فضيحة إعانات رعاية الأطفال تطيح بالحكومة الهولندية

أعلنت الحكومة الهولندية برئاسة مارك روته استقالتها بعد اتهامها آلاف العائلات عن طريق الخطأ بإساءة استخدام أموال رعاية الأطفال التي تقدمها الحكومة ومطالبتهم بإعادتها.

واعترفت الحكومة لاحقا بعد التنسيق مع مسؤولي الضرائب بالخطأ الذي تعرضت له هذه الأسر التي تنتمي في الغالب لجذور من الأقليات والمهاجرين ما أدى لتعرض بعضها لأزمات مالية.

وأرسل روته استقالة حكومته رسميا للملك.

وقال روته "لقد تم اتهام وتجريم مواطنين أبرياء وتعرضت حياتهم للدمار". وأضاف في تصريحات صحفية أن المسؤولية الكاملة تقع على عاتق حكومته.

وجاءت استقالة الحكومة في وقت حساس تواجه فيه البلاد تفشي وباء كورونا. وكانت مدينة لاهاي تخطط لفرض مزيد من تدابير الإغلاق والحظر على النشاط الاجتماعي.

وحسب القانون الهولندي، ستستمر الحكومة في تسيير الأعمال، حتى إجراء الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة مسبقا في مارس / أذار المقبل، باستثناء وزير الاقتصاد إيريك وايبس الذي استقال بشكل فوري بسبب دوره المباشر في الفضيحة.

وعندما سأل أحد الصحفيين روته عما إذا كانت استقالة حكومته رمزية بسبب اقتراب موعد الانتخابات أجاب بالنفي مؤكدا أنها جاءت استشعارا للمسؤولية.

وليست هذه المرة الأولى التي تستقيل فيها الحكومة في هولندا بشكل جماعي بسبب استشعار المسؤولية السياسية.

واستقالت حكومة سابقة عام 2002 بعد نشر تقرير انتقد أداء الوزراء وفشل الجيش الهولندي في منع ذبح المسلمين في مدينة سربرينيتسا عام 1995، خلال الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك.

وكانت القوات الهولندية العاملة ضمن القوات الدولية لحفظ السلام في البوسنة مسؤولة عن حماية مسلمي المدينة العزل من السلاح لكنها فشلت في أداء مهمتها ما سمح للميليشيات الصربية باقتحام المدينة وارتكاب مذابح بحق المدنيين المسلمين.

ماذا حدث؟

تحليل أنا هوليغان - مراسلة بي بي سي - لاهاي

فوجيء الآباء باتهامهم بالفساد المالي نتيجة أخطاء بسيطة مثل عدم توقيع الأوراق التي قدموها لطلب دعم لأطفالهم، وتم لاحقا إجبارهم على دفع عشرات الآلاف من اليوروهات للحكومة مع عدم منحهم الحق في استدراك الأمر. وحسبما قال أحد وزراء الحكومة المستقيلة، تم "دفعهم بشكل إجباري لدفع الأموال".

وتعرضت الأسر للدمار المالي تبعا لتصرفات الجهاز الإداري للدولة الذي أصبح "عدوا للمواطنين". وتضررت العلاقات الأسرية تحت العبء المالي. واضطرت بعض الأسر لفقدان منازلها. كما تحدثت أمهات عن مشاكلهن المالية وهن تبكين أمام كاميرات وسائل الإعلام.

وشكت أسر كثيرة من مشاكل مالية وضغوط أدت إلى أزمات نفسية بعدما تعرضوا للاستهداف من مسؤولي الضرائب.

العام الماضي، اعترف مسؤولو الضرائب بأن 11 ألف شخص تعرضوا لتدقيقات إضافية بسبب حملهم جنسية أخرى مع الجنسية الهولندية.

وعزز ذلك الاعتقاد السائد بين الأقليات العرقية المختلفة في هولندا بأنهم يتعرضون للتمييز السلبي بشكل مؤسساتي ممنهج من جانب السلطات.

ورغم أن البعض ينظر لاستقالة الحكومة على أنها تقدير للمسؤولية عن الفشل، إلا أن البعض يرون أنها جاءت بهدف تجنب تصويت بنزع الثقة من جانب البرلمان الأسبوع المقبل.

ماذا قال الآباء؟

بدأت الفضيحة عام 2012 . ويمكن أن يصل عدد الآباء الذين تأثروا بها إلى أكثر من 26 ألف شخص بعضهم نادى بصراحة باستقالة الحكومة بعد انفضاح الأمر، مؤكدين أنهم فقدوا الثقة بها وفي قدرتها على إصلاح النظام الضريبي.

إحدى الأمهات، ونتيجة الخطأ في النظام الضريبي، تعرضت لمطالبة الضرائب بإعادة مبلغ يتعدى 48 ألف يورو. وعندما حاولت أن توضح لهم وجود خطأ، أوقف مسؤولو الضرائب المعونات الحكومية التي كانت تحصل عليها بالكامل وليس فقط معونة إعالة الأطفال.

وبسبب فقدان المعونة الحكومية لها أصبحت، غير قادرة على دفع إيجار المنزل الذي كان يؤيها وأطفالها.ولم تتمكن من دفع فواتيرها وقطعت شركة الكهرباء والغاز إمدادها بالطاقة قبل أن تُطرد من وظيفتها وتفشل في الحصول على وظيفة أخرى بسبب أن المجتمع كان ينظر إليها على أنها أساءت استخدام نظام إعانة الأطفال وحصلت على أموال دون وجه حق.

وبتراكم الضغوط عليها انهارت علاقتها بأطفالها بسبب الأزمة النفسية التي نتجت عن ذلك.

وقال أحد الآباء "هناك مسؤولون في الحكومة سمحوا بحدوث الفضيحة واستمرارها وحاولوا التغطية عليها".

ماذا بعد؟

توضح استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 مارس / أذار المقبل أن حزب الشعب للحرية والديمقراطية، الذي يتزعمه روته، يحظى بشعبية جيدة ما يرجح أن روته الذي ترأس 3 حكومات سابقة منذ عام 2010 يمكنه أن يشكل الحكومة المقبلة أيضا.

ورغم أن روته في البداية رفض استقالة الحكومة، إلا أن الخطوة أصبحت ضرورية خاصة بعد استقالة لودفيغ أسشير، زعيم حزب العمال المعارض في البرلمان، كرد فعل على على الفضيحة خاصة وأنه كان يشغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة الائتلافية المستقيلة.

وكان التحالف الحاكم بزعامة روته مكونا من 4 أحزاب على رأسهم حزب الشعب للحرية والديمقراطية الذي يأتي في صدارة استطلاعات الرأي ويليه حزب اليمين المتطرف خيرت فيلدرز المعادي للمسلمين والأقليات.

وقدم ضحايا الفضيحة من الآباء والأمهات شكوى رسمية ضد المسؤولين سواء الحاليين أو السابقين.

ومن المقرر أن تدفع الحكومة تعويضات لا تقل عن 30 ألف يورو لكل أب متضرر. لكن الآباء يؤكدون أن التعويض غير كاف.

وقبل استقالة الحكومة، قالت سيغريد كاغ زعيمة حزب الأحرار إنه "من المهم أن تتحمل الحكومة المسؤولية السياسية عن كل ما حدث والظلم الذي تعرض له الآباء".

وقالت وزيرة المالية ألكساندرا فان هوفلين إن الأطفال الذين تأثروا بالفضيحة يجب أن يحظوا بالرعاية أيضا "ليتمكنوا من مواصلة حياتهم بشكل طبيعي".