"زجاجة ويسكي أقوى من الرصاص".. تعرف إلى أغرب الهدنات العسكرية في التاريخ

تبدأ الحرب أحيانًا لأتفه الأسباب، وتتوقف أحيانًا لأتفه الأسباب كذلك، من يصدق أن حربًا توقع آلاف القتلى والجرحى يمكن أن تتوقف لأجل زجاجة «ويسكي»، أو لأن الطرفين المتقاتلين قررا فجأة تناسي خلافاتهما مؤقتًا والاحتفال بليلة عيد الميلاد؟ لكن هذا حدث مرارًا ولأسباب أبسط من ذلك، وفي ما يلي بعض أغرب الهدنات العسكرية في التاريخ.
 
الحرب العالمية الأولى.. أغنية تصنع الهدنة في «الكريسماس»
 
لا أحد يعلم من أين بدأت هدنة عيد الميلاد «الكريسماس» عام 1914 في الحرب العالمية الأولى، ومن غير المؤكد أيضًا، ما إذا كانت الهدنة بدأت في مكان واحد وانتشرت، أو اندلعت في كل الأماكن، في وقت واحد، لكن المؤكد أنه بعد أربعة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الأولى؛ قضى الآلاف من الجنود البريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين ليلة «كريسماس هادئة» وتعم بالسلام، واختلط الجنود المتحاربون مع بعضهم على طول الجبهة الغربية للحرب.
 
من القصص الموثقة حول هدنة عيد الميلاد في الحرب العالمية الأولى، قصة أغنية «Tommy Lad»، التي بدأت من الخنادق البريطانية، حين بدأت ليلة «الكريسماس» والجنود في خنادقهم يتذكرون أهلهم وذويهم، غنى الجندي إدجار أبيلين بصوت مرتفع، وسمع الجنود الألمان في خنادقهم علي الجانب الآخر غناءه، كانت الخنادق متقاربة، ربما كان يفصلهم فقط 500 متر.
 
«يا إنجلترا، غنوا ثانية»، هكذا جاء الرد من الجنود الألمان على غناء الإنجليز، وقد غنى أعداء الصباح معًا أغنية المساء، اتفق الجنود الإنجليز أنه إذا أرسل الألمان رجلًا في منتصف المسافة، سوف يفعلون الشيء نفسه، وحين تقدم جندي ألماني في منتصف المسافة؛ بادر الإنجليز برجل آخر، وكل منهما حمل في يديه شمعة، والتقيا لتبدأ الهدنة، تبادل الرجال السجائر وهتفوا وغنوا؛ يقول الجندي إيلين في رسالة قديمة له: «من شبه المستحيل وصف ذلك اليوم كما عشناه هنا، استمتعنا جميعًا بالوقت الهادئ».
 
الألمان والإنجليز.. هدنة وتعاون من أجل البقاء
 
الحملة النرويجية كانت حملة عسكرية في المراحل الأولى من الحرب العالمية الثانية، شنتها قوات الحلفاء بهدف تحرير النرويج من ألمانيا النازية عام 1940؛ وأثناء القتال الجوي فوق النرويج، أسقط ضابط طيار إنجليزي، طائرة ألمانية فوق منطقة كثيفة الأشجار، وبسبب البرد القارس توقف محرك الطائرة الإنجليزية، وسقطت هي أيضًا، وللصدفة نجا كلا الطاقمين، لكنهما التقيا مصادفة في البرية، وكانا محاطين بالثلوج والجبال والبحيرات المتجمدة.
 
أعلن الطاقمان الهدنة المؤقتة مع بعضهما، ووجدا كوخ صيد صغيرًا، وتعاونا من أجل البقاء، واقترح الضابط الإنجليزي أن يظل الألمان في الكوخ وهم يبحثون عن مأوى أفضل للجميع، وبالفعل عثر الإنجليز على فندق، وذهبوا جميعًا إليه وأفطروا سويًا، وعادوا للبحث عن دورية تخرجهم من هذا المكان، وقد تعثروا في دورية نرويجية انتشلتهم، وشككت في الطاقم الإنجليزي، واتهمتهم بالتعاون مع الألمان؛ لكن الطيار الإنجليزي تمكن من إقناعهم بالعكس، ولكنها أخذت الألمان أسرى حرب، وأرسلتهم إلى بريطانيا.
 
بعد سنوات عديدة، وتحديدًا في عام 1977، تلقى الضابط الألماني مكالمة هاتفية من الضابط الإنجليزي الذي التقى به في الهدنة، والتقيا بوصفهما صديقين لأول مرة في ميونخ خلال العام نفسه، وقد قدمت قصتهما فيلمًا بعنوان «Into the White» صدر عام 2012.
 
السجائر والويسكي كافيان لوقف الحرب الأهلية الأمريكية
 
اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية في الفترة بين 1861 و1865، بين الولايات المتحدة في الشمال، والولايات الكونفدرالية السبع المنفصلة عنها، كان الجنود من كل جانب ينظرون إلى الطرف الآخر عدوًا، لكن في بعض الأحيان حين كانوا يحتاجون إلى السجائر، ولفافات التبغ، كانوا يعلنون هدنات غير رسمية، ويلقون بأسلحتهم ويعودون أولئك «الإخوة الأمريكيين» الذين كانوا قبل الحرب.
 
عشرات الهدنات غير الرسمية أعلنها الجنود من كلا الطرفين لتبادل الأخبار والصحف والسجائر والويسكي في الحرب الأهلية الأمريكية، ووفقًا للمؤرخ العسكري إد بيرز، لم يوافق الضباط على هذه الهدنات غير الرسمية، وشعروا بالقلق من حقيقة أن «الإخاء يمكن أن يملأ الشعور القتالي للجنود»؛ مما يجعلهم «مقاتلين أقل وحشية»، ومع ذلك رفع الضباط علم الهدنة الرسمي الأبيض ودعوا إلى وقف القتل للقضايا التي شعروا بأنها مهمة، مثل تداول الويسكي والتبغ.
 
وقد تحدث مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في 19 أبريل (نيسان) 1863، عن الهدنات غير الرسمية، فقال: «الحدث الرئيسي في الأسبوع الماضي، كان التبادل اليومي للمجاملات، تحت اسم الهدنة، بين الاتحاديين والمتمردين، مجرد تبادل للصحف، ومسعى من جانب الضباط المتمردين للحصول على إمدادات من الويسكي المحلي».
 
الحرب العالمية الثانية.. الأعداء يحتفلون بـ«الكريسماس» في كوخ
 
أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي غابة هورتجن الألمانية بالقرب من الحدود البلجيكية، كانت إليزابيث فينكن وابنها فريتز البالغ من العمر 12 عامًا ينتظران مجيء الزوج هوبير، ليحتفلا بعيد الميلاد معه، وكان الطقس شديد البرودة والوقت متأخر حين دق أحدهم باب الكوخ، وفتحت إليزابيث لتفاجأ بثلاثة جنود أمريكيين أحدهم مصاب في ساقه، ضلوا طريقهم، وساروا لمدة ثلاثة أيام، بحثًا عن خطوط الولايات المتحدة.
 
كان بإمكان الجنود الثلاثة اقتحام الكوخ، لكنهم وقفوا على مسافة بعيدة نسبيًّا عن الباب حين طرقوه، وهذا ما طمأن إليزابيث، دعتهم للدخول، ووضعوا الجريح على السرير، وشرعت في إعداد عشاء للضيوف، وطرق الباب ثانية، وفتح الصبي فريتز ليجد أمامه أربعة جنود ألمان، يتذكر فريتز لاحقًا: «كنت مشلولًا تقريبًا بسبب الخوف، وعلى الرغم من أنني كنت طفلًا ، لكن كنت أعرف أن قانون الحرب القاسي؛ يعاقب أي شخص يساعد العدو بإطلاق الرصاص عليه».
 
أصاب الذعر إليزابيث وأدخلت الجنود الألمان؛ وهم عريف وثلاث جنود وضلوا الطريق أيضًا، دخلوا الكوخ وتمنوا لها عيد ميلاد سعيد، أخبرتهم إليزابيث أنهم مرحب بهم للمكوث في الدفء، وتناول الطعام، سألها العريف بحدة عما إذا كان ضيوفها من الأمريكيين، قالت إليزابيث فورًا: «إنها الليلة المقدسة ولن يكون هناك إطلاق نار هنا».
 
كانت إليزابيث قوية بما يكفي؛ لأن تضع قواعد الهدنة، الأسلحة في سقيفة خارج المنزل، والاحتفال بالكريسماس، شيئًا فشيئًا زال التوتر بين الطرفين، وفحص جندي ألماني؛ وكان طالب سابق في كلية الطب إصابة الجندي الأمريكي، وطمأنه على إصابته، واحتفل الجميع بليلة الكريسماس، يتذكر فريتز لاحقًا موقف والداته، قائلًا: «كان هناك دموع في عينيها وهي تقول الكلمات القديمة المألوفة، يسوع كن ضيفنا».
 
الذئاب جمعت الشتيتين في الحرب
 
طالت عواقب الحرب العالمية الأولى عالم الحيوان، وتحديدًا الذئاب الذين كانوا جوعى فهاجموا القرى بحثًا عن الطعام، وخلال شتاء 1916-1917، في منطقة ليتوانيا وبيلاروسيا، بدأت الذئاب الجائعة في مهاجمة الجنود الألمان والروس، وكان الجوع واليأس حافزًا أقوى للحيوانات من كسر خوفهم ومهاجمة الجنود.
 
خلال إحدى المعارك، رأى الكشافة الروسية والألمانية أن مجموعة كبيرة من الذئاب الجائعة، هاجمت وأكلت الجنود الجرحى، لذا أوقفوا القتال على الفور وبدأوا سويًا في قتل الحيوانات المفترسة، لكن هجمات الذئب لم تنته عند هذا الحد، وتكررت في معارك عديدة، لذا اضطر قادة الجيشين الألماني والروسي إعلان هدنة مؤقتة وتوحيد صفوفهم لمحاربة الذئاب، وتمكن الجنود من قتل المئات من الذئاب، وإجبار الباقين على الهروب، وبعد أن حلت المشكلة استؤنف القتال وكأن شيئًا لم يكن.