"العسكر للثكنات".. هل يصمد اتفاق السودان أمام مطالبات الإطاحة بالبرهان؟

رغم  الإعلان على اتفاق حصل بين الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، بشأن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة وإطلاق سراح القياديين المدنيين المعتقلين منذ 25 أكتوبر الماضي، انطلقت تظاهرات "مليونية 21 نوفمبر"، الأحد، في العاصمة السودانية، الخرطوم، ومدن أخرى، ضد ما يصفوه بالانقلاب العسكري.

ووقع الطرفان اتفاقا سياسيا، في مراسم رسمية أجريت في القصر الجمهوري في العاصمة الخرطوم. ونص الاتفاق على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإلغاء قرار إعفاء حمدوك من منصبه رئيسا للوزراء، والعمل على بناء جيش قومي موحد، وإعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام البشير مع مراجعة أدائها، وفق مراسل قناة الحرة.

وقال حمدوك، إن "التوقيع على الاتفاق يعالج كل قضايا المرحلة الانتقالية (..) ويحصن التحول المدني الديمقراطي ويوسع دائرة الانتقال السياسي". 

وشدد على أن "مصلحة السودان هي أولوية (..) هدفنا هو حقن دماء الشعب السوداني...أنا على استعداد للعمل سوية للتقدم بالسودان"، مضيفا: "سنعمل على توحيد كل القوى السودانية بنظام ديمقراطي راسخ".

من جانبه، رأى البرهان أن  التوقيع على الاتفاق "يضع الأسس الصحيحة للفترة الانتقالية" مشيرا إلى أن "التوقف في مسيرة الانتقال كان لإعادة النظر في الخطوات المستقبلية".

وتابع قائد الجيش: "لا نريد أي إقصاء لأي جهة في السودان... سنعمل على استكمال المسار وصولا لانتخابات حرة ونزيهة".

وفي محيط القصر الجمهوري، حملت التظاهرات هتافات رافضة لوجود البرهان، ومطالبة بـ"محاسبته هو وجميع المسؤولين عن الانقلاب العسكري" ومنددة بوجود المكون العسكري في السلطة ومطالبة بإسقاط "المجلس الانقلابي" تحت شعار "الردة مستحيلة".

وهتف المتظاهرون: "السلطة للشعب، والعسكر للثكنات"، قبل أن تفضهم قوات الأمن بالقنابل المسيلة للدموع حين اقتربوا من القصر. 

وكذلك أعلنت قوى الحرية والتغيير (ائتلاف القوى المعارضة للعسكر) أنها ليست معنية بأي اتفاق سياسي مع الجيش، وذلك في بيان أكدت فيه أن "لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية للانقلابيين". 

ووسط رفض المتظاهرين وبعض القوى الحزبية، ما مصير الاتفاق الحاصل؟ وهل ستتم العودة إلى بنود الوثيقة الدستورية كما كان الحال قبل ٢٥ أكتوبر الماضي؟

تجيب الصحفية والناشطة السياسية، درة قمبو، في حديث لموقع "الحرة"، أن "تظاهرة اليوم (الأحد) تمثل ردة فعل الشارع التي ستزداد عنفا مع الأيام"، رافضة الاعتراف بأي اتفاق مع الجيش. 

وشددت على أن "الشارع لن يقبل الاتفاق إن صح بشكله الحالي"، متوقعة ازدياد المشهد السياسي تعقيدا فضلا عن ارتفاع شدة العنف في الشارع. 

ولوحت قمبو بالتصعيد الشعبي ضد ما يجري في البلاد لاسيما أن "قوى الحرية والتغيير ومكونات ولجان مدنية أخرى رافضة لأي مساومة أو شراكة أو حتى تفاوض مع المكون العسكري"، معتبرة أنه هناك "محاولة لوضع حمدوك في واجهة المدفع".

وكان البرهان قاد انقلابا في 25 أكتوبر خلال مرحلة انتقال هشة في السودان. وقد اعتقل معظم المدنيين في السلطة وأنهى الاتحاد الذي شكله المدنيون والعسكريون وأعلن حالة الطوارئ.

ومنذ ذلك الحين، تنظم احتجاجات ضد الجيش تطالب بعودة السلطة المدنية، خصوصا في الخرطوم وتقمعها قوات الأمن. وأدى قمع التظاهرات إلى سقوط أربعين قتيلا على الأقل معظمهم من المتظاهرين.

أما  المحلل الاستراتيجي، اللواء أمين مجذوب، والذي يرحب بالاتفاق بين المكون المدني والعسكري، فيعتبر أن "التوافق بين البرهان وحمدوك هو ما يريده الشارع السوداني".

وذكر مجذوب، في حديث لموقع "الحرة"، أن "مطالب الثوار والشعب السوداني تتمثل بعودة حمدوك إلى المشهد السياسي كرئيس وزراء وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين".

وقع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء المقال عبد الله حمدوك، اتفاقا سياسيا، في مراسم رسمية أجريت في القصة الجمهوري في العاصمة الخرطوم الأحدفي المقابل، يعتقد المحلل السياسي، عمسيب عوض، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الاتفاق وإن كان شاملا، فهو يثير قلق الشركاء المدنيين والعسكريين".

ورأى عوض أن "الاتفاق مهم ويمهد الطريق إلى العودة لما قبل ٢٥ أكتوبر، ولكن لا يمكن الترحيب بذلك قبل أن تتضح النية الحقيقية للجيش ويبادر بتسليم السلطة إلى المكون المدني".

وشدد عوض على أن "الاتفاق يجب أن يتضمن بندا مهما يوضح كيفية ووقت تسليم السلطة، وإلا سيكون اتفاقا صوريا".

على وقع الاحتجاجات الشعبية وتزايد الضغط الدولي على الجيش السوداني، حصل الأحد اتفاقا قضى بعودة رئيس الحكومة عبدالله حمدوك إلى السلطة، بعد أكثر من شهر على استيلاء العسكر على الحكم. 

وبشأن موقف الشارع السوداني من الاتفاق، يعتبر عوض أن "هناك آراء متباينة، ولكن الغالبية العظمى متمسكة بأن لا خروج عن الوثيقة الدستورية".

وفي أغسطس 2019، وقع المجلس العسكري وممثلين عن حركة الاحتجاج في السودان اتفاقا عرف بالوثيقة الدستورية، وذلك لبدء مرحلة انتقالية تؤدي إلى حكم مدني في البلاد.

وحدد الاتفاق الأطر لتشكيل حكومة مدنية انتقالية وبرلمان يقودان البلاد خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات بإشراف هيئة حكم تضم مدنيين وعسكريين.

وأشار عوض إلى أن "المرحلة صعبة ومعقدة لاسيما بعد سقوط عدد كبير من الشهداء"، معربا عن أمله في محاسبة "القتلة رغم استبعاده حصول ذلك لاسيما في ظل بقاء البرهان في الحكم".

وشهد الأربعاء الماضي، سقوط أكبر عدد من القتلى بلغ 16 شخصا معظمهم في ضاحية شمال الخرطوم التي يربطها جسر بالعاصمة السودانية، حسب نقابة الأطباء المؤيدة للديمقراطية.

ودانت الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي حملة القمع الدامية ضد المحتجين، ودعوا قادة السودان إلى عدم "الاستخدام المفرط للقوة". 

بدورها، تؤكد قمبو أن "قتلة المتظاهرين سيحاسبون، وهذا لا بد ولا مفر منه لطي صفحة الانقلاب بالكامل"، وهو ما يعتبره مجذوب "سقفا مرتفعا لغايات سياسية".

وأضاف مجذوب أن "محاسبة قتلة المتظاهرين كانت بمثابة رفع لسقف المطالب من أجل المزيد من الضغط، ولكن عودة حمدوك ستهدي الشارع وتفتح المناخ لمزيد من الحوار والوصول إلى نتائج جيدة".

واستدرك المحلل العسكري قائلا: "دون أدنى شك، ستشكل لجان مختصة من النيابة العامة والأجهزة الأمنية لمعرفة من أطلق الذخيرة الحية بوجه المتظاهرين ومن ثم تقديمهم إلى المحاسبة". من جهتها، تؤكد الشرطة أنها لا تفتح النار على المتظاهرين وتبلغ حصيلتها وفاة واحدة فقط وثلاثين جريحا في صفوف المحتجين بسبب الغاز المسيل للدموع، في مقابل إصابة 89 شرطيا.

وأعلنت السلطات، السبت، أنه سيتم فتح تحقيق في حوادث القتل.

الوثيقة في ظل الاتفاق بين حمدوك والبرهان 

وحول ما إذا كان الاتفاق بين البرهان وحمدوك يخرج عن الوثيقة الدستورية، يقول مجذوب إنه "لا بد من الحفاظ عليها وضمان الشراكة المتينة بين المكونين المدني والعسكري، لإكمال الفترة الانتقالية بسلام".

وأشاد مجذوب ب"العلاقة الحسنة بين حمدوك والبرهان"، معتبرا أنه "جرت العادة في السودان أن لا تؤثر الخلافات السياسية على العلاقات الأخوية".

وتمسك مجذوب بأن "العلاقة الطيبة بين الرجلين، والثقة التي تربطهما تحديدا في مسألة حكم، ستوصل البلاد إلى نتائج إيجابية".

والأحد، رفعت القيود عن تحركات حمدوك، علما أنه كان قد سبق توقيف رئيس الوزراء لفترة وجيزة عند إعلان البرهان "حالة الطوارئ"، ومن ثم الإفراج عنه لينتقل إلى منزله حيث وضع قيد الإقامة الجبرية.

ووصل رئيس الوزراء السوداني  إلى القصر الجمهوري، ونشر مجلس السيادة الانتقالي، عبر حسابه في فايسبوك، صورة تظهر اجتماعا في القصر الجمهوري. 

بينما يرفض عوض "حصر المشهد بشخص حمدوك والبرهان"، قائلا: "الوثيقة الدستورية نصت على تسليم السلطة لقيادة مجلس السيادة، وليس لحمدوك".

وأوضح أن "الشراكة بين المكون العسكري والحرية والتغيير، وعليه لا يمكن استبعاد أي طرف وإلا كنا أمام نسف للوثيقة الدستورية"، مشيرا إلى أن "حمدوك يمثل غالبية المدنيين في الحكومة الانتقالية، ولكن يحب أن تسلم السلطة لهم مجتمعين". 

وكان البرهان قد شكل مجلس سيادة انتقاليا جديدا استبعد منه أربعة ممثلين لقوى الحرية والتغيير، واحتفظ بمنصبه رئيسا للمجلس.

كما احتفظ الفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب تجاوزات إبان الحرب في إقليم دارفور خلال عهد البشير وأثناء الانتفاضة ضد البشير، بموقعه نائبا لرئيس المجلس.

ويتمسك البرهان الذي قاد الانقلاب على شركائه المدنيين بأنه لم يفعل سوى "تصحيح مسار الثورة".

وللسودان تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية وقد تمتع بفترات نادرة فقط من الحكم الديمقراطي منذ استقلاله عام 1956.

ولكن المجتمع الدولي يضغط نحو إعلان حكومية مدنية لتسيير الأمور في البلاد، وليس الحديث عن شراكة مع العسكر.