الوفيّة الطيّبة "ظبية"

اختار المولى عزوجل روح المرأة المسنّة المعروفة باسم الحاجة "ظبية"، لتصعد إليه، تاركة خلفها إرثاً من القيم والمبادئ، ملؤها الوفاء.

رحلت الحاجة الطيبة، بعد أن ذاع صيتها وشهرتها بالمرأة المحبة لولي أمر بلدها، وبات حبه لديها كابنها، فتَوجت رأسها ووسمت صدرها بصوره، غير طالبة بذلك لا جزاءً ولا شكوراً، إلا وفاءً للوفاء، بحسب قناعاتها.

امرأة من عوام الناس، هذا من جانب، ومن جانب آخر لأنها امرأة، وهذان الأمران كانا كفيلين بأن تستغلهما في تسويق واستثمار حبها ووفاءها لولي أمرها وبلدها، إلا أن قيمها أبت ذلك، وتجلت هذه القيم أكثر بعد تنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة، الذي لم تتنح فيه قيم "ظبية".

ظلت المرأة الطيبة "ظبية"، بعفويتها وبساطتها تحرس الوفاء لابن اليمن البار الزعيم صالح، حتى بعد استشهاده.

اعتنقت المؤتمر، تنظيمياً، مثل مئات آلاف البسطاء، لأن الوطن والشعب بالنسبة لرئيسه هم أم عينيه. عاشت العفاف والكفاف، ولم تركض في ركب الراكضين بحثاً عن المصالح.

علّمت من ليس لهم علم معنى النبل في القيم والوفاء، وأن الولاءات المدفوعة تنتهي سريعاً مع أول صفقة، أو في عرض أول مزاد.

الحجة "ظبية"، رغم أنها امرأة، لكن وجنتيها لم تحمر خجلاً ذات يوم ورأسها متوّج بصور الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح. هو الإنسان الفريد في نظر قيمها الفريدة، الابن البار لوطنه في نظر شعبه، والزعيم العربي الفريد في نظر ثوابته القومية، فكانت تُدرك مثل الكثيرين أنه فخر لكل من يوسّم به صدره.

استشهد الزعيم علي عبدالله صالح في الرابع من ديسمبر 2017، بعد قيادته انتفاضة شعبية ضد الطغيان الحوثي، وفر الجميع إلى جحورهم، ولكن "ظبية" بقت على العهد، لتؤكد للمليشيا الحوثية أن الخالدين بقيمهم يُخلّدون في قلوب محبيهم.

استمرت برفع صورة الشهيد "صالح"، حتى بلغت من الكبر عتياً، ولم ترض بقيمها تبديلاً، أو تخشى بطش الطاغوت، وهي تجوب الشوارع في زمن ابتلعت القطة ألسن من يمتلكون الجاه والقوة والنفوذ..

رددت اسم صالح، قائداً وزعيماً، وزمجرت به في وجوه المليشيات الحوثية وزجرت به قياداتهم، في الوقت الذي تعتبر المليشيا مُجرّد ذكر اسم "صالح" إدانة ترمي بقائله سنين عجافاً في غياهب السجون والتعذيب.

رحلت الطيّبة "ظبية"، وبرحيلها نعاها الكثير من قيادات وقواعد المؤتمر، وتركت خلفها تركة من القيم والمبادئ، أقلها ذكراً "القيم لا تموت"..

رحم الله المرأة البسيطة والطيّبة "ظبية" بواسع رحمته، وأسكنها فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون..