من هو رئيس أميركا القادم؟

لجأ الديمقراطيون بشكل فج إلى تسييس قضية حساسة تتعلق بصحة المواطن وحياته وحياة عائلته وقد استهدفوا خلية أزمة مواجهة فايروس كورونا منتقدين أداءها ومحمّلين إدارة ترامب وزر الخسائر البشرية والاقتصادية المترتبة عليها.

تأتي السنة الانتخابية الأميركية للعام 2020 محاصرة بظروف سياسية واجتماعية وصحية غاية في التعقيد، تشوبها الفوضى ويلفّها الالتباس في معظم الأحيان. فالديمقراطيون ‏من خصوم الرئيس دونالد ترامب لم يعتريهم تعب بعد من شنّ الهجمات على المعسكر الجمهوري وفي مقدّمته موقع الرئاسة، بل وارتفعت وتيرة هجماتهم تلك بشكل مدوٍّ مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية.

الديمقراطيون يريدون ‏استعادة كرسي المكتب البيضاوي بأيّ صورة من الصور، ومهما كلّفهم الأمر من إثارة النعرات السياسية بين الحزبين المتنافسين من جهة، والفرز الاجتماعي داخل مجتمعات الشعب الأميركي المتنوعة وذات النسيج المتجانس بشكل كبير، من جهة ثانية. فنراهم يقومون بترويج ‏الأفكار التي يعتقدون أنها ستساعد على انفكاك الشارع الأميركي من حول الرئيس، وإضعاف حملة الحزب الجمهوري الانتخابية، بهدف التأثير على الناخب الأميركي، وبخاصة الفئة المتأرجحة التي لم تحسم قرارها لمن ستعطي صوتها بعد، ومحاولة العودة إلى السيطرة الكاملة لحزبهم على إدارة البلاد من خلال استعادة موقع الرئاسة التنفيذي، والأغلبية التشريعية في مجلس الشيوخ والنواب أيضا.

‏جائحة كوفيد – 19 التي ضربت العالم، ووقعت الولايات المتحدة تحت طائلتها ونالها النصيب الأكبر عالميا من نتائجها الكارثية، من حيث عدد الإصابات مقابل الوفيات التي تجاوزت 100 ألف مواطن أميركي في ثلاثة أشهر فقط من عمر الجائحة، لم تكن كافية لينأى الديمقراطيون بأنفسهم قليلا عن الحرب السياسية والإعلامية على الرئيس وخلية الأزمة التي شكّلها لإدارة معركة التصدّي للجائحة، أو ليمدوا اليد للتعاون مع خصومهم الجمهوريين والوقوف صفا واحدا بهدف حماية الشعب الأميركي من هذا الشر المستطير.

للأسف الشديد، لجأ الديمقراطيون بشكل فجّ وخارج عن الأخلاق والمناقب الوطنية إلى تسييس هذه القضية الحساسة، والتي تتعلق بصحة المواطن وحياته وحياة عائلته، وقد استهدفوا خلية أزمة مواجهة فايروس كورونا، ضاربين بأدائها، محمّلين إدارة ترامب وزر الخسائر البشرية والاقتصادية، ومزعزعين الثقة لدى المواطن الأميركي بقيادة الرئيس لهذه المرحلة سواء صحيا أو أمنيا، في وقت يحتاج فيه الجميع إلى الشعور بأن الفريق الذي يواجه هذه الجائحة موثوق به وقادر على حمايته من الإصابة وتأمين العلاج له لو أصيب، من أجل بث روح من الطمأنينة في نفوس الناس المتعبين من أهوال الوباء الذي ضرب العالم.

ولم ينس جو بايدن، المنافس الديمقراطي للرئيس ترامب، اتهام الأخير باستعمال خلية الأزمة لمكافحة كوفيد – 19 منصة انتخابية للترويج لنفسه لفترة رئاسية ثانية!

‏أما الحدث الأسوأ في خضم هذه التجاذبات والأحداث الغير سارة التي تمر بها البلاد، فكان مقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي، جورج فلويد، على يد شرطي أبيض مستهتر وعنيف، في حادث مؤسف استخدم فيه القاتل القوة المفرطة التي أزهقت حياة مواطن أعزل لم يقاوم الشرطة حين اعتقاله.

إلا أن الديمقراطيين لم يروا في الواقعة المؤلمة إلا فرصة سانحة عليهم اقتناصها، فسارعوا لتعبئة الانقسام العرقي وتنافسوا في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على إضرام مزيد من النار لصالح إبراز ترامب على أنه الرئيس العنصري الذي يكره المهاجرين والملونين، والذي ساهمت سياساته وتصريحاته المنحازة بمثل هذا الحادث.

لم يتبقّ على موعد الانتخابات سوى خمسة شهور معظمها ستخضع لشروط التباعد الاجتماعي وتقنين المناسبات الحاشدة وغياب النشاط السياسي الانتخابي على طريقة الحملات الانتخابية الأميركية المعروفة باستقطابها للآلاف من الناس، ولاسيما في المؤتمرات الحزبية التي غالبا ما تحدّد في وقت مبكر اسم المرشّح الذي من المحتمل أن يحصد أصوات الشعب الأميركي ويفوز برئاسة أميركا في دورة رئاسية جديدة ابتداء من العام 2021.

تحديات كبرى تواجه الطرفين، فالرئيس ترامب يريد أن يقيم المؤتمر الوطني الجمهوري في موعده المحدّد في مدينة شارلوت بولاية كارولينا الشمالية حسب المعتاد، وهو يضغط على عدم تأجيله، كما أنه لا يرى من الضرورة أن يراعى فيه التباعد الاجتماعي أو ارتداء الكمامات الواقية، فهو لم يضعها على وجهه قط.

ومن هنا جاء صدام الرئيس مع حاكم ولاية كارولينا الشمالية الذي يرفض أن يعقد المؤتمر في شهر أغسطس القادم دون تدابير الوقاية المتبعة خلال الجائحة، ما دعا ترامب إلى التهديد بنقل المؤتمر إلى ولاية أخرى.

كوفيد – 19 لم يمنع الرئيس ترامب من السفر عبر الولايات والاجتماع بأنصاره في أماكن عامة، وفي الهواء الطلق، حيث يمكن أن يتوفر شرط التباعد الاجتماعي. إلا أن ترامب لا يضيع الوقت عندما يتعلق الأمر بجمع الأموال، وها هو ينظم لقاءين كبيرين مع جمهوره لجمع التبرعات في منتصف شهر يونيو الجاري، أولهما في ولاية تكساس، والثاني في ملعب الغولف الذي يملكه في مسقط رأسه ولاية نيو جرسي.

أما عن الانتخابات التمهيدية التي تستبق عادة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فقد بدأت بالفعل. وسيتم اللجوء إلى التصويت بالبريد في بعض الولايات بسبب الجائحة. وقد قامت المؤسسات المختصة بوضع معايير شديدة للتصويت البريدي من أجل تفادي أي تزوير محتمل يطال صوت الناخب الأميركي في رحلته المباشرة إلى صندوق الاقتراع.

إلا أن الرئيس ترامب سبق وأن أبدى ارتيابه من أن تتعرض العملية الانتخابية للتزوير في حال اللجوء إلى التصويت الإلكتروني عن بعد أو عن طريق البريد الورقي العادي، وأعرب عن عدم ثقته إلا بالاقتراع الشخصي المباشر في المراكز الانتخابية رغم الجائحة، ومع اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة.

في أجواء محتقنة تشوبها التظاهرات في العديد من المدن الأميركية احتجاجا على مقتل الشاب جورج فلويد، وتزامنا مع ارتفاع معدّل البطالة بسبب الجائحة إلى رقم قياسي بحيث غدا شخص واحد من كل أربعة أميركيين من القوى العاملة عاطلا عن العمل، وبينما يستمرّ كوفيد – 19 قابضا على قدر الأمة الأميركية حيث تجاوز عدد الإصابات حتى تاريخ كتابة هذه السطور المليوني إصابة، يبقى المنافس الأقوى حظا لنيل الترشيح النهائي من الحزب الديمقراطي لمنافسة ترامب هو السيناتور جو بايدن، بينما يرجّح المحللون أن يفوز الرئيس ترامب وبسهولة على منافسه الديمقراطي، ويحظى بدورة رئاسية ثانية تمتد حتى العام 2024.

*العرب