26 سبتمبر.. عهد قض مضاجع الإماميين الجدد في اليمن

كشفت مليشيا الحوثي الإرهابية عن الحقد الدفين الذي تكنّه تجاه ثورة 26 سبتمبر التي نقلت اليمن من محيط العزلة وكسرت قيود النظام الإمامي البائد، بفرض العديد من القيود ضد من يحاول إحياء ذكراها السنوية، في حين ذهبت قياداتها إلى أبعد من ذلك بخروجها على الملأ ووصفها لثورة الشعب بـ"الانقلاب".

ومع استعداد آلاف اليمنيين في مختلف المناطق اليمنية، عشية الذكرى الـ59 لثورة 26 سبتمبر المجيدة، لايقاد شعلة الثورة المباركة، وبالتزامن مع الزخم الاحتفالي الذي أخذت تعج به مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، اشتطت المليشيا غضبا، وأطلقت صواريخها الباليستية وطائراتها المسيرة المفخخة، واطقمها المدججة بعشرات المسلحين، نحو المحتفلين في مختلف المناطق اليمنية، في حين خرجت قيادات الصف الأول تولول بتغريدات باكية على وسائل الإعلام ومواقع التواصل.

وأطلقت المليشيا الحوثية عشيد عيد الثورة، صاروخا باليستيا استهدف فعالية وتجمعا لايقاد الشعلة في معسكر المنطقة العسكرية الخامسة بمديرية ميدي، محافظة حجة، أسفر عن قتل 3 اشخاص وجرح ما لا يقل عن 18 آخرين، تزامنا مع اطلاق صاروخين على منطقة كرى المكتظة بالسكان والنازحين، مما أدى إلى سقوط مصابين من الأطفال والنساء.

بالتزامن داهم عشرات المسلحين الحوثيين ساحات عامة في ذمار وصنعاء وإب ومناطق أخرى، يحتشد فيها آلاف المواطنين استعدادا لايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر، وفرقتهم بقوة السلاح وتوعدت باعتقال من يحاول العودة، علاوة على إلغائها احتفاليات كان مقررا اقامتها صباح يوم 26 سبتمبر، بينها فعالية كانت العاصمة صنعاء على موعد لاحتضانها يوم الأحد، اعد لها برلمانيون ومثقفون، بحسب ما كشف عنه النائب في برلمان صنعاء أحمد سيف حاشد على حسابه في موقع فيسبوك.

حقد إمامي

الحقد الإمامي ضد ثورة 26 سبتمبر لم يكن حديثا، وسبق أن عمل الإماميون في محاولات عدة على إجهاض الثورة منذ الساعات الأولى لها، وبقي ذلك الحقد مدفونا تحت اضلع عناصر السلالة واخذوا يعملون طيلة العقود الماضية على اعادة المشروع الامامي ولكن تحت عباءة الجمهورية، واتخذوا من غضب الشعب ضد الفساد الذي شهدته منظومة الحكم عقب احداث 2011م ذريعة للانقضاض على النظام الجمهوري ووقتوا لذلك في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، وبدأوا بتقويض الحكم الجمهوري والاطاحة بكل من لا ينحدر من ذات السلالة.

الإفراط الحوثي في القمع والنهب والاقصاء وصولا إلى إصدار تشريعات عنصرية اقرت بموجبها قانون "الخُمس" من الثروة لعناصر السلالة، افاق ملايين اليمنيين من سباتهم، ولذلك سارعت المليشيا بتقويض تلك اليقظة بمنع اي احتفالات بذكرى ثورة 26 سبتمبر، متخذة من نفسها وصيا عليها، بحسب قياداتها.

يقول محمد علي الحوثي، وهو أحد قيادات الصف الاول الحوثي ورئيس ما تسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، في تغريدة على موقع "تويتر"، رصدها محرر "خبر"، "كفاية استخفاف.. جملوكيون الارتزاق يزاحمون على ثورة 26 سبتمبر وهم من اقصوا الثوار ونكلوا بهم وانقلبوا عليهم وطردوهم وتقمصوا الدور وزعوا انهم ثوار والشعب يعرف عكس ما زعموه." ويرمي الحوثي بذلك إلى ان المليشيا هي المفوض الشرعي للحديث والاحتفال بالثورة المباركة التي قامت على اجداده، وان من قاد هذه الثورة هم من ابناء سلالته نفسها وليس اليمنيين.

محمد علي الحوثي، وبالرغم من انه يتهم الجمهورية باقصاء من ينحدرون من السلالة الامامية من المشاركة في النظام الجمهوري، تجاهل متعمدا ان كبار قيادات النظام الجمهوري كانوا من العائلات الامامية، انطلاقا من مبدأ المساواة الذي حملته اهداف ثورة 26 سبتمبر المجيدة، التي دعت الى "التحرر من الاستبداد" و"ازالة الفوارق بين الطبقات والامتيازات"، لولا ان غريزة الانتقام والاحتراب المتجذرة بعمق تلك السلالة منذ مئات السنين هي من دفعتها إلى الانقضاض على الجمهورية في 2014م.

ويضيف، "إن الثورة التي رفضت الوصاية هي الثورة التي رفضت الارتزاق"، في إشارة إلى "انقلاب 21 سبتمبر" الذي اخذت المليشيا تروج له بأنه يرمي إلى "اخرج اليمن من تحت الوصاية"، دونما توضيح أي وصاية تقصد، "هل الوصاية الايرانية واشراف سفيرها بصنعاء حسن إيرلو، بشكل مباشر على العمليات العسكرية والادارة الاقتصادية، أم تقصد بذلك وصاية حزب الله اللبناني وتصريحات حسن نصر الله بموقفه وجماعته المؤيد للحوثيين ودعمه العسكري واللوجستي والقتالي".

كراهية 26 سبتمبر

الكراهية التي يكنّها الاماميون لثورة 26 سبتمبر، وان بدت مفخخة بالغموض والمغالطة في حديث محمد الحوثي، كانت اكثر صراحة في سلسلة تغريدات نشرها القيادي لدى الجماعة "حسين العزي" على موقع "تويتر"، الذي قال إن "ثورة 26 سبتمبر جاءت من داخل النظام الملكي"، في اشارة إلى انها "انقلاب بين الملكيين انفسهم" وليس على نظام بائد عزل اليمن لعقود، وهو ما اعتبره متخصصون اجتماعيون تسويقا خبيثا اخذت تعمل عليه المليشيا حد تقديمها إياه في المنهج الدراسي للتعليم الاساسي بعد تعديلاتها عليه.

وقال العزي، "وهو نائب وزير حكومة الحوثيين بصنعاء، وينحدر من محافظة صعدة معقل المليشيا"، "كلاهما يومان مشهودان في التاريخ (يقصد ثورة 26 سبتمبر 1962، وانقلاب 21 سبتمبر 2014) وهما يلتقيان ويتمايزان فكلاهما سبقته إرهاصات ومبررات فرضت التغيير كحاجة يمنية ملحة أما من حيث الفروق فأهمها أن 26 جاء من داخل النظام الملكي على يد ضباط القصر مستعينا بأبطال بلاد مصر بينما جاء21 من أوساط الشعب مستعينا فقط بأبطال بلادنا وقبائلها الشامخة".

وتحاول قيادات المليشيا، لا سيما المنحدرة من محافظة صعدة، معقل زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، ذر الرماد على عيون اليمنيين بعد ان انكشفت عورات 21 سبتمبر الذي رفعت له المليشيا شعارات استهدفت عاطفة اليمنيين ذات الوضع الاقتصادي المتدني، ابرزها "اسقاط جرعة زيادة 1000 ريال تم اضافتها الى قيمة صفيحة البنزين والديزل عبوة 20 لترا، وتغيير حكومة محمد سالم باسندوة"، إلا ان حكم المليشيا رفع ما يزيد عن 10 آلاف ريال فوق سعر الصفيحة نفسها، ونهب ثروات الدولة ووظيفتها العامة وامتنع عن صرف المرتبات لاكثر من ست سنوات وفرض الاتاوات والجبايات واعتقل ولاحق الالاف ممن اعترضوا ذلك الحمق الإداري.

غزو القبيلة

المليشيا الحوثية ولضمان ترسيخ سلطتها غزت القبيلة اليمنية عبر زعاماتها، واستخدمتها في إذكاء مداميك نظامها الامامي، مقابل منحها مناصب وولاءات سرعان ما تسحبها فور الانتهاء من الحاجة إليها.

وقالت بعض تلك الزعامات، إن ايقاد ‏أي شعلة بمناسبة ذكرى ثورة 26 سبتمبر وغيرها، في غير العاصمة صنعاء وميدان التحرير، تعتبر شعلة غير جمهورية وتمردا على سلطة صنعاء.

واكدت تلك الزعامات القبلية أنه "سيتم اخمادها من قبل الجيش الذي يقوده المجلس السياسي الاعلى للحوثيين برئاسة مهدي المشاط".

وتحاول المليشيا تحجيم ثورة الشعب في 26 سبتمبر 1962م وتقديمها في قوالب هزيلة اعدتها سلفا وفق منهجية تجريف الهوية والفكر اليمني.

ويرى مراقبون أن مليشيا الحوثي لن تتوقف عن استهدف قيم الثورة اليمنية السبتمبرية المباركة التي سبقتها عدّة حركات ثورية وكانت ثمرتها، بعكس افراط المليشيا الحوثية في تزييف الحقائق، وتقديمها على انها انقلاب ملكي بين الملكيين انفسهم، والاستخفاف بدماء المئات من شهداء الثورة بمن فيهم الاشقاء في جمهورية مصر الذين شاركوا مع اخوانهم اليمنيين في هدم المعبد الظلامي البائد.