حسن نصر الله.. لص يرغب بالفوز دون أي ثمن
حسنُ يخطب، خطبة طويلة. لا أعرفُ محاربًا يُسهب في الكلام. ولا محارباً طوال التاريخ تحدّث لساعتين. الحربُ نقيض الكلام؛ حين تتعطل وظيفة الكلمات، يلجأ الناس للحرب؛ كي يعيدوا للخطاب قدرته على تسوية المشكلات فيما بينهم. لمجرد أن أعلن الرجل عن خُطبة مرتقبة؛ كان عليكم أن تعرفوا الخلاصة: أنتم على موعد مع الدجّال الأكبر في المنطقة. غشّاش يُزيف الحقائق في قلب النهار. ما هو الدجْل..؟ هو المعنى المجاور للاحتيال. إنه لص يرغب بالفوز دون أي ثمن، يتحدث عن الشهادة من وراء حجب، محاط بالنساء والغلمان. الدجل تمجيد الشجاعة دون أي استعداد للمخاطرة. لا مثالُ أوضح من حسن.
حسن يخطب، تكلّم كثيرًا ولم يقل شيئًا. خطبة طويلة. لماذا.؟ لأنّ الدّجل يحتاج للشرح، للمناورة، لتنويع العبارات، المتاهة مطلوبة في كلام المحتالين؛ يجتهد لمواراة اللص الكامن بين جوانحه. فيما الحقيقة بسيطة، مباشرة وواضحة ولا تحتاج تجويداً للخطاب. المدافع تتكلم بوضوح. هذا زمن الحرب والنار لغة كافية. لكنه يفتقد لصدق المحاربين، تُعذبه هذه الحقيقة ويحاول دفنها. كانت آخر جملة صادقة نطق بها الرجل قبل سبعة عشر عامًا. أما الآن، فما من شيء فيه يحمل ملامح البطل.
انظروا في وجه حسن، ملامحه تفيض بالنعيم، تلك الطمأنينة ليست سكينة المؤمنين الكبار. إنه أمان نابع من مهادنة العدو، أما غضبه متكلف وقسري، فلا دم نزف من رجاله ولا أوجعه عدو؛ كيف ستصدق مشاعر النقمة في وجهه وملامحه، وكل ما فيه يوحي بالزيف واللؤم.
يعوِّض فقدانه للشجاعة بفائض كلام؛ لكنه يفتقد لقوة الإقناع. يبالغ في التشنج؛ لينتزع عاطفة تصدقه، فيزيد من سخرية الناس تجاه. هناك قوة ما تقف خلف الكلمات، هي من تُثبِّت الدلالة وتمنح الكلام صفة حقيقة نهائية، جاهزة للانتشار دونما جهد، ينطق المحارب كأنه يضع أذنه في قلب الكون فيذعن العالم لما يقول. وينطق حسن؛ فتنتشر السخرية في كل مكان.
الخلاصة:
أعتذر، لقد أصابتني عدوى حسن. ما من حاجة للحديث أكثر عن حسن ملهاة كاملة، ملهاة واضحة ولا تحتاجون للتأكد أكثر. انصرفوا عنه، نحو أمور يليق تصريف الزمن بها. كانت آخر جملة صادقة نطق بها الرجل قبل ما يقارب عشرين عامًا. ثم بدأ مهمته الحالية: دجال يراكم أرباحه الخاصة. هي هكذا كل قوة تنشأ في الأزمان الرديئة، تبدأ كتلة مدفوعة بالقيمة والأخلاق، تنشد عدالة ما. ثم يمر زمن ويتحول النضال لتجارة، تنحسر القيمة ويتحول البطل لمحتال يدافع عن شؤونه الخاصة.
يخطب حسن من فردوسه محاط بالنساء والغلمان. ولا يشعر بالوقاحة وهو يحاول تصدّر المعركة، الحديث باسمها؛ وكأنه يمسك الميكرفون وأقدامه في الخندق. لا غبار في وجهه ولا رائحة البارود في القرب منه؛ لكنه يواصل محاولته لسرقة البطولة. يود استرداد ثقة الناس به، لكن الناس أكثر حذقًا منه. لقد منحوه وقتًا من يومهم بعد سنوات ظل فيها مهجوراً. هذا يكفي وزيادة. قليل من الوقت؛ كي يجددوا اللعنة، ليستذكروا صفات الغشاشين. لقد أصبح حسن موضوعًا لفرجة عابرة، أراد أن يقنعهم مجدداً بأنه بطل في الظل، لكنهم يحفظون صفاته جيدًا: دجال معمّّم يستحق الطرد بالأحذية. هذا زمن الحرب وما من وقت فائض للمهذارين يا حسن.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك