"جيمس تاون" الاستخباراتية الأمريكية: مصير اليمن واليمنيين يتوقف على معركة مأرب

*مؤسسة "جيمس تاون" الاستخباراتية الامريكية
*مايكل هورتن: كبير محللي مؤسسة "جيمس تاون" ومختص بشئون تنظيم القاعدة في اليمن
 
في أوائل فبراير، بدأ الحوثيون بشن حملة عسكرية للسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز وعاصمتها التي تحمل الاسم نفسه.
 
لا يمكن التقليل من الأهمية الاستراتيجية لمأرب بالنسبة للحوثيين والحكومة اليمنية بل واليمن بأكمله. وإذا نجح الحوثيون في الاستيلاء على محافظة مأرب وعاصمتها، فستتلقى الحكومة اليمنية ضربة قد لا تتعافى منها. سيؤدي الضعف الإضافي للحكومة اليمنية إلى تغيير جذري للتضاريس السياسية في اليمن في وقت تجري فيه تحولات سياسية إقليمية مهمة أخرى. سيقرر مصير مأرب، في كثير من النواحي، مصير اليمن لسنوات قادمة.
 
التوسع العسكري في مأرب
 
أدى انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد في اليمن. تم استبدال علاقة إدارة ترامب الوثيقة بالمملكة العربية السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان بسياسة أقل تساهلاً في ظل إدارة بايدن. ففي 4 فبراير، قال الرئيس بايدن، إن الحرب في اليمن يجب أن تنتهي، وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستقلص دعمها للعمليات الهجومية السعودية في اليمن. كما تراجعت إدارة بايدن عن تصنيف إدارة ترامب في اللحظة الأخيرة للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. هذه التحركات، إلى جانب رغبة إدارة بايدن في استئناف المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، شجعت الحوثيين وحليفهم الإقليمي الأساسي، إيران على مزيد من الجرأة.
 
وفي حين أن الاستيلاء على مأرب كان منذ فترة طويلة أولوية بالنسبة للحوثيين، فإن سياسة إدارة بايدن والديناميكيات الإقليمية المتغيرة شجعت قيادة الحوثيين من تجديد الهجوم وبشكل كبير.
 
تعتقد القيادة الحوثية أنه إذا استولت قواتهم على مدينة مأرب ومعظم المحافظة، فإن موقعهم كقوة سياسية وعسكرية بارزة في اليمن سيكون ذا قيمة كبيرة قبل المفاوضات المتوقعة. ومع ذلك، تصاحب الهجوم الحوثي في مأرب مخاطر وخسائر كبيرة. حيث تلقى الحوثيون ضربات جوية مدمرة، بالاضافة الى الهجمات المضادة الشرسة والمخطط لها بشكل جيد من قبل القوات الحكومية ورجال القبائل المتحالفة والتي أثرت سلبا على الحوثيين بشكل كبير جدا.
 
وتشير دقة الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية، إلى وجود تنسيق أكبر بين القوات البرية اليمنية والقوات الجوية السعودية.
 
ورغم أن الحوثيين يستخدمون وحدات صغيرة متنقلة للغاية من المقاتلين، مما يجعل من الصعب استهدافها من الجو، بيد أن حجم مدينة مأرب (التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة) ووفرة التضاريس المسطحة نسبيا جعلت استهداف قوات الحوثيين أسهل.
 
كما يتطلب الاستيلاء على مدينة مأرب أيضا من الحوثيين حشد الرجال والأسلحة بطريقة تجعلهم أكثر عرضة للخطر مما كانوا عليه في الحملات السابقة. حيث تزداد الخسائر في الأرواح من جميع الجهات، وخاصة بالنسبة للحوثيين، بشكل متزايد.
 
ويواجه الحوثيون عقبتين رئيسيتين، كلاهما تفاقم بسبب القتال في مأرب: أولاً: عدم قدرتهم استبدال ونشر المقاتلين بالسرعة الكافية. وثانياً: النقص المالي الحاد. حيث أن النقص الحاد في المقاتلين الحوثيين، وخاصة المدربين بشكل جيد، قد ازداد بشكل أكبر خلال الأشهر الستة الماضية.
 
ولطالما لجأ الحوثيون الى التجنيد الإجباري لتعويض النقص الحاد، لكن أحدث المجندين هم من صغر السن ولا يتلقون التدريبات الكافية ولا يتلقون على مرتبات، مما يجعلهم يميلون أكثر إلى الفرار من المعركة حال سنحت لهم الفرصة.
 
ولتعويض النقص في المجندين، لجأ الحوثيون الى تجنيد المزيد من الأجانب - بالقوة في كثير من الأحيان - بما في ذلك الفارون من الصراع في منطقة تيغراي الإثيوبية.
 
كما من الصعب أيضا معالجة مشاكل الحوثيين المالية. على الرغم من تحصيلهم التعسفي للضرائب من الشركات اليمنية ورجال الأعمال والنخب القبلية، فإن تكاليف الحرب تفوق بكثير الإيرادات.
 
وبدلاً من دفع رواتب موظفي الحكومة وتقديم الخدمات الأساسية، تذهب الغالبية العظمى من الضرائب التي يجنيها الحوثيون لتمويل حربهم. ولذا فإن التجنيد الإجباري وتحصيل الضرائب بشكل تعسفي يغذي في كثير من الأحيان الاستياء المتزايد من الحوثيين وحكومتهم.
 
ولذا ستجعل معركة مأرب الطويلة حاجة الحوثيين الى المال والرجال أكثر الحاحاً، مما يؤدي إلى تفاقم الاستياء المتزايد ضدهم.
 
معركة مصيرية للحكومة اليمنية
 
نظرا لكون مأرب تمثل العاصمة الفعلية للحكومة اليمنية، فإن خسارتها ستكون بمثابة ضربة قاتلة لحكومة الرئيس هادي. إن فقدان مأرب يمكن أن يعجل بتحولات كاسحة في الولاءات. سوف يدرك اليمنيون من جميع أطراف الصراع أن بندول السلطة قد تأرجح بشكل حاسم لصالح الحوثيين. قد يؤدي ذلك إلى إعادة تقويم الولاءات عندما تعمل النخب اليمنية لحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية على المدى الطويل. هذه الحسابات البراغماتية هي ما تعول عليه قيادة الحوثيين.
 
لكن إذا زاد التنسيق بين القوات اليمنية المناهضة للحوثيين، فقد تحتفظ القوات الحكومية وحلفاءها القبليين على مدينة مأرب.
 
وفي حين أن الحوثيون لا يزالون قوة قتالية كبيرة في اليمن، إلا أنهم معرضون لخطر التمدد العسكري المفرط. وعلى الرغم من جهودهم لتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين، فإن معركة مأرب تلحق خسائر فادحة بقواتهم، لا سيما مع هروب المجندين من مواقعهم بشكل روتيني، وامتداد خطوط إمداد الحوثيين واستهدافها بشكل متكرر من قبل القوات الجوية.
 
وإذا استطاعت القوات الحكومية من حشد الدعم من القوات المناهضة للحوثيين، أو فتح جبهات اخرى، فمن المرجح أن يتحول الزخم في معركة مأرب لصالح قوات الحكومة الشرعية.
 
إن الهجوم في مأرب يدفع الحوثيين إلى تجاوز حدودهم فيما يتعلق بالسلطة العسكرية والسياسية، غير أن التحول في سياسة الولايات المتحدة شجع الحوثيين، وساهم على الأرجح في قرارهم بتجديد هجومهم على مأرب.
 
ولو نجح الحوثيون في الاستيلاء على مأرب، فستكون هناك تكاليف إنسانية باهظة. فمأرب هي موطن لحوالي ثمانمائة ألف نازح داخلي. وقد يتسبب سوء إدارة الحوثيين للأزمة الإنسانية التي هي من صنعهم إلى حد كبير في جعل المجتمع الدولي، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، أقل دعما للمفاوضات الشاملة.
 
إن السيناريو الأكثر ترجيحا لمعركة مأرب هو حالة الجمود بين الحوثيين وقوات الحكومة الشرعية. فهجوم الحوثيين، الذي بدا أنه لا يمكن إيقافه قبل أسبوع، أصبح الآن ثابتا، وذلك يعزو الى التنسيق الوثيق بين القوات الجوية السعودية والمقاتلين القبليين والقوات الحكومية والذي استطاع بالفعل وقف تقدم حوثي واسع النطاق تجاه المدينة.