من المسؤولون الإيرانيون المتهمون بتدبير هجوم لوكربي؟

سلطت مستجدات قضية "لوكربي" التي قتل خلالها 270 شخصاً بتفجير طائرة ركاب أميركية عام 1988 وسقطت على قرية لوكربي الأسكتلندية، الضوء على دور إيران الرئيسي في الهجوم، رغم إدانة نظام الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، وتحميله المسؤولية وإرغامه على دفع تعويض لأسر الضحايا.
 
وكشفت المعلومات التي نشرتها "ديلي ميل" البريطانية وصحف بريطانية أخرى خلال الأيام الأخيرة، عن كتاب المؤلف الأميركي الجديد دوغلاس بويد، أن التخطيط لإسقاط طائرة لوكربي عام 1988 تقف وراءه إيران وليست ليبيا، وذلك بأمر من آية الله روح الله الخميني المرشد الأعلى الإيراني، ومؤسس نظام ولاية الفقيه.
 
وذكر دوغلاس بويد، في كتابه المعنون "لوكربي.. الحقيقة"، أن المفجر الحقيقي يعمل الآن في مدرسة في الولايات المتحدة تحت اسم بازل بشناق، ويعيش اليوم تحت غطاء برنامج حماية الشهود الأميركي.
 
قرار الخميني بـ "القصاص"
 
ويقول بويد إن قرار الهجوم اتخذ قبل خمسة أشهر من وقوع الكارثة ومن قبل روح الله الخميني مرشد النظام الإيراني الأول وذلك عندما أمر بـ "القصاص" لضحايا طائرة إيرباص 300 الإيرانية التي تم إسقاطها من قبل السفينة الحربية الأميركية "يو إس إس فينسين" بتاريخ 3 يوليو 1988 والتي اشتبهت بأن طائرة "أف 14" إيرانية تختفي خلفها وتريد مهاجمة الأسطول الأميركي، بحسب ما أعلنت الإدارة الأميركية آنذاك.
 
والآن، عادت إلى الواجهة من جديد أسماء عدد من المسؤولين الإيرانيين المتورطين بالحادث - بحسب الكتاب - وعلى رأسهم علي أكبر محتشمي بور، وزير الداخلية الإيراني آنذاك والذي يعد من أهم قادة النظام ومن المؤسسين لميليشيات "حزب الله" اللبناني.
 
الآمر والممول
 
ويقول الكاتب إن علي أكبر محتشمي بور، هو الآمر والممول للهجوم وفقا للتحقيقات البريطانية - الأميركية المشتركة التي توصلت بعد ثلاث سنوات من الحادث إلى أدلة تؤكد مسؤولية "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة"، وقائدها أحمد جبريل الذي تم تكليفه بالمهمة من قبل الحكومة الإيرانية.
 
وكانت السلطات الألمانية قد اعتقلت، قبل أسابيع من تفجير الطائرة بناءً على معلومات من الاستخبارات الأميركية، خلايا نائمة للجبهة الشعبية، وعثرت خلال المداهمات على قنابل مخفية داخل أجهزة راديو ماركة "توشيبا"، فضلاً عن أسلحة ومواد متفجرة وذخائر.
 
وكانت بقايا متفحمة من جهاز راديو ماركة "توشيبا" قد وُجدت بين حطام الطائرة، والذي كان يحتوي على قنبلة ودائرة كهربائية.
 
الشاهد ضابط مخابرات إيراني منشق
 
ولدى تتبع "العربية.نت" تفاصيل اتهام إيران في حادثة "لوكربي" تبين أن شهادة أبوالقاسم مصباحي، أحد ضباط المخابرات الإيرانية المنشق عن النظام بعد ما أراد تصفيته، بسبب خلافات داخلية، قد لعبت دورا مهما في الكشف عن تفاصيل دور إيران في هجوم لوكربي.
 
وكانت صحيفة "ذا ديلي تليغراف" البريطانية، قد ذكرت في تقرير نشر عام 2014 أن مصباحي اعترف بأن تفجير طائرة "بان أميركان" جاء انتقاما لهجوم البحرية الأميركية على طائرة تجارية إيرانية في نفس العام، والذي قتل فيه نحو 290 شخصا، وتم بأمر من آية الله الخميني، المرشد الأعلى لإيران آنذاك، والذي دعا إلى "القصاص" لقتلى طائرة إيرباص الإيرانية.
 
وأشارت الصحيفة إلى أن المعلومات التي أدلى بها ضابط المخابرات الليبي السابق، عبد الباسط المقرحي، والذي أدين بتفجير لوكربي، تدعم مزاعم مصباحي بأن المفجرين ينتمون إلى مجموعة متطرفة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة.
 
وكان أبو القاسم مصباحي، وهو أحد أفراد الحرس الخاص بالخميني منذ بداية الثورة، مقربا من سعيد إمامي، معاون وزارة الاستخبارات الإيرانية الذي تمت تصفيته في المعتقل بعد اتهامه بتنفيذه الاغتيالات المسلسلة الشهير للكتاب والمثقفين في التسعينيات بفتاوى مراجع متشددين، واستطاع الهروب إلى الخارج بعدما أبلغه إمامي بأن هناك قرارا بتصفيته.
 
شاهد موثوق
 
وكان أبوالحسن بني صدر، أول رئيس إيراني منتخب بعد ثورة عام 1979 والذي تم عزله من قبل الخميني عام 1981 والذي يعيش في منفاه في باريس منذ ذلك الوقت، قد تحدث عن لقائه بمصباحي عام 1988 كمبعوث للخميني يطالبه بالعودة إلى ايران مقابل تنفيذ كل طلباته وقال إنه يعتبر مصباحي موثوقا بعد انشقاقه من النظام.
 
وقال بني صدر في مقابلة مع قناة " صوت أميركا VOA " إن مصباحي انشق عن النظام وهرب عام 1993 عندما أرادوا تصفيته وجاء الى ألمانيا وحضر كشاهد - بتوصية من بني صدر - في المحكمة بهجوم "مطعم ميكونوس" في برلين عام 1992 والذي تم خلاله قتل الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني صادق شرفكندي، وثلاثة من مساعديه "فتاح عبدولي، همايون اردلان، نوري دهكردي" بواسطة فريق من الاستخبارات الإيرانية جاء بحجة التفاوض معهم.
 
وكان أبو القاسم مصباحي يبلغ من العمر 22 عامًا عندما انتصرت أثناء الثورة، حيث أصبح أحد حراس الخميني، ومن ثم أصبح قائدا لمعسكر للحرس الثوري في طهران، وبعد عامين أرسله آية الله الخميني إلى باريس.
 
وقال مصباحي في محكمة ميكونوس إنه ساهم في تأسيس شبكة الاغتيالات الإيرانية في أوروبا تأسست من قبل الجماعات المتشددة في المساجد وكذلك "جمعية الطلاب المسلمين في أوروبا الغربية"، وهي المنظمة نفسها التي كان كاظم درابي كازروني ( عضو الفرقة التي اغتالت شرفكندي) عضوًا فيها.
 
وأكد مصباحي أنه بعد تشكيل الشبكة الإرهابية في أوروبا، عاد إلى طهران بأمر من آية الله الخميني للتعاون مع آخرين بشأن إنشاء وزارة الاستخبارات والأمن.
 
وبعد انشقاقه من وزارة الاستخبارات أواسط التسعينيات، أدلى مصباحي بشهادات في عدة قضايا منها قضية تورط إيران بحادثة لوكربي ومن ثم دور إيران في تسهيل مرور عناصر تنظيم القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر في نيويورك عام 2001، فضلا عن شهادته في محكمة هجوم مطعم ميكونوس.
 
وكان مصباحي، قد كشف في لقاءات سابقة أنه كان يقدم تقارير إلى الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، واعترف أن قرار عملية لوكربي اتخذ من قبل قادة النظام بالإجماع ووافق عليه آية الله الخميني انتقاما لحادث الطائرة الإيرانية".
 
موقف منظمة التحرير
 
وبحسب التقارير المنشورة بالفارسية والتي اطلعت عليها "العربية.نت"، فقد قال مصباحي في شهادته حول حادثة لوكربي إن "الحكومة الإيرانية هي من أعطت الأوامر لجماعة إرهابية مقرها سوريا، بتفجير الطائرة، من خلال عملية معقدة تُبعد الشبهات عن إيران".
 
أما كتاب دوغلاس بويد الجديد فيؤكد أن منظمة التحرير الفلسطينية أصدرت تقريراً بعد وقوع الحادث بفترة قصيرة تؤكد فيه أنها منظمة سياسية وتنفي عن نفسها شبهة الإرهاب، وزعمت أن إيران هي التي دفعت أموالاً لـ"الجبهة الشعبية - جبريل" لتفجير الطائرة.
 
واتهمت المنظمة رجلاً يدعى "أبو إلياس" بأنه المشتبه الأول في اقتحام مخزن الحقائب في مطار هيثرو وزرع القنبلة.
 
ويذكر بويد في كتابه أن الجبهة الشعبية قد جربت بالفعل قنبلتها عبر تفجير طائرة «سويس إير» في 21 فبراير (شباط) 1970، لتقتل 47 راكباً، بالإضافة إلى طاقمها، وطائرة تابعة للخطوط النمساوية في اليوم نفسه كان مقرراً لها الهبوط بأمان في مطار فرانكفورت.
 
ثمن الهجوم 7.7 مليون جنيه إسترليني
 
وأكدت صحيفة "ديلي ميل" أن وكالة المخابرات الأميركية والموساد الإسرائيلي نجحا فى مراقبة مكالمة هاتفية غير مشفرة من لبنان إلى طهران بين جبريل والإيرانيين للاتفاق حول سعر العملية بقيمة 7.7 مليون جنيه إسترليني يدفع منها 1.5 مليون جنيه اإسترليني مقدماً عند التخطيط والباقي ما بعد التنفيذ.
 
لماذا اتهام ليبيا وليس إيران؟
 
واعتبرت "ديلي ميل" دليل اتهام ليبيا بالرغم من كل الأدلة المتوفرة ضد إيران وتورطها، هو قيام الرئيس العراقي صدام حسين بغزو الكويت في أغسطس 1990 وحاجة واشنطن ولندن إلى كسب موافقة جيران العراق (خاصة ايران وسوريا) لمهاجمة صدام حسين، وبالتالي تم إبعاد التهمة عن طهران وتم إلصاقها بليبيا في قضية لوكربي.
 
كما أن نظام القذافي كان من الداعمين لجماعات مصنفة على قائمة الإرهاب كالجيش الجمهوري الإيرلندي وفي ذلك في ذروة خلافات أميركا مع ليبيا آنذاك، والتي كانت ترضخ تحت طائلة العقوبات الاقتصادية بسبب مقتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر، بالرصاص أمام السفارة الليبية في لندن عام 1984.
 
وبحسب الكتاب، تمت بذلك إلصاق التهمة بضابط الأمن في الخطوط الليبية عبد الباسط المقرحي، الذي دين بناء على شهادة صاحب متجر في مالطا زعم أن المقرحي اشترى ملابس من متجره قبل أكثر من 12 عاماً وقد وجدت بقايا من تلك الملابس وسط حطام الطائرة في الحقيبة التي وضعت فيها المتفجرات.
 
وحكم على المقرحي بالسجن المؤبد الى أن أطلق سراحه في 20 أغسطس/آب 2009 من سجنه في أسكتلندا، لأسباب إنسانية بعد إصابته بمرض عضال وقد توفي في ليبيا عام 2012 نافيا لآخر لحظة في حياته أي صلة له بحادثة لوكربي.
 
تحمل ليبيا عبء الهجوم
 
وهناك فرضية تفيد بتنفيذ العملية باشتراك كل من إيران وسوريا وليبيا وتنفيذ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، حيث كانت الأنظمة الثلاثة متحالفة استراتيجيا ووقفت متحدة ضد العراق آنذاك خلال حربه مع نظام الخميني ( 1980 - 1988).
 
ويبدو أن - وفقا لهذه الفرضية - تحمل نظام القذافي عبء العملية وقبل التهمة دفع التعويضات لأسر الضحايا باتفاق مع سوريا وإيران.
 
نفي ليبي بعد القذافي
 
وكان سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل، قد أكد أكثر من مرة في تصريحات رسمية بعد الإطاحة بوالده، أن ليبيا قبلت الاعتراف بالمسؤولية عن الحادث لمجرد رفع العقوبات عنها، لكن هذا لا يعني بالطبع أننا نفذنا التفجير في الحقيقة".
 
كما أن المقرحي قد أعلن قبل وفاته في مايو (أيار) عام 2012 قد طالب الشعب البريطاني والاسكتلندي بأن يكون بمثابة هيئة محلفين قائلا إنه سيقدم أدلة جديدة بشأن براءته من التهم المنسوبة إليه بواسطة محاميه في اسكتلندا.
 
أما إبراهيم الغويل، محامي ليبيا في قضية لوكربي، فكشف في تصريحات صحفية عقب انتشار كتاب "لوكربي.. الحقيقة"، أن ليبيا لم تكن لها أي علاقة بتفجير الطائرة الأميركية فوق بلدة لوكربي.
 
وذكر الغويل في تصريحات لصحيفة "الأسطر" الليبية، بأن لديه معلومات وأدلة تؤكد أن لا علاقة للمقرحي بالحادثة وأن الفلسطيني أحمد جبريل، وبدعم من إيران قد نفذ هذا التفجير.
 
وكشف الغويل أن محكمة العدل الدولية تحصلت على كافة الأدلة، وكانت تقترب من الحكم ببراءة ليبيا، قبل تدخل عبدالرحمن شلقم بصفته وزيراً للخارجية في نظام القذافي، وعقده لصلح مباشر مع أسر الضحايا مقابل دفع غرامات بمبلغ 2.8 مليار دولار.
 
ومع تصاعد وتيرة التحرك الأوروبي ضد العمليات الإرهابية التي قام ويقوم بها النظام الإيراني في أوروبا، يرجح مراقبون أن يتم من جديد فتح ملف لوكربي وبحث تورط النظامين الإيراني والسوري فيه.