مليشيا الحوثي تدشن جبهات جديدة من نوع آخر: «اغتيال ما تبقى من ذاكرة الدولة اليمنية»

دشنت المليشيات الحوثية في صنعاء جبهات جديدة من نوع آخر؛ هدفها اغتيال ما تبقى من ذاكرة الدولة اليمنية على مدى أكثر من نصف قرن منذ قيام الجمهورية، وذلك من خلال سعيها للسيطرة على «أرشيف» وزارة الخارجية في العاصمة صنعاء، تمهيداً للعبث به وطمسه.

وفي هذا السياق، أفادت لـ«الشرق الأوسط» مصادر سياسية وشهود في صنعاء، بأن القيادي الحوثي البارز المعين نائباً لوزير خارجية الجماعة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها دولياً حسين العزي، طلب، أول من أمس، من رئيس الدائرة القانونية في مقر الوزارة بصنعاء الدكتور نجيب عبيد تسليم أرشيف الوزارة لأحد العناصر الحوثية.

وذكرت المصادر أن السفير السابق الدكتور نجيب عبيد رفض الأمر الحوثي، وهو ما جعل القيادي العزي يقوم بالاعتداء عليه شخصياً بالضرب بعقب مسدسه قبل أن يأمر حراسه بسحل السفير عبيد في رواق الوزارة، وإصابته في رأسه بأعقاب البنادق إصابات كبيرة.

ولقيت الحادثة إدانة حكومية على لسان وزير حقوق الإنسان في الحكومة الشرعية الدكتور محمد عسكر في تغريدة على «تويتر» وصف فيها الاعتداء على السفير عبيد بالآثم، كما لقيت الواقعة إدانات من الناشطين اليمنيين؛ إذ عدوها ضمن «مسلسل الجماعة الرامي إلى تدمير المؤسسات والعبث بهويتها».

وفي حين دان الوزير عسكر ما حدث للسفير عبيد على يد القيادي الحوثي، أكد أنه رفض تسليم أرشيف وزارة الخارجية للقيادي حسين العزي، وهو ما جعل الأخير يأمر بالاعتداء على السفير بالضرب وسحله على الأرض؛ ما أدى إلى إصابته في رأسه بإصابات خطيرة.

إلى ذلك، أفاد شهود يعملون في ديوان وزير الخارجية بصنعاء، بأن القيادي العزي نفسه أمر بالاعتداء على أكثر من موظف في الوزارة ممن يرفضون التعاطي مع الأوامر التي يصدرها لهم على صعيد تمكينه من المعلومات والبيانات المتعلقة بأرشيف الوزارة وذاكرتها.

وبحسب المصادر، حدثت واقعة الاعتداء على السفير نجيب عبيد من قبل العزي ومرافقيه في الوقت الذي كان فيه وزير خارجية الانقلاب هشام شرف يجري لقاء مع ممثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن الدكتور عبيد العبيد.

ويرى المراقبون أن الجماعة الحوثية من خلال هذه الواقعة «لديها إصرار إجرامي على الاستمرار في تجريف كل المؤسسات الواقعة تحت سيطرتها بعد أن تمكنت من نهبها وتعيين الموالين لها في كل المفاصل المهمة بغية تمكينها من السيطرة عليها».

ويعد القيادي حسين العزي الحاكم الفعلي لخارجية الجماعة الحوثية، وينحدر من محافظة صعدة حيث معقل الجماعة الرئيسي، كما يرتبط سلالياً بزعيمها عبد الملك الحوثي.

من جهته، وصف الباحث السياسي والكاتب اليمني الدكتور فارس البيل، الحادثة بأنها «اعتداء ممنهج ضمن سلسلة تهديم ما تبقى من المؤسسة اليمنية»، مشيرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحوثيين «لم تكن اعتداءاتهم على مؤسسات الدولة منذ إخضاعها عشوائية أو غير (مهدفة)، فهم يمضون -كما يقول- بمشروع متكامل لتهديم أعمدة الدولة اليمنية وما حققته الدولة منذ 1962 أياً يكن مستوى حضور الدولة».

ويضيف الدكتور البيل: «يريدون من كل ذلك تجهيل الدولة وإدغام فكرتها وقدراتها لصالح مشروعهم، وتذويب كل القوة الصلبة للمجتمع تحت صبغة مشروعهم الطائفي قدر الإمكان». ويتابع قائلا: «يحدث هذا في كل المؤسسات من تغريب وتهديم وأدلجة، بما فيها الخارجية اليمنية، فقد قضوا من قبل على أرشيفات كثير من المؤسسات، وعبثوا بمحتوياتها، ليعيدوا صياغتها كما يريدون؛ بحيث تصعب استعادة هويتها إن حدثت تسوية في المستقبل، وليصبحوا حينها متغلغلين في كل مكان؛ وظيفياً وهويةً وتطبيعاً لمشروعهم».

ويؤكد البيل أن ما يحدث في المؤسسات الحكومية على يد الميليشيات الحوثية «جزء من دائرة ممنهجة لاغتيال الدولة وتحويلها لصيغتهم ورغبتهم في المستقبل».

وبحسب مصادر مطلعة في صنعاء، فقد سعت الجماعة الحوثية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء إلى «الاستيلاء على أغلب الأرشيف الحكومي، في مختلف المؤسسات ودواوين الوزارات، وقامت بنقل بعضه إلى أماكن مجهولة، كما حدث مع وثائق الأوقاف وأراضي الدولة».

كما قامت الجماعة الحوثية بالسيطرة على قواعد البيانات الخاصة بموظفي الدولة في الخدمة المدنية والتأمينات، قبل أن تقوم بحملة واسعة لمحو عشرات الآلاف من الموظفين من السجلات الرسمية؛ من الذين غادروا مناطق سيطرتها أو رفضوا العمل تحت إمرتها.

ويرجح المراقبون للسلوك الحوثي أن الجماعة تسعى إلى «حوثنة» كل شيء في المؤسسات الخاضعة؛ على الصعد الإدارية والثقافية، بما يتيح لها صبغ المجتمع بهويتها الطائفية المرتكزة على «الملازم الخمينية» التي كان مؤسس الجماعة استقدمها من الحوزات الإيرانية.