الواشنطن بوست: الحوثيون في اليمن يحكمون قبضتهم في مناطق سيطرتهم بالتخويف والترهيب

عندما وصل محمد بامفتاح إلى مكتب البريد للحصول على راتبه في إحدى الأيام من عام 2015، قال إن أحد عناصر مليشيا الحوثي أوقفه لفحص بطاقة هويته. كان المحامي البالغ من العمر 55 عامًا من عدن، حيث مقر الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. كان هذا كافياً لاعتقاله.

وبحلول الوقت الذي خرج فيه بامفتاح من السجن بعد ثلاث سنوات، كان يعاني من الصدمات جراء الصعق الكهربائي الذي تعرض له في السجن، على حد قوله. وكان قد تم تعليقه من على السقف وتقييد يديه لمدة ثلاث ساعات وضربه بالكابلات الكهربائية المغلفة بالمطاط.

ويتذكر بامفتاح، وهو أب لثلاثة أطلق سراحه في الصيف الماضي في صفقة تبادل للأسرى: "كنت أشعر بألم شديد لدرجة أنني كنت سأموت".

هكذا بأت صحيفة "واشنطن بوست"، تقريرها الذي سلط الضوء على الانتهاكات التي تمارسها مليشيا الحوثي، الذي يحكمون قبضتهم في مناطق سيطرتهم باستخدام الخوف والترهيب، حيث ينتشر التعذيب والاحتجاز والاختفاء القسري في مناطق سيطرتهم على نطاق واسع، وذلك وفقاً للوثائق القانونية والمقابلات مع الضحايا ونشطاء حقوق الإنسان.

وقالت الصحيفة، إنها تمكنت من التواصل مع 13 من السجناء السابقين وضحايا الحوثيين بعدما وافق أربعة منهم فقط على التحدث علناً، لأنهم وأسرهم قد فروا من الشمال. حيث الحوثيين هم الأقوى هناك في حين يشك أولئك الذين ما زالوا في صنعاء بأنهم لا يزالون خاضعين لمراقبة عملاء الاستخبارات الحوثية، وقد خاف بعض الضحايا من التحدث حتى عبر الهاتف خشية أن تكون اتصالاتهم مراقبة من قبل المتمردين الحوثيين.

وتشير الواشنطن بوست أن الحوثيين استهدفوا نشطاء وصحفيين ومحامين وأقليات دينية ومدراء تنفيذيين - وأي شخص يُعتبرونه ضد حكمهم وأيديولوجيتهم. كما اقتحم مسلحوهم المنازل ليلاً واعتقلوا وضربوا الناس بسبب نزاعات بسيطة أو بسبب انتقادات لحركتهم، والقليل منهم من يتم تقديمه للمحاكمة أو يمكنه الوصول إلى المحامين. أما المحاكم فهي إما غير موجودة أو تستخدم فقط لإصدار الأحكام، وذلك وفقاً لنشطاء حقوق الإنسان والضحايا.

وقالت كريستين بيكر الباحثة في الشؤون اليمنية لدى هيومن رايتس ووتش للصحيفة: "بالفعل يلاحق الحوثيون طيفاً واسعاً من الناس الذين يرون أنهم يشكلون تهديداً أو خصوماً سياسيين لهم (..) وحالياً، هناك حملة مستمرة ومتزايدة ضد المجتمع المدني وهي مزعجة للغاية".

ويقول محامون وناشطون في مجال الحقوق المدنية للصحيفة، إن الانتهاكات ازدادت بشكل كبير منذ ديسمبر 2017، عندما قتل الحوثيون الرئيس السابق علي عبد الله صالح. واليوم عززت حركة حرب العصابات الحوثية قبضتها على معظم شمال اليمن، وتفرض سيطرتها على كل جانب من جوانب المجتمع.

ويقول عبد المجيد صبره، وهو محامٍ يمثل أكثر من أربعة عشر شخصاً بينهم 10 صحفيين معتقلين في سجون المليشيا: "هناك خوف في أنحاء المدينة (..) لا أحد يجرؤ على إظهار ما يشعر به حقاً حيال الحوثيين في العلن (..) هذا هو الواقع الجديد".

وبحسب الواشنطن بوست، كان للحوثيين دور أساسي في أزمة ما تسمى "الربيع العربي" عام 2011 التي أدت إلى استقالة الرئيس صالح في العام التالي. واستغلوا الفوضى التي أعقبت الاستيلاء على الأراضي. وبحلول عام 2014، سيطر الحوثيون على مجموعة كبيرة من اليمن، بما في ذلك أجزاء من صنعاء.

الناشط هشام العميسي الذي فر إلى القاهرة بعد إطلاق سراحه من السجن في يناير 2018 بمساعدة زعماء القبائل ذوي النفوذ، كشف للصحيفة أن قادة الحوثي يقودون السيارات الضخمة وباهظة الثمن ويعيشون في قصور في صنعاء فيما ملايين اليمنيين يتضورون جوعاً، والموظفون بدون رواتب.

وقال العميسي، إن سلطات المتمردين فرضت ضرائب على الشركات واستولت على أرباح كبيرة بينما ادعت أنها لا تستطيع دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية أو مساعدة ملايين اليمنيين الذين يتضورون جوعاً.

وقال "إنهم يريدون حقاً إسكات أي شكل من أشكال المعارضة داخل صنعاء".

في أغسطس 2017، نشر العميسي تغريدة على حسابه الشخصي في مواقع التواصل الاجتماعي، اتهم فيها بعض المتمردين بالفساد. وبعدها بساعات، اعتقله مسلحو الحوثي.

واتهموا العميسي بأنه جاسوس أمريكي ويعمل على "غسل دماغ اليمنيين بالأفكار الأمريكية".

وكشف العميسي أنه على مدى الأسابيع الثلاثة الأولى، احتجز في الحبس الانفرادي في زنزانة صغيرة بدون أي ضوء، معصوب العينين دائماً أثناء الاستجواب.

ثم بدأ التعذيب، يقول العميسي، إنه أُخِذ عدة مرات إلى غرفة يطلق عليها السجناء "الورشة"، حيث استخدمت السكاكين وغيرها من الأدوات الحادة "للتقطيع"، حيث "يتم تعليقك من السقف وضربك".

ومضى يقول: "ضربوني بالسلاسل المعدنية، وأصابوا ظهري وفخذي ورأسي".

وتابع: "سمح لي بالذهاب إلى الحمام مرة أو مرتين في اليوم، ولمدة دقيقتين فقط. وفي كل أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع يقودونني إلى محطة التلفزيون التابعة لهم للاعتراف بالتجسس (..) لكنني أواجههم بالرفض دائماً".

وفي المقابلات التي أجرتها واشنطن بوست فقد وصف ثلاثة سجناء سابقون كانوا محتجزين من قبل الحوثيين أساليب تعذيب إضافية بما في ذلك ربطهم من الأرجل والذراعين بقضيب معدني، ومن ثم إشعال النار، كما لو كان يتم شواؤهم مثل الدجاج. وفي بعض الأحيان، يتم وضع ثعبان حي في أماكن احتجازهم.

وتقول الصحيفة، إن الحوثيين استخدموا التعذيب النفسي. حيث قال عبده عبدالله الزبيدي، وهو قاض سابق اتُهم بالعمل مع التحالف "إن عناصر من مليشيا الحوثي ذهبوا إلى منزله وهددوا زوجته وأطفاله". وبعد أن تم سجنه تذكر أن الحراس كانوا أحياناً يعصبون عينيه ويقيدونه ثم يضعون مسدساً على رأسه ويقولون له: "يمكننا أن نقتلك الآن".

ويتذكر الزبيدي (56 سنة)، الذي أمضى أكثر من عام في زنزانة قبل إطلاق سراحه ضمن صفقة تبادل أسرى في العام الماضي قائلاً: "استخدموا العديد من الطرق لتخويفنا مما جعلني أعتقد أنهم يستطيعون قتل عائلتي وحتى قتلهم أمامي". وقال إن ظهره لا يزال في حالة سيئة بسبب شهور من الصدمات الكهربائية والضرب الذي تعرض له في سجون الحوثيين.

وتلفت الصحيفة أن المحامين أيضاً أهداف للحوثيين، حيث تم سجن صبرة لمدة يوم بعد مشادة مع مسؤول حوثي، وكان زميله أسوأ حالاً منه، فقد تعرض للضرب والسجن بسبب تمرير مذكرة إلى موكله تحتوي على اسم ورقم.

مخبرون في كل مكان

وكشفت الواشنطن بوست أنه منذ اغتيالهم للرئيس علي عبدالله صالح، شدد الحوثيون قبضتهم على صنعاء. حيث يوجد جواسيس للحوثيين في كل مكان وفي المستشفيات والفنادق والأحياء، كما يقول عمال الإغاثة والناشطون والسكان. وقد استعانت وزارة الإعلام الحوثية مؤخراً "بحراس" يتحدثون اللغة الإنجليزية لمراقبة الصحفيين الغربيين الذين نادراً ما يأتون.

وقال عمال الإغاثة والناشطون للصحيفة، إن منظمات الإغاثة وغيرها من المنظمات غير الحكومية، تلقت توجيهات صارمة من قيادة الحوثيين بتوظيف ممثلين للحوثيين أو الموالين لهم كجزء من موظفيهم المحليين.

وقال العديد من مسؤولي الأمم المتحدة، إن المتمردين منعوا وكالات الأمم المتحدة من العمل بحرية في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم.

وعلى هذه الخلفية، وسع الحوثيون من قائمة أهدافهم. وقال نشطاء إنهم اعتقلوا أشخاصاً لمحوهم شعارات المتمردين من على الجدران أو لمجرد كتابة كتابات معادية للحوثيين.

لكن قلة فقط توقعت ما حدث في السادس من أكتوبر عندما خرجت مجموعة من الشابات إلى الشوارع للاحتجاج على ارتفاع الأسعار التي هوت بالملايين إلى حافة المجاعة، والذين طالبوا أيضاً باستئناف صرف رواتب القطاع العام، حينها أطلقت سلطات المتمردين الحوثية أنصارها لمهاجمة النساء بالخناجر والهراوات والعصي الكهربائية، وذلك وفقاً للناشطين ومقاطع فيديو من الهواتف المحمولة. كما أرسل الحوثيون النساء لإلقاء محاضرات على المتظاهرين حول "التزامهم بالله وتحظهم على عدم حضور مثل هذه التجمعات".

وقالت رشا جرهم، وهي ناشطة يمنية ساعدت بعض النساء المحتجات على الفرار من العاصمة: "بالنسبة للحوثيين، فإن الاحتجاجات محاولة مخططة من قبل أعدائهم لتقويضهم". واصفة أساليب الحوثيين بأنها "جنون العظمة".