عن السلام المنتظر.. وكيف ينظر الحوثي للهدنة؟

الحديث عن السلام ذو شجون، لكونه أصبح مطلباً جماعياً في المنطقة التي ترمض من شدة المدافع والغارات الجوية، إضافة إلى عشرات الآلاف من القتلى في كل مكان، سوريا وفلسطين ولبنان والسودان والعراق واليمن، وبعيدًا في أوكرانيا، ومنطقتنا في اليمن.

الأخيرة حيث تركيزي عليها في هذه السطور، هو الأهم بالنسبة لي ولبعض من دول المنطقة، لا سيما وأن السلام فيها يتأرجح والحسابات يتم وزنها وفقًا للمصالح الدولية وليس من أجل اليمن، لأن السلام المنتظر، لن يكون في صالح الحكومة الشرعية أو المملكة العربية السعودية أو اليمن، لأسباب عدة قد تكون ربما جميعها لصالح إيران.

قد أبدأ هنا في بدايات الحوار الذي كان يجمع بين السعوديين والحوثيين والعمانيين، حينها كان موقف المفاوضين الحوثيين يصرون على أن يكون الملف الإنساني أولًا ويجب تنفيذ الشروط التي يملونها بالحرف، لقوا استهجاناً من القيادات الإيرانية والحوثية معًا، بسبب عدم المطالبة أولًا بأن تدفع السعودية كل الرواتب وفقًا لكشوفات يعدها الحوثيون على أنها رواتب 2014، لأنها (تشمل خبراء إيرانيين ولبنانيين يحملون الجوازات اليمنية)، بحجة تكليف السعودية أموالا مقابل الدخول في مفاوضات مرحلية.

يقول المصدر، الذي كان مطلعاً على "التوبيخات"، إن الحوثيين يعاتبون مفاوضيهم بسبب ما أسموه الخطأ الاستراتيجي، الذي قد يتسبب بسقوط بعض الشروط، وهي لا يمكن أن تسقط وفقًا لتوجيهات عليا (كما تحدث المصدر)، لكنها أوجدت خلافات داخل القيادات الحوثية، قد تكون سببًا في عدم التزام الجماعة بأي اتفاقية قادمة، كما هو الحال في تنصلها من نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد بين المكونات اليمنية من بينها جنوبيون وحوثيون عقب أحداث 2011، وكان جزء من الحوثيين على خلاف فيما بينهم نتيجة ما آلت إليه تلك المباحثات.

ومن هذه النقطة يبدو لي أن السلام المنتظر والذي قد يبدأ بتوقيع إطاري أو صوري لبدء هدنة هي في الأساس موجودة، ستكون بداية لإغراق اليمن في وحل من المشكلات قد لا تنتهي إلا بسقوط اليمن في حضن إيران، وفقًا للخطة المعدة من قبل العدو التاريخي للعرب، إيران.

دخلت إيران في مصالحة مع جزء من محيطها العربي واحتلال البعض الآخر، من مبدأ ترويض الأسود، أو التمسكن حتى التمكين، وبينما هي تعيد علاقاتها، وتتحدث بحذر شديد أنها مع سلام دائم في اليمن أمام الملأ، لكنها من تحت الطاولة تحث الحوثيين بأن يكون السلام هو استسلام اليمنيين والداعمين لهم (التحالف العربي)، وفي نفس الوقت أيضا تدعم الحوثي لوجستيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا، على اعتبار أنه سيكون الذراع الذي تضرب به السعودية عقب السيطرة الكاملة على اليمن.

قد يسأل القارئ، كيف ستسيطر إيران على اليمن والممر الملاحي الدولي، وهناك شرط وضمانات بأن يكون الحوار الجامع لكل اليمنيين بعد اتفاق ترعاه الأمم المتحدة وتوسطت فيه السعودية وعمان؟

الجواب يبدو منطقياً بحكم التجربة مع إيران والحوثي، فإن الحوثي لا يمكن أن يقبل بأي اتفاق ما لم يكن لصالح إيران، أو يفخخونه بمصطلحات تكون في متناول اليد ليفسروها بحسب المزاج المعدل، كما فسروا اتفاق ستوكهولم الموقع بين الحكومة اليمنية والحوثيين في نهاية العام 2018.

سيبرم الاتفاق بكل تأكيد، كما أبرم الحوثيون ست اتفاقيات مع الحكومة اليمنية ابتداءً من 2004 مرورا باتفاقية السلم والشراكة واتفاقية ستوكهولم، وصولا لاتفاق الهدنة المتفق معهم في أبريل 2022، ولم يلتزموا بأي اتفاق حتى لحظة كتابة هذا الخبر..

فالتوقيع المنتظر على الهدنة، هو تفاوض من أجل السيطرة الكاملة على اليمن وعينهم هذه المرة على السعودية، كما كان كل اتفاق بداية منذ أن كانوا في تفاوض مع الحكومة إبان مكوثهم في كهوف مران، وعينهم على صعدة، فاحتلوها، وفاوضوا الحكومة اليمنية على وقف إطلاق النار وهدنة وعينهم صوب محافظة عمران، ومن ثم فاوضوا على هدنة وعينهم صوب صنعاء، وعندما دخلوا صنعاء فاوضوا هادي، ووقعوا اتفاق السلم والشراكة وكان عينهم على جل اليمن، وعندما فاوضوا صالح بعد أن انقلبوا على الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتمخض عن ذلك الاتفاق المجلس السياسي الأعلى الذي سيطر عليه الحوثيون بعد ان انقلبوا على كل شيء..

العبرة هنا ليس في أن تتفاوض، ولكن العبرة مع من، وكيف تضمن فئة انقلبت على كل الاتفاقيات وهي في وهنها، ما بالك وهي في أوج قوتها؟

هل تتوقع أن يسلموا كل شيء، ويعملوا من أجل الوطن والمواطن، وهل يمكن أن يتخلوا عن الحق الإلهي، والمرشد الأعلى للحكم والمشرف على كل شيء؟

هذه نقطة. النقطة الأهم هو هل يمكن أن يفرج الحوثي عن كل اليمنيين المعتقلين والمخفيين قسرا ويلغي كل قرارات الإعدام؟

نقطة أخرى مهمة، وهي أن الحوثي صادر ممتلكات وأموال وأراضي ومنازل خصومهم، هل يعيدونها.. وكيف يمكن أن يفاوض اليمني جماعة الحوثي والسيف مسلط على رقبته، وأرضه منهوبة ومنزله مصادر، وابنه مخفي قسرًا، وأخوه محكوم عليه بالإعدام؟

والاستنتاج من كل ما سبق، فإن التهدئة المنتظرة، ما هي إلا فخ يتفنن الحوثي بصياغتها وكيف يستغلها لتأمينه أولا من ضربات التحالف العربي، وتأمينه من الجو ليتحرك فيما بعد للسيطرة على المناطق المحررة بكل أريحة، ولا يخشى القصف الجوي..

وعندما ينال ما يريده من اليمن، فإنه سينقض اتفاقه مع السعودية، ويمول مقاتلين أو من يسمونهم في أجندتهم "المجاهدون لتحرير مكة المكرمة"، بهدف إقلاق أمن السعودية، وتلك خطة يعدونها منذ فترة، واليمن بالنسبة لهم ما هي إلا جبهة تمدهم بالمقاتلين نحو السعودية..

لا أقرأ الغيب، ولكن المقاتلين الذين يتم إعدادهم في إحدى الجزر الواقعة في الخليج العربي، وهم مجموعات من الشباب اليمني والعراقي واللبناني، وبعض من دول المنطقة المطلة على الخليج العربي، وكذلك أبجدياتهم وتاريخهم، ما هي إلا خيوط يقودنا إلى القول إن هدف الحوثي وإيران القادم هي المملكة العربية السعودية، إذا ما تم إبرام الاتفاقية بالشكل المسرب إلينا.. اليمن يعتبرونها في متناول اليد...

وحذارِ من أي اتفاق لا يشمل كل المكونات اليمنية أو يغض الطرف عن المرجعيات الدولية، لأن المرجعيات هي الضامن الأساسي والصادق لردع الحوثي، ومنهم من السيطرة الكاملة على اليمن والاتجاه نحو شمال شبه الجزيرة العربية.

*كاتب صحفي ومحلل سياسي