صحيفة أمريكية: انتصارات القوات اليمنية بالساحل الغربي دق أسافين الخطر لدى الحوثيين وجعلهم يخشون خسارة مسقط رأسهم في صعدة

* مجلة "ذا ناشيونال انترست" الأمريكية

يقال إن إيران هي البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يحكم أربع عواصم أخرى: بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء. بالطبع، حكمها يتم من خلال الميليشيات الشيعية المسلحة الكبيرة، وليس السيطرة السياسية المباشرة.

تقع صنعاء، عاصمة اليمن، في الزاوية الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية. واحدة من أفقر دول العالم العربي، وتشتهر اليمن بنحلها وصحاريها الواسعة وحروبها الأهلية. فالثورات والحروب والتمرد مزقت اليمن منذ ستينيات القرن الماضي.

تلعب إيران اليوم دوراً رئيساً في حرب أهلية، وضعت الحكومة اليمنية المعترف بها رسمياً، أمام ثلاث جبهات إرهابية ومتمردة: (تنظيمي القاعدة وداعش والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران).

تدعم إيران علانية الحوثيين. ونفت طهران تقديم أسلحة إلى الحوثيين، لكن البحرية الأمريكية اعترضت على الأقل سفينتين محملتين بأسلحة متجهة إلى الحوثيين.

سجلت الحرب اليمنية أرقاماً قياسية في كل نواحي البؤس الإنساني. فهناك أكثر من 21 مليون شخص من المشردين داخلياً، وفقاً للأمم المتحدة - مما يجعلها رسمياً أكبر أزمة إنسانية في العالم. فالغذاء والماء والدواء نادران، حيث تطارد المجاعة 14 مليون نسمة، وفقا لصحيفة الغارديان. ويتم الإبلاغ عن حوالي عشرة آلاف حالة كوليرا جديدة كل أسبوع. ومات ما معدله سبعة وسبعون طفلاً دون الخامسة من العمر كل يوم منذ عام 2015، وفقاً لمنظمة "انقذوا الأطفال".

ومن المحتمل أن يعقد هذا الأسبوع، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، مفاوضات للسلام في ستوكهولم السويدية. لقد فشلت المحادثات السابقة عندما رفض الحوثيون الحضور.

ومن المدهش حقاً، أن الحوثيين وافقوا هذه المرة على المشاركة في المفاوضات.

لكن، هذا التحول المفاجئ في موقف الحوثي وموافقتهم المشاركة في مفاوضات السلام، جاء، بعد سلسلة من الهزائم والنكسات التي لحقت بهم على طول ساحل اليمن على البحر الأحمر، والأهم من ذلك خسارتهم لميناء الحديدة، شريان حياتهم الرئيس الذي يربطهم بإيران، حيث شنت القوات اليمنية المشتركة والتحالف العربي بقيادة السعودية معركة على غرار ستالين جراد (الروسية) تهدف للسيطرة على مدينة وموانئ الحديدة والمناطق المحيطة بها.

في الواقع، هذه الأراضي التي انتزعتها القوات اليمنية المشتركة والتحالف من قبضة الحوثيين بشق الأنفس في الساحل الغربي لليمن ومدينة الحديدة، قد تعود بالنفع الآن على طاولة السلام.

ساعدت الضغوط الدولية على إنقاذ قوات مليشيا الحوثي من الإفلات من عملية التطهير والتأمين الواسعة والشاملة التي تقوم بها القوات اليمنية والتحالف في الحديدة، بالرغم أن القوات اليمنية كانت على وشك تحرير ميناء ومدينة الحديدة بأقل الخسائر وبوقت قياسي.

لكن سلسلة الانتصارات التي حققتها القوات اليمنية والتحالف على طول الساحل الغربي على البحر الأحمر والحديدة، أدى إلى دق اسافين الخطر وزرع الخوف في صفوف الحوثيين، الذين صاروا يخشون الآن خسارة مسقط رأسهم ومعقلهم في صعدة أيضاً، المدينة القابعة وسط الجبال.

هذا التحول في السياسة الداخلية للحوثيين -من الاتحاد إلى الانقسام- أدى على ما يبدو إلى الإعلان عن مشاركتهم في محادثات السلام للمرة الأولى، وجاء هذا الإعلان قبل أكثر من أسبوع من الموعد النهائي المحدد للمشاركة.

وبالطبع، لا أحد يستطيع أن يؤكد ماهية الدوافع الحقيقية وراء تغير موقف الحوثيين نظراً لأنه لا توجد تقارير تصدر من داخل دوائر قيادتهم، لكن الحقائق على الأرض المتمثلة في الهزائم المتتالية التي تكبدوها بالإضافة إلى تغيير سلوكهم، فهي غنية عن البيان.

وذلك يعيدنا إلى السؤال الرئيس في الصراع والمتمثل في ماهية دور إيران في شبه الجزيرة العربية، حيث من المشكوك فيه أن السعودية والإمارات اللتين تمران بحرب بالوكالة مع إيران في اليمن وسوريا وعلى الجبهة الدبلوماسية فيما يتعلق ببرنامج الأسلحة النووية للجمهورية الإسلامية، ستقبلان بوجود ميليشيا مسلحة مدعومة من إيران على حدودهما الجنوبية. كما أنه من غير المحتمل أن تقبل إيران الهزيمة على طاولة السلام في ستوكهولم ما لم يتم هزيمتها بشكل كامل في ساحة المعركة في اليمن.

فيما يخص الولايات المتحدة، فإن قيام حليف إيران - تركيا - ببذل كل ما في وسعها لإشعال نار قضية خاشقجي، وتسريبها المستمر لموادها الاستخباراتية إلى صحيفة واشنطن بوست وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية، ساعدت في تغيير الرأي العام الأمريكي حول السعوديين.

وينظر الكونغرس الآن في قرار لحث الرئيس على إنهاء الدعم الأمريكي لحرب المملكة في اليمن.

لكن، سواء عن قصد أو بدون قصد، فإن مناوئي الرئيس دونالد ترامب ربما يساعدون الإيرانيين على كسب الحرب في واشنطن رغم تجرعهم الخسارة في اليمن.

لكن الزخم الدبلوماسي الذي تتمتع به طهران في واشنطن، قد يثنيها عن حث حلفائها الحوثيين على تسوية مطالبهم على طاولة السلام.

في الحقيقة، لا يدرك أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، أن إشعال قضية مقتل ناشط سعودي بهذه الطريقة، ما هي في الواقع إلا إطالة لاستعراض رعب إنساني في اليمن، في حين تغيب هذه الاعتبارات والمظاهر لدى المشرعين.

الولايات المتحدة محظوظة بوجود شركاء استراتيجيين إقليميين قادرين في السعودية والإمارات والدول العربية السنية التي لها مصلحة مشتركة في مواجهة طموحات إيران التهديدية، وهو أصل يجب الحفاظ عليه.