مليشيات الحشد الشعبي تضحي بالعراق

عرض برايان هوك المبعوث الأميركي الخاص لإيران تقريره على أعضاء الكونغرس الأميركي متطرقا إلى الشأن العراقي وتفاقم دور ميليشيات الحشد الشعبي الخاضعة لتوجيهات الجنرال قاسم سليماني وأوامره، بعد أن تمكنت من فرض وجودها في السياسة وفي البرلمان وأصبحت تتخذ القرارات المتعلقة بالدولة التي تعاني من الهشاشة أصلا وبما يتجاوز، من ناحية أخرى، قدرات القوات المسلحة النظامية والأجهزة الأمنية الرسمية. برايان تحدث عن أهمية حصر السلاح بيد الدولة وعدم فتح المجال أمام الحشد الشعبي لترسيخ النفوذ الإيراني في العراق.
 
هذه الطروحات تعني أن العراق ضمن اهتمامات أعلى المؤسسات البحثية والتشريعية الأميركية، وأن مستقبله أصبح مرتبطا ببقاء الميليشيات أو زوالها من المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بصريح العبارة إما العراق وإما الميليشيات الإيرانية.
 
بعد تجارب السنوات الماضية وتحديدا منذ سنة 2011، بعد انسحاب القوات الأميركية، استفردت الميليشيات بالعراقيين وجربت فيهم كل نوازع مشروع الفتنة والتهجير وإهانة وتسقيط مفاهيم السلم الأهلي، وتجرأت على حرماتهم واستقرارهم ودمائهم بترويج الشعارات الطائفية ورايات انتقامهم.
 
كان استدراج تنظيم داعش الإرهابي في نيات مشروعهم لاحتلال ثلث مساحة العراق بتلك المهزلة التي ما زالت بعيدة عن قبضة التحقيقات والعدالة الدولية رغم الفضائح والوثائق وشهود العيان والأدلة، إلا أن القائمين عليها من سياسيين وقادة أمنيين ظلوا بمنأى عن الحساب بل إنهم ما زالوا يتصدرون المنابر السياسية للأحزاب والميليشيات.
 
ثم جاءت مرحلة ما بعد الاتفاق النووي مع الدول الست وهنا التقطت ولاية الملالي الاتفاق وتعاملت معه بمثابة تفويض لها بالتمدد في العراق والمنطقة، وعلى مستوى ما أسست له من فوضى ومتغيرات سكانية مستغِلة ورقة إرهاب تنظيم الدولة والإبادات والانتهاكات في تبرير المجازر الطائفية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني بتعبيد طريق طهران إلى البحر المتوسط.
 
طريق له من الإسقاطات التاريخية لولاية الفقيه ما يعيدنا إلى التدقيق في المشروع الإيراني الذي اتضحت معالمه للعراقيين أولا، ثم إلى أمتنا العربية عندما أشهر ملالي طهران سيطرتهم على أكثر من دولة ظنا منهم أن الاتفاق النووي سيوفر لهم مساحة زمنية كافية لاحتلال المزيد من الدول العربية.
 
لكنهم لم يتحسبوا لمتغيرات السياسة الدولية، وتجاهلوا ردة الفعل عند شعوب المنطقة وإراداتهم المستقلة، لذلك كانوا سادرين في غيهم انطلاقا من متبنيات وتصورات ثورة الخميني منذ بواكير شهورها الأولى باعتبار قم وطهران مركزا للثورة الإسلامية استنادا إلى برنامج دعائي أكل الأخضر واليابس في طريقه لترسيخ فكرة حماية الثورة بتشكيلات الحرس الثوري، ثم بتعميم الولاية في الخارج، دون النظر في مخاطر تهديم الحدود السياسية للدول عندما اندفعت الطموحات إلى تشكيل فيلق القدس التي أثبتت التجارب أن خط سيره يتجه إلى احتلال مكة وكعبة المسلمين وعلى أشلاء المدن العربية التي مر بها وارتكب فيها ما يرقى إلى الجرائم ضد الإنسانية.
 
العراق الذي تجتاحه الحرائق الإيرانية، يراد له أن يكون خط الدفاع الأول في الصراع مع الولايات المتحدة حيث أعلنت الميليشيات عن ولائها المطلق لولاية الفقيه على حساب العراق عندما لم تلتفت إلى التحذيرات الأميركية التي حملها مايك بومبيو بعدم السماح للأذرع الإيرانية بتجاوز الخط الأحمر للمصالح الأميركية رغم التعهدات الحكومية وأيضا زعماء الميليشيات بعدم استخدام العراق منصة لإيران.
 
تم خرق التطمينات بصواريخ طالت بداية السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وبما حصل من تداعيات ومواقف وتشتيت إعلامي حاول التغطية على إطلاق صاروخ الكاتيوشا بنظرية الطرف الثالث، التي سرعان ما أخفقت في تغطية صواريخ الميليشيات على الشركات في حقول نفط البرجسية أو الرميلة في البصرة، وقرار الشركات الكبرى إجلاء كبار موظفيها بعد أيام من إعادتهم بتأكيدات الحماية الزائفة، عدا عن الصواريخ التي انهالت على قاعدة التاجي وقاعدة بلد ومقر القصور الرئاسية في الموصل.
 
ميليشيات الحشد الشعبي رغم أنها مدعومة بقانون من برلمان العراق وبخضوعها لصلاحيات رئيس الوزراء وبما تحظى به من سند فتوى المرجعية المذهبية، إلا أنها تحولت إلى رهان وجودي إما على مستقبل العراق والعراقيين، وإما على عراق تطحنه الصراعات والإملاءات الخارجية لطموحات ولاية الفقيه أو مصالح نفوذ الدول الكبرى.
 
عندما يتحدد مصير العراق بحلّ الميليشيات من عدمه تكون الرئاسات الثلاث والأحزاب والمرجعية المذهبية على محك مسؤولياتها بإنقاذ العراق من الفك المفترس لولاية الفقيه التي تسعى لابتلاعه وتقديمه قربانا للأمن القومي الإيراني، رغم أنها فعلت ذلك منذ اليوم الأول للاحتلال، والأصدق أن ذلك كان من أهداف ثورتها منذ فبراير سنة 1979.
 
المؤسف أن الكثير من الشخصيات السياسية في العراق ما زالت تؤشر للإرهاب وتصفه بالإرهاب القادم من دولة جارة دون أن تسمي النظام الإيراني الذي يتفاخر بامتلاكه النفوذ على القرار السياسي والبرلماني والحكومي والأمني وما بين يديه من رعب الميليشيات.