واشنطن بوست: مليشيات إيران تحتجز العراق رهينة

تعليقاً على التوترات التي أثارها "الحشد الشعبي" بعد اعتقال أحد قادته قاسم مصلح بتهم الإرهاب، رأى الباحث العراقي طلحة عبدالرزاق أن بغداد تجد نفسها رهينة مرة أخرى، بعد سنوات من طرد تنظيم " داعش" من العراق. وعلى عكس عام 2014، من يحاصرها هم أنفسهم الذين شاركوا في دحر التنظيم الإرهابي، وباتوا الآن يهددون وجود الدولة العراقية.

وكتب عبدالرزاق، في مقال في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن المليشيات الشيعية المؤيدة لايران تُحاصر المنطقة الخضراء، مطالبة السلطات الفيدرالية بالإفراج عن مصلح.

وأضاف أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يتعرّض لضغوط هائلة للاستسلام لهذه المطالب، في مؤشر واضح على أن العراق "محتجز كرهينة" لشبكة جهادية شيعية عابرة للحدود تقودها وتسيطر عليها إيران.

تفكّك الدولة

وبات تفكّك الدولة أكثر وضوحاً منذ أن أطلق المتظاهرون العراقيون حركة احتجاجية في 2019، والتي تجدّدت مرة أخرى في الأيام الأخيرة بعد سنوات من الفساد والحكم الكارثي والخنوع للمصالح الأجنبية.

وأضاف عبدالرزاق: " ما يزيد الطين بلّة هذه المرة هو أن المليشيات الشيعية بما في ذلك كتائب حزب الله التي صنّفتها واشنطن منظمة إرهابية، متورّطة في عشرات محاولات القتل والاغتيالات بدوافع سياسية".

واتهمت عائلة الناشط البارز في الحراك العراقي إيهاب الوزني، الذي قُتل خارج منزله في 11 مايو (ايار)، مصلح أحد كبار القادة في قوات "الحشد الشعبي" المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بالوقوف وراء الجريمة.
واعتقلت السلطات العراقية مصلح، لكنه قد يطلق سراحه قريباً بعد أن حاصر مقاتلو "الحشد الشعبي" المنطقة الخضراء، مطالبين بإطلاق سراحه ومهددين بعواقب وخيمة.

فشل الكاظمي في السيطرة على الميليشيات

مرة أخرى، أظهر الكاظمي أنه لا يستطيع السيطرة على هذه الجماعات المسلحة، تماماً كما لم يتمكّن من تقديم قتلة صديقه خبير الإرهاب الشهير هشام الهاشمي إلى العدال. وفي حادثة مماثلة العام الماضي، تمّ اعتقال مسلحين، ما لبث أن أمر قاض مقرب من "الحشد الشعبي" بالإفراج عنهم بسبب "نقص الأدلة"، وكان الكاظمي عاجزاً عن إيقافه.
واعتبر عبد الرزاق أن ذلك ليس مفاجئاً، إذ إن وكلاء إيران في العراق هم في قلب شبكتها العابرة للحدود الوطنية، التي تمتدّ من طهران عبر بغداد ودمشق، وعلى طول الطريق إلى بيروت، مضيفاً أن أنشطتهم تشمل الاتجار بالجنس، وتجارة الأسلحة في السوق السوداء، وتجارة المخدرات غير المشروعة، التي تتسرّب عبر حدود العراق التي يسهل اختراقها مع إيران والتي لها صلات بتجّار المخدرات في أفغانستان.

وقال: "هذا هو نطاق انتشارهم لدرجة أنهم كانوا جزءاً لا يتجزأ من الأنشطة الإجرامية لجماعة حزب الله الإرهابية اللبنانية، التي قامت بتهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما".

نشاط إجرامي

وعلى الرغم من كل هذا النشاط الإجرامي واستمرار هذه الميليشيات الشيعية في قصف القواعد العسكرية التي تؤوي القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها، إلا أن السلطات في بغداد كانت عاجزة تماماً عن وقفها.

وقال عبدالرزاق: "إنهم نسخة عراقية من المنبوذين، باستثناء أنهم بدلاً من أن يكونوا إلى جانب قوات إنفاذ القانون العراقية، فهم يعملون بدلاً من ذلك كعملاء يخدمون الفوضى والعنف وطموحات إيران في أن تصبح القوة المهيمنة الإقليمية البارزة".

واشنطن مدينة للعراقيين

في مواجهة هذه العصابات المتفشّية، ليس من المستغرب أن يكون العراقيون العاديون الذين يريدون فرصة لحياة طبيعية على استعداد للمخاطرة بحياتهم من أجل الحرية.

فالولايات المتحدة وحلفاؤها في المجتمع الدولي مدينة للشعب العراقي بالوفاء بالوعد الذي قطعوه قبل غزو العراق في عام 2003، بإحلال الديمقراطية. وبدلاً من ذلك، وكما قال أحد العراقيين الذي اشتهر بمساعدة القوات الأمريكية في تحطيم تمثال صدام حسين في 2003، يتعيّن على العراقيين الآن التعامل مع ألف صدام.

واعتبر عبدالرزاق أن واشنطن ستعتبر مقصرة أخلاقياً إذا لعبت دور المتفرّج أمام ذبح العراقيين، الذين يقاتلون من أجل الديمقراطية، بلا رحمة على يد الأصوليين الشيعة المدعومين من إيران، الدولة التي لا تزال تعتبر واحدة من أكبر الدول الراعية للإرهاب.

وخلص عبد الرزاق إلى أنه "أمر مشكوك فيه أن تُصعّد الولايات المتحدة للوفاء بمسؤوليتها التاريخية تجاه العراقيين، لكن من الجيد الحلم بذلك!".