مجلة "ذي أميركان انترست": الاستقرار في اليمن لن يتم إلا بالقضاء على وكلاء إيران "الحوثيين"

* مجلة "ذي أميركان انترست"

لا ينبغي للانتقادات الإنسانية للحرب في اليمن أن تجعلنا نغض الطرف عن التهديد الخطير والأكبر الذي يمثله الحوثيون والوضع الاستراتيجي لمشاركة الولايات المتحدة.

إن الروايات التي تسردها وسائل الإعلام الغربية، تصور الحرب الجارية في اليمن وكأنها نزاع "عقيم" أو "كارثي". لكن، وقبل كل شيء، كانت اليمن عرضة للنزاعات القبلية والطائفية منذ عقود قادت البلاد إلى تمرد وحروب أهلية شاملة. بيد أن التعقيد التاريخي للسياسة اليمنية وعلاقتها الكبيرة بالمملكة العربية السعودية، يجب ألا يجعلنا نغض الطرف عن جهود إيران لإنشاء رأس جسر وموطئ قدم في شبه الجزيرة العربية من خلال تمكين مليشيا الحوثي المتمردة.

ومن المستبعد أن ينتهي الصراع في اليمن في الوقت القريب، ما لم تلعب القوى الخارجية المهتمة، ولاسيما الولايات المتحدة، دوراً فاعلاً في احتواء إيران وسلوكها المزعزع وإجبار الحوثيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

يميل الأمريكيون إلى عرض الأحداث في اليمن فقط من خلال منظور الأزمة الإنسانية لهذا البلد ودور المملكة العربية السعودية فيها. ولكن حتى إذا كان الطموح والخطأ في حسابات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أدت إلى تفاقم الوضع، فإن هناك مخاطر أكبر ورهانات أعظم في اليمن تفوق ما يعترف به منتقدو الحرب جراء تداعياتها الإنسانية.

وتبدأ هذه الرهانات بالخطط المعترف بها علناً للاستراتيجيين الإيرانيين الذين عبروا عن توقعاتهم بضم العاصمة اليمنية صنعاء إلى قائمة العواصم العربية - بيروت ودمشق وبغداد - التي سقطت في "حضن إيران وأصبحت تنتمي إلى الثورة الإسلامية الإيرانية". ولهذا السبب يدعم نظام آية الله خامنئي الحوثيين وزعيمهم الذي قتل عام 2004 على أيدي القوات اليمنية.

وتضم الحركة الحوثية مقاتلين مسلحين ومدربين تدريباً جيداً، وتبنت الحركة شعارها (الصرخة) منذ عام 2003. ويشير إصرارهم على السعي إلى السلطة عبر الوسائل العسكرية، مع معرفتها بغياب ثقتها في الدعم، حتى في أوساط سكان اليمن الشيعة.

ويعتبر الحوثيون مليشيا حزب الله اللبناني، بمثابة قدوتهم حيث حصل الحوثيون على أسلحة متطورة من إيران، وهددوا المملكة العربية السعودية عبر شن هجمات صاروخية ضدها.

لكن التهديد الذي يمثله الحوثيون قد طغى عليه شجب الحملة الجوية السعودية ضدهم، والتي يُلقى عليها اللوم في التسبب بخسائر مدنية يمكن تجنبها. كما أن شهادة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخراً للكونغرس بأن السعوديين وحلفاء آخرين عرباً يبذلون جهوداً أكبر لحماية المدنيين، لم يضعف من ماكينة تلك الانتقادات.

وتماماً كما تغطي الماكينة الدعائية لحزب الله اللبناني المدعوم من إيران على عنفه وإرهابه من خلال إثارة الضجة حول الخسائر المدنية، فقد تمكن الحوثيون وداعموهم الدوليون من تجنب الخوض في مناقشة السياسة المعقدة في اليمن وتجاوزات الحوثيين من خلال الانتقادات المركزة لسلوك التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الجوية، حيث أدت المخاوف المشروعة بشأن الإصابات في صفوف المدنيين من القصف الجوي السعودي إلى تجاهل العديد من النقاد لكل من دور إيران المزعزع أو إمكانية حصول الاستقرار في اليمن حال نجح الحوثيون -وهم أقلية داخل أقلية طائفية- في إقامة حكمهم على البلد بأكمله.

كما دفع النقد الإنساني لتكتيكات التحالف العربي معظم المراقبين إلى تجاهل حقيقة أن الحرب ضد الحوثيين تدعمها قرارات الأمم المتحدة الداعمة لاستعادة سيطرة الحكومة الشرعية على اليمن. ففي عام 2015، طالب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، والذي اعتمد بـ 14 صوتاً مؤيداً مقابل لا شيء ضده مع امتناع روسيا عن التصويت بأن "على الحوثيين الانسحاب من جميع المناطق التي تم الاستيلاء عليها خلال النزاع الأخير، والتخلي عن الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية مع وقف كافة الإجراءات التي تقع ضمن سلطة حكومة اليمن الشرعية، والتنفيذ الكامل لقرارات المجلس السابقة".

ومذ ذلك الحين، أصبحت الحرب متوقفة على الرغم من أن أجزاء من جنوب اليمن قد انتزعت من قبضة الحوثيين. وقد تحملت القوات اليمنية المشتركة والقوات الإماراتية العاملة ضمن التحالف العربي عبء خوض القتال البري، والذي كان هجومهم، الذي بدأ في يونيو لطرد المليشيات المتمردة من ميناء الحديدة، يهدف إلى إحداث تغيير مسار الحرب.

بيد أن ذلك الهجوم ما لبث أن توقف في يوليو لإفساح المجال أمام إجراء محادثات السلام. لكن ممثلي الحوثي رفضوا الانضمام إلى المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف في سبتمبر مما أدى إلى تجدد القتال. ومن المؤكد أن الحوار أفضل من الحرب، غير أن المفاوضات الجادة تتطلب شركاء ملتزمين بإنجاز حل سلمي للازمة.

وبينما يتكشف لمارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، أن الحوثيين لا يبالون بحضور الاجتماعات، يبدو أنهم مدركون لحقيقة أن الحروب الأهلية غالباً ما تكون طويلة الأمد وأن معظم الصراعات في العصر الحديث انتهت بانتصار حاسم من جانب واحد.

وتتمثل استراتيجية الحوثي في السعي لتحقيق النصر بالتزامن مع تقويض عزيمة التحالف العربي من خلال الرأي الدولي المعاكس. حيث إنهم يدينون سلوك الحكومات العربية التي تواجههم بينما يقومون بنشر الصواريخ التي تقدمها لهم إيران، والطائرات بدون طيار إضافة لنشر الألغام الأرضية سعياً منهم لتحقيق النصر في ساحة المعركة. ولذا، فإن هكذا نتيجة، لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة وستزيد فقط من بؤس اليمن بدلاً من تخفيفه.

وباستدعاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر من الذاكرة البعيدة لمعظم الأمريكيين، ينسى الكثيرون بأن اليمن كانت أيضاً ساحة انطلاق رئيسة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ففي شهر أغسطس الماضي، قتل صانع القنابل للقاعدة، إبراهيم العسيري، بغارة جوية أمريكية. وقد خطط العسيري لعدة هجمات ضد أهداف في شتى أنحاء العالم، بما في ذلك محاولة "انتحاري الملابس الداخلية" تفجير طائرة ركاب فوق مدينة ديترويت الأمريكية في ديسمبر 2009. كما قُتل حوالي 2000 من عناصر القاعدة في اليمن على مدى السنوات الـ17 الماضية.

وسيكون من المؤسف لو أن الانقسامات الداخلية في اليمن والتي مكنت القاعدة من إقامة موطئ قدم له هناك، تمهد الطريق أمامه مجدداً لإعادة تجميع صفوفه. ولن يصبح الشرق الأوسط أكثر أمناً في حال تحول اليمن غير المستقر الذي يسيطر عليه الحوثيون إلى قاعدة لتهديد جيرانها بدعم من إيران.

إن توطيد سيطرة الحوثيين على أي جزء من اليمن سيؤدي بلا شك، إلى زعزعة الاستقرار مثل صعود حزب الله في لبنان. ومثلما انتهى المطاف بحزب الله بدعم نظام الأسد في سوريا بعد نجاته من الحرب الأهلية في لبنان، يمكن للحوثيين أن يصبحوا القوة الهدامة الرئيسة في منطقة الخليج.

من جانبها، فإن لدى إيران الكثير لتربحه من خلال تأجيج الحرب في اليمن. فحتى لو لم ينتصر الحوثيون، فإن طهران ستحظى بأفضلية إقليمية بتكلفة قليلة نسبياً، وستتحمل شريكتها في الخليج، قطر، بعض النفقات.

كما أن الحرب تبقي منتقدي إيران الإقليميين في المنطقة منشغلين، وبالتالي، توفر إمكانية لبناء نظام بديل جديد في شبه الجزيرة العربية.

ولكن من منظور الولايات المتحدة، فإن ارتماء اليمن في احضان إيران، سيعمل على توسيع التهديد الذي تمثله طهران لمصالح الولايات المتحدة. وإذا ما كان هنالك طرف يجب أن ينتصر في الحرب الأهلية في اليمن، فسيكون من مصلحة الولايات المتحدة أن يكون الحكومة الشرعية المدعومة من حلفاء أمريكا بدلاً من الحوثيين المدعومين من إيران.

ولذا، من الأجدر للحكومة الأمريكية أن ترمي بثقلها وراء جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة، شريطة ألا تكون المحادثات بمثابة غطاء للحوثيين للإبقاء على استمرار الحرب الأهلية في اليمن لسنوات. وفي كلتا الحالتين فإن الولايات المتحدة سوف تقصر أمد الحرب من خلال الاضطلاع بدور محدد على نحو واضح، بدلاً من صرف الأنظار عن الأحداث الجارية في اليمن.

والناحية المثلى هو أن يؤدي الدعم الأمريكي المستهدف إلى خلق ظروف من شأنها أن تدفع الحوثيين إلى إعادة النظر في شراكتهم مع إيران والدخول في مفاوضات جادة. أما السيناريو الأسوأ لما سيحدث للحوثيين -وهو الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة- فسيتمثل في إيجاد نهاية حاسمة لسفك الدم المستمر بما لا يترك مجالاً لوكلاء إيران التحكم والسيطرة على اليمن.

* مجلة "ذي أميركان انترست"

** حسين حقاني: مدير شؤون جنوب ووسط آسيا لدى معهد "هيدسون" الأمريكي، سفير باكستان لدى واشنطن في الفترة من 2008 إلى 2011.