"ليست مجرد أخطاء".. تقرير يوثق انتهاكات "الجندرما التركية" بحق السوريين

تشهد الحدود السورية- التركية تصاعدا في الانتهاكات التي ترتكبها قوات "الجندرما" التركية بحق السوريين، سواء أولئك الذين يريدون العبور عبر طرق التهريب أو آخرين يعيشون بالقرب من الجدار الفاصل، الذي أنشأته تركيا منذ سنوات وأعلنت استكماله مؤخرا.  

وفي تقرير حديث وثقت منظمة حقوقية تركية عدة انتهاكات ارتكبتها قوات "الجندرما" بحق سوريين خلال الأشهر الماضية، وبالأخص الأطفال، محذرة من أن تفضي هذه الممارسات إلى وقائع استفزازية للمواطنين السوريين.  

وأشارت منظمة "مظلومدير" في تقريرها، الذي وصلت نسخة منه لموقع "الحرة"، إلى "ضرورة إيقاف حالات العنف على الحدود السورية- التركية، والتي من شأنها أن تكون بمثابة وقائع استفزازية للسوريين". 

وتناول التقرير المطول عدة انتهاكات في الأشهر الماضية، منها حادثة إصابة الطفل (أ.ح) في 21 من مايو الماضي أثناء لعبه مع مجموعة صبية بالقرب من جدار العزل الحدودي في منطقة مخيم الكرامة.  

كذلك واقعة مقتل الشاب (ح.ف) في 31 من شهر مايو الماضي، بعد تعرضه للضرب المبرح من قبل قوات "الجندرما" في أثناء محاولته العبور إلى الأراضي التركية، وتركه على مدخل معبر العلاني (القسم السوري). 

ولفت التقرير إلى واقعة أخرى، حيث أصيب الطفل (م.ج) بعد إطلاق النار عليه بينما كان يرعى الأغنام في قرية القامشلية الحدودية، وذلك في الثالث من شهر يونيو الحالي.  

والوقائع المذكورة وثقتها منظمات حقوقية على عدة فترات، وفي إحصائية غير رسمية لها، قتل ما لا يقل عن 500 مواطن سوري على الحدود برصاص "الجندرما"، والتي تنتشر في مخافر ونقاط عسكرية على طول الجدار الفاصل بين سوريا وتركيا. 

"ليست مجرد أخطاء" 

ورغم أن الانتهاكات التي تمارسها قوات حرس الحدود التركية ليست بجديدة بل تعود إلى أعوام سابقة، إلا أنها تصاعدت بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين، في أبريل ومايو الماضيين.  

والنقطة اللافتة في تلك الانتهاكات هي أنها باتت تستهدف مواطنين سوريين داخل أراضيهم الممتدة على طول الجدار العازل، بمعنى أن رصاص "الجندرما" لم يعد يقتصر على ضبط عمليات التهريب في الداخل التركي، بل تعدى ليصل إلى الطرف الآخر من الحدود.  

ولا تعلق الحكومة التركية على الانتهاكات التي تنفذها قوات الجندرما. 

لكنها، في المقابل، تقول إنها تسعى لضبط عمليات التهريب إلى داخل أراضيها، وخاصة العمليات التي يمر عبرها "إرهابيون" من تنظيم "داعش" و"حزب العمال الكردستاني".  

وقالت منظمة "مظلومدير" في تقريرها "إن هذه الأحداث والوقائع بدأت تجذب انتباهنا، نظرا لتكرارها المتزايد في الآونة الأخيرة. هي وقائع فردية ومحدودة وكان الأطفال في بعض الأحيان ضحاياها". 

وأضافت المنظمة الحقوقية: "مع ذلك لوحظ أن تلك الوقائع تحدث بشكل عام حول نقاط المراقبة والمعسكرات الواقعة خارج الجدار الحدودي، والبعض منها كانت في المراعي والأراضي الزراعية". 

واعتبرت المنظمة أنه "مهما كانت تلك الأخطار والتهديدات فذلك لن يكون مبررا لاستهداف الأطفال الأبرياء والذين يتواجدون مع أسرهم في ظروف معيشية قاسية. هذه الأحداث هي بمثابة انتهاكات خطيرة للغاية ولا يمكن وصفها بأنها مجرد أخطاء". 

وانتقدت المنظمة بشكل غير مباشر طريقة تعاطي الحكومة التركية مع انتهاكات قوات حرس الحدود، وتابعت: "عدم الاهتمام بمتابعة هذه الانتهاكات سيشكل حتما استفزازا شديدا للمواطنين السوريين المتواجدين في تلك المناطق". 

"التهريب مستمر" 

بحسب ما تقول مصادر إعلامية من ريف إدلب في تصريحات لموقع "الحرة"، فإن التهريب عبر الجدار الحدودي بين سوريا وتركيا يكون غالبا من قبالة قرى حارم وكفرلوسين ودركوش والدرية (خربة الجوز). 

وتعد هذه الطرق غير آمنة على الإطلاق، حيت يقوم حرس الحدود التركي باستهداف العابرين بالرصاص الحي بشكل مباشر، كما يتم احتجازهم وترحيلهم إلى إدلب عبر معبر باب الهوى بشكل فوري، بحسب ذات المصادر الإعلامية. 

وفي تقرير سابق قالت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، إن تكلفة العبور من طرق التهريب تتراوح بين 300 إلى 500 دولار أميركي. ويتم اقتطاع مبلغ 25 إلى 50 دولارا منها لـ"هيئة تحرير الشام" مقابل "وصل عبور" من المناطق التي تسيطر عليها.  

ووثقت المنظمة الحقوقية المذكورة، في مارس الماضي، مقتل طفلين وشاب برصاص قوات حرس الحدود التركي خلال شهري يناير وفبراير الماضيين، حيث أطلقت الأخيرة النار مباشرة على طفل أثناء وجوده في مزرعة عائلته ضمن الأراضي السورية، دون معرفة السبب المباشر لذلك الاستهداف. 

في حين قتل طفل وشاب أثناء محاولتهم العبور بطريقة غير شرعية إلى داخل الأراضي التركية. والشاب هو باسل محمد حاج موسى، الذي ينحدر من بلدة بزابور في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.  

من الغرب إلى الشرق 

ولا تقتصر الانتهاكات على بقعة معينة على طول الحدود السورية- التركية، بل تشمل جميع المناطق، بدءا من حدود محافظة إدلب، ووصولا إلى شمال وشرق سوريا، في منطقة "نبع السلام" التي سيطر الجيش التركي بموجبها على مساحة جغرافية طويلة تمتد بين مدينتي رأس العين وتل أبيض بريف الرقة.  

وفي أبريل الماضي قتل الشاب "علي خلف هارون المسرب" من قبلية الجبور بريف محافظة الرقة على أيدي "الجندرما" في أثناء محاولته دخول إلى الأراضي التركية.  

وفي ذات الشهر قتلت امرأة إثر تعرضها لإطلاق رصاصة قناصة بالقرب من الجدار الحدودي، وذلك أثناء عملها في أرض زراعية حدودية وبأجر يومي. 

وتقدمت منظمة "مظلومدير" بمقترحات ورؤى مقترنة بالممارسات المذكورة. 

وقالت في تقريرها "إن استمرارها قد يخلق سلوكيات وردود أفعال لدى المواطنين السوريين الموجودين في تلك المناطق. هذه السلوكيات قد تهدد سلامة وحياة المتطوعين الأتراك العاملين في المنظمات غير الحكومية والطواقم الطبية والعناصر العسكرية المتواجدة في نقاط المراقبة التركية". 

وأضافت: "لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تلك الانتهاكات وبدء تحقيق فعّال في حوادث الوفيات ومساءلة ومعاقبة المسؤولين عن تلك الوقائع، وتقديم الدعم لأسر الضحايا والتخفيف من مصابهم".