برنامج الأغذية العالمي يحذر: أكثر من نصف الأسر اليمنية غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من الغذاء
في تقرير جديد يكشف عن عمق الأزمة الإنسانية التي يواجهها اليمن، حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من تصاعد مستويات الجوع والحرمان الغذائي في البلاد، مؤكداً أن أكثر من 50% من الأسر اليمنية لم تتمكن خلال شهر مارس الماضي من تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية.
وتُعد هذه النسبة مؤشراً خطيراً على تفاقم الأوضاع المعيشية، خصوصاً في ظل استمرار الحرب والأزمة الاقتصادية وانهيار مؤسسات الدولة.
وأشار البرنامج في تحديثه الأخير حول الوضع الغذائي في اليمن، إلى أن معدلات "الحرمان الغذائي" شهدت ارتفاعاً مقلقاً مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مما يعكس التدهور المستمر في الظروف الإنسانية التي يعيشها ملايين اليمنيين.
ويأتي هذا التراجع في وقتٍ تشهد فيه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث أصبح الجوع وسوء التغذية تهديداً يومياً لحياة السكان، لا سيما الفئات الأكثر هشاشة.
ويوضح التقرير أن الأزمة الحالية ليست ناتجة عن سبب واحد فقط، بل هي نتيجة سلسلة معقدة من العوامل المتشابكة، يأتي في مقدمتها الانهيار الاقتصادي الذي طال مختلف القطاعات الحيوية في البلاد، إلى جانب التراجع الحاد في الدعم الدولي الموجه للبرامج الإنسانية، ما جعل قدرة المنظمات الإغاثية على تلبية الاحتياجات تتضاءل بشكل كبير.
كما أن استمرار الصراع المسلح، وانعدام الأمن في بعض المناطق، وعدم توفر فرص العمل أو مصادر دخل ثابتة، كلها عوامل أسهمت في إغراق المزيد من العائلات في دائرة الفقر المدقع والجوع.
وأضاف التقرير أن الآثار السلبية لتغير المناخ وتزايد موجات الجفاف ساهمت في إضعاف القطاع الزراعي، الذي كان يمثل مصدراً رئيسياً للغذاء والدخل لعدد كبير من السكان، خاصة في المناطق الريفية. كما ساهمت الضربات العسكرية والاضطرابات الأمنية، لا سيما العمليات التي نفذتها القوات الأمريكية ضد جماعات مسلحة في بعض المناطق، في تهجير مئات العائلات وتعطيل عمليات إيصال المساعدات الإنسانية، ما فاقم من معاناة المجتمعات المتضررة وعمّق فجوة انعدام الأمن الغذائي.
وفي ظل هذه الظروف، أكد برنامج الأغذية العالمي أن العديد من الأسر لم تجد بديلاً سوى اللجوء إلى تدابير قاسية للبقاء، مثل تقليل عدد الوجبات اليومية، أو الامتناع عن الأكل لأيام كاملة، وهي قرارات باتت شائعة خصوصاً في أوساط الأطفال وكبار السن والنساء، ما ينذر بكارثة صحية واجتماعية واسعة النطاق.
وفيما يخص وضع الأطفال، فقد سلّط التقرير الضوء على تفاقم مؤشرات سوء التغذية، حيث يعاني نحو نصف الأطفال دون سن الخامسة في اليمن من أشكال مختلفة من سوء التغذية، فيما يواجه ما يقارب 3.5 مليون طفل، إلى جانب النساء الحوامل والمرضعات، خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد، وهو ما يجعلهم عرضة لأمراض مزمنة، وضعف المناعة، واحتمالات الوفاة في غياب تدخلات سريعة وفعالة.
ورغم التحذيرات المتكررة، يعاني المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية من تراجع حاد في التمويل، ما أدى إلى تقليص برامج الدعم ووقف بعض المشاريع الحيوية، في وقت تتزايد فيه الاحتياجات الميدانية بسرعة غير مسبوقة. وأكد التقرير أن برنامج الأغذية العالمي وغيره من الوكالات الإغاثية باتوا يواجهون عقبات كبرى في الاستجابة الفعالة لحجم الأزمة، لا سيما مع تدهور الوضع الأمني، وتعقيدات إيصال المساعدات.
وفي ختام التقرير، وجّه البرنامج الأممي نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي بضرورة التحرك الفوري وتكثيف جهود الإغاثة، من خلال إطلاق حملات تمويل طارئة وتوسيع برامج الدعم الغذائي، وتوفير الموارد اللازمة لضمان استمرارية تدخلات الصحة والتغذية والمياه، محذّراً من أن تجاهل الوضع قد يقود البلاد إلى كارثة إنسانية شاملة لا يمكن السيطرة عليها إذا استمرت الظروف على حالها.