحة لها.. كما أن حديثه في بيانه عن وضع تسلسل واضح ومزمن للإجراءات الأمنية والسياسية، يكشف عن استمرار طرحه للتنفيذ المتسلسل وليس المتزامن بعكس ما دعت إليه خطة كيري وإصراره، أيضاً، في تقديم الحل الأمني على السياسي رغم عدم منطقية ذلك.

استمر ولد الشيخ في التلاعب بالألفاظ، والذي كان أكثر وضوحاً في الفقرة الخاصة بجريمة الصالة الكبرى، فنجده يقول في بيانه موقع الهجوم وليس موقع القصف، كما تجنب إدانة المجزرة تماماً أو حتى الإعراب عن الأسف بوقوعها، علاوة على تجاهل إبداء أي دعم للمطالبة بلجنة تحقيق دولية أو ضرورة محاسبة مرتكبيها وضمان نيلهم العقاب العادل.

وفي محاولة لإظهار تفاعله مع مطالبات عائلات الضحايا لإعادة فتح مطار صنعاء أمام الملاحة الدولية وتمكينهم من نقل جرحاهم للعلاج في الخارج، قال ولد الشيخ في بيانه إنه قام بدعوة الأطراف المعنية لتسهيل عودة الطائرات المدنية إلى مطار صنعاء الدولي، حيث لم يتجرأ حتى على ذكر السعودية أو ما يسمى التحالف بالاسم واستعاض عنها بالأطراف المعنية بصورة تعبر عن حرصه الشديد على إبقاء السعودية بعيداً، وكأنها غير معنية بالمطلق بما حدث.

كل ذلك يظهر خطورة توقيع أي اتفاق للسلام وأي تفاهمات فرعية مكتوبة يشرف على صياغتها ولد الشيخ خلال الفترة التالية لإعلان وقف اطلاق النار، لأن التلاعب بالصياغة واختيار عبارات مطاطية وغامضة وتحتمل أكثر من تفسير ستكون هي السائدة، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام تمكين الرياض وحلفائها من التنصل من التزاماتهم والالتفاف على ما تم الاتفاق عليه.

رغم سلبية ولد الشيخ من مسألة الصالة الكبرى، إلا أن الضغط عليه في هذه النقطة (الاحتشاد أمام مقر إقامته، توصيل رسالة عائلات الضحايا إليه، وقبل ذلك دفعه لزيارة موقع المجزرة الإرهابية)، اضطره للخوض في الموضوع والإشارة إليه في بيانه، في حين أن تجنب الضغط عليه وإحراجه في قضايا أخرى كالبنك المركزي، وأزمة الراتب ومجاعة تهامة، جعلته يتجاهل الحديث عنها في بيانه رغم أهميتها، ما يعني ضرورة التركيز في سياسة التعامل معه على الضغط الشخصي والحرص على وضعه دائماً في زاوية ضيقة لايستطيع الفرار منها في القضايا المتعلقة بالعدوان في الفترة المقبلة.

وفي المجمل بات واضحاً من بيان ولد الشيخ الصحفي، تعزز قناعته باستحالة الحسم العسكري، والذي يبدو أنه انعكاس لقناعة بدأت تترسخ لدى صانع القرار السعودي بذلك.

أخيراً.. كان لافتاً تصريحات شخصيات محسوبة على حزب الإصلاح (إخوان اليمن) أمس الثلاثاء، تكشف عن رفض ضمني للقوى اليمنية المتواجدة في الرياض لإنهاء الحرب، كما نلمسها في تصريحات راجح بادي، المتحدث الرسمي باسم حكومة هادي، ومسارعته لنفي تسلم الحكومة أي خطة للحل السياسي بعكس ما أعلن عن تسليم ممثلين عن ولد الشيخ في الرياض لنسخة مكتوبة من خارطة الحل السياسي التي قدمها في صنعاء.

يُضاف إلى ذلك رفض ضمني من عبدالله الشندقي، المتحدث باسم ما تسمى "مقاومة صنعاء"، في تصريح للإمارات اليوم، لما يقوم به ولد الشيخ في صنعاء عبر التلميح إلى رفض أي حل لا يستند إلى القرار 2216 حرفياً، في حين كان ما يسمى "مجلس تنسيق المقاومة في تعز"، المهيمن عليه من قبل الإصلاح، أكثر وضوحاً في رفضه للسلام، وذلك بدعوته بمواصلة العمليات العسكرية لتحرير المدينة، وعدم التعويل على أي مبادرات أممية، وكل ذلك يظهر استياء تجار الحروب في داخل وخارج اليمن من أي تسوية سياسية، وسعيهم إلى عرقلة أي جهود لإنجاحها، ويبدو أن تمكُّن مراكز النفوذ والفساد من السيطرة الكاملة على إيرادات النفط والغاز في مارب وإيرادات منفذ الوديعة بحضرموت، جعلهم يسعون لإطالة أمد العدوان والأزمة الراهنة حتى يتمكنوا من الاستيلاء على أكبر قدر من تلك الأموال، وتسخيرها لصالح تكريس سطوتهم المستقبلية في تلك المحافظات واليمن عموماً.

*عبدالعزيز ظافر معياد، كاتب وباحث من اليمن

[email protected]