مساع لتشكيل حكومة كفاءات تونسية مستقلة تستثني النهضة

رجحت دوائر سياسية في تونس أن يتجه المكلف بتشكيل “حكومة الرئيس 2” هشام المشيشي إلى خيار حكومة كفاءات وطنية مستقلة تقصي الأحزاب وخاصة حركة النهضة من المشهد الحكومي باعتبار أن الأخيرة تعمدت ابتزاز جل رؤساء الحكومات السابقين ما أدى إلى حالة عدم الاستقرار السياسي.

وبالفعل، أمام المشيشي حزام برلماني قوي (97 نائبا) تشكل بغية سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة وهو ما يجعل مرشح الرئيس قيس سعيد أمام تحدي تجميع المستقلين في ائتلاف حكومي يقصي النهضة والمتحالفين معها (قلب تونس وائتلاف الكرامة الإسلامي).

وأكد المشيشي أن “مشاورات تشكيل الحكومة القادمة لا تزال متواصلة”، لافتا إلى كونها “ستكون حكومة كافة التونسيين على اختلاف فئاتهم وستسعى إلى تحقيق تطلعاتهم”.

ونقلت وكالة الأنباء التونسية عن المشيشي قوله “إن الملف الاقتصادي والاجتماعي سيكون من أولويات حكومته حتى تستجيب لتطلعات التونسيين”.

وكان الرئيس قيس سعيد قد كلّف في نهاية يوليو وزير الداخلية الحالي هشام المشيشي بتشكيل الحكومة القادمة، خلفاً لحكومة إلياس الفخفاخ المستقيل.

وشرع المشيشي في إجراء مشاورات تشكيل الحكومة بقصر الضيافة بقرطاج.

واعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، “أنه يصعب إلى حد الآن الجزم على طبيعة الحكومة القادمة”، لكنه استدرك بالقول “فرضية أن نرى حكومة دون حركة النهضة واردة”.

وأضاف الجورشي في تصريح لـ”العرب”، “المسألة لا تزال غير واضحة فيما إذا كان المشيشي سيشكل حكومة غير مناهضة للأحزاب”. وتساءل “هل من مصلحة المشيشي أن يقصي حركة النهضة نهائيا”.

سيكون أمام رئيس الحكومة الجديد شهر واحد لتشكيل ائتلاف حكومي من البرلمان الذي يشغل فيه حزبا “النهضة” و”قلب تونس” أكبر عدد من المقاعد. وفي حال فشله في نيل ثقة البرلمان بالغالبية المطلقة (109 أصوات من مجموع 217)، يصبح للرئيس قيس سعيّد الحق في حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، وفق ما ينص عليه الفصل 89 من الدستور.

وعبرت قوى سياسية عن رفضها مشاركة النهضة في الحكومة الجديدة، خصوصا وأنها ابتزت رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ وأرغمته على تقديم استقالته ما أعاد المبادرة إلى الرئيس سعيد، فضلا عن تسميم زعيمها لعلاقات البرلمان برئاسة الجمهورية.

وأثار تكليف المشيشي ردود أفعال سياسية مختلفة لدى الأحزاب والنخب التونسية، خاصة وأن اختياره كان من خارج المنظومة الحزبية الممثلة في البرلمان، وطالبت مختلف القوى بإقصاء النهضة من الحكومة القادمة.

ودعت رئيسة الحزب الدستوري الحر (معارض) عبير موسي، رئيس الحكومة المكلف إلى أن يكون “في مستوى المرحلة”، ويشكل “حكومة خالية من الإخوان” في إشارة إلى حركة النهضة.

وسبق أن اشترطت موسي على رئيس الوزراء المكلف تشكيل حكومة لا تضم حركة النهضة لكي تحظى بتصويت كتلة الدستوري الحر (16 نائبا).

كما دعت أطراف أخرى إلى ضرورة التفكير في حكومة كفاءات وطنية أو حكومة إنقاذ وطني بهدف حلحلة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة بالبلاد.

واعتبر مروان فلفال النائب بالبرلمان عن حركة تحيا تونس (شريك في حكومة الفخفاخ) أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي دقيق جدا ولا بد من تشكيل حكومة إنقاذ وطني وفق مبدأ التضامن شرط النجاح في خططها الوزارية.

وبخصوص مشاركة حركة النهضة من عدمها في حكومة المشيشي، أضاف فلفال “نحن مع حكومة ناجعة وعلى المكلف بتشكيل الحكومة أن يتحمل مسؤوليته.. لأن المسألة أكبر من معركة مع طرف دون آخر”.

وتتخوف الأوساط السياسية وعلى رأسها حركة النهضة (54 نائبا) من سيناريو حل البرلمان واللجوء إلى انتخابات مبكرة قد لا تصب في مصلحة النهضة في ظل تآكل خزانها الانتخابي لصالح مكونات جديدة شعبوية على غرار ائتلاف الكرامة.

وعلق مروان فلفال في تصريح لـ”العرب”، “مسألة حل البرلمان من أحكام الديمقراطية والآليات الدستورية كفيلة بذلك. نتمنى أن تكون للطبقة السياسية درجة من الوعي في اختياراتها”.

واستشعرت حركة النهضة خطورة سيناريو استبعادها من المشهد السياسي، ورفضت ذلك مهددة بالالتجاء إلى حلول أخرى على غرار عدم منح الحكومة ثقتها في البرلمان.

وهددت الحركة من جهة أخرى بأن لا يكون “هناك استقرار في تونس إذا ما أقصيت من الحكم”.

وقال الناطق الرسمي باسم النهضة عماد الخميري في تصريح لإذاعة محلية أثار جدلا واسعا “لن يكون هناك استقرار في تونس دون حكومة تكون فيها النهضة”.

وشدّد الخميري على أن “رئيس الحكومة القادمة لا يمكن أن يبحث عن استقرار في المرحلة القادمة دون حركة النهضة”.

ويحمّل الكثير من مكونات المشهد السياسي في تونس النهضة مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على غرار حزب حركة الشعب الذي أكد أن تكوين حكومة جديدة دون النهضة سيكون أسلم وأفضل وأنجح لتونس.