الفساد وتهادن قوى النفوذ.. حرب أخرى تعصف باليمنيين

حينما تتهادن قوى النفوذ والفساد، ويتعانق تجّار الحروب خلسة عن الضمير والإنسانية، هُناك شعب يقتات الجوع. وفي اليمن نموذج حي ممن يسوّقون الجوع لشعبهم بأنه ضرورة وتضحية، وأن ارتفاع قيمة كسرة الخبز إلى خمسة وسبعة أضعاف ما كانت عليه سابقاً، ومثلها وأضعافها بقية الأساسيات التي يمكن لها أن تضمن له البقاء على قيد الحياة، ليس أكثر، حتّى بات يتكبّد جرعاً شبه شهرية.

تشهد أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية ارتفاعاً مستمراً، تراوحت خلال الشهرين الأخيرين، لا سيما شهر رمضان الجاري أبريل/ نيسان 2023م، بين (10-15) في المئة. في معاناة متجددة تضاف إلى تفاقمات أفرزتها سنوات الحرب الثماني.

وأكد سكان محليون في مدينة عدن لوكالة خبر، أن سعر الكيلوجرام للسكر والدقيق بلغ في أغلب المحال التجارية 1100 ريال (زيادة 200 ريال)، و4 لترات زيت نباتي ذات الجودة الأدنى بـ10 آلاف (زيادة ألفي ريال)، وعلبة زبادي صغير 200 جرام بـ400 ريال، وضعف القيمة للحجم المضاعف، و450 ريالا لحليب الحلويات والشاي حجم 125 مل.

ومع أن التجّار يرجعون ارتفاع أسعارها إلى استيرادها من خارج البلاد بالعملة الصعبة، إلا أن استقرار العملة المحلية -مؤخرا-، لم يعفها من ذلك، بما في ذلك المنتجات المحلية. بل على العكس من ذلك، حيث يقوم التجار باخفائها من السوق، وعدم استيراد البديل، لتعمّد افتعال أزمة نظرا لحاجة المواطن الملحّة لها. هذا ما يؤكده مصدر عامل لدى أحد تجّار البيع بالجملة.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لوكالة خبر: هناك تنسيق دائم بين كبار البيوت التجارية ورجال الأعمال المستوردين، وشركات الصرافة، عبر مجموعات في تطبيق واتساب، بتخادمات واسعة تشمل المضاربة في السوق والتلاعب بتوفير السلع، والأخيرة تتم من خلال إخفاء منتج معيّن حتى نفاد بديل آخر، وهكذا..

في ذات السياق، يقول سكان متواجدون في عدن، التي تمثل أنموذجا لطبيعة الحياة المعيشية في المناطق المحررة، إن سعر قطعة الصابون 75جم 400 ريال، بزيادة 100 ريال، و1800 ريال لنحو 750جم -أقل من كيلوجرام- صابون مسحوق الغسيل، وفي الغالب ما تكون مثل هكذا منتجات محلية اسعارها خيالية، لسببين، احيانا اختفاء البديل الخارجي الموازي إما بالجودة أو السعر.

جرع تدريجية

ومن خلال عملية رصد سريعة، تبيّن عدم تراجع أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية عند كل تعاف أو استقرار لقيمة العملة المحلية، باستثناء توقف لحظي لتعاود الارتفاع ببطء. وهو ما يرجع أسبابه مراقبون اقتصايون، إلى استغلال البيوت التجارية للمستهلكين مع كل تعاف للعملة، تمهيدا لجرع تدريجية لا يستعشرها المواطن إلا بعد مرور أسابيع أو أشهر.

وأوضحوا، أن الأسعار قبل 7 أسابيع من الآن تختلف عن ما قبلها أيضا، وعن العام الماضي، وكذلك عن العام الأول من الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر/ ايلول 2014م، حيث سجلت خلال الثماني سنوات الأخيرة ما تتراوح نسبته بين (500- 600) في المئة في الدقيق والقمح والسكر والارز وبعض الأساسيات الأخرى، وما تتراوح بين (1000- 1500) في المئة في بعض الاحتياجات الأخرى من بينها البقوليات، البيض، الاجبان، والخضار والفواكه.

وأصبحت الحرب بالنسبة للكثيرين تجارة رابحة بطريقة وأخرى، وديمومتها والحفاظ عليها باتت ضرورة ملحّة بالنسبة لهم. حيث كشفت تقارير عدة عن تأسيس نافذين في الحكومة خلال السنوات الثماني، شركات دولية، وامتلاك عقارات في عدد من البلدان. وهي الحالة التي لا تختلف بالنسبة لقيادات الصف الاول والثاني لمليشيا الحوثي الارهابية المدعومة إيرانياً. ولذلك وقفت وتقف قوى النفوذ في الجانبين ضد الاستقرار وإنهاء الحرب، حتى وإن أظهرت غير ذلك.

رقابة حكومية غائبة

الرقابة الحكومية الغائبة، أو المغيّبة، باتت شريكا في مضاعفة معاناة الملايين، لا سيما واي تبرير لها قد يؤخذ في عين الاعتبار في شهر أو عام ما. أمّا طيلة 8 سنوات فلم يعد مقبولا، بقدر ما هو إدانة، سيما بعد أن ادينت بالفساد المالي قبل الإداري، حيث كشف تقرير أممي سابق عن ضخ مئات ملايين الدولارات لبيوت تجارية يمنية من وديعة سعودية سابقة لدى البنك المركزي اليمني، لغرض دعم المواد الغذائية وتخفيف المعاناة، إلا أنها ذهبت أدراج الرياح.

وبحسب الاقتصاديين، فإن هذه الإدانات ومثلها فضائح التعيينات بالمحسوبية في مناصب هامة في البنك، وتورط شبكات مصرفية بالمضاربة المستمرة، في تهادن وزارة الصناعة ومكاتبها ورئاسة الحكومة مع الفاسدين والمتلاعبين.. جميعها انعكست كليا على الأسعار ومعاناة المواطنين الذين باتت رواتبهم الحكومية لا تفي بقيمة كيس قمح وقطعة زيت واسطوانة غاز منزلي، أما الذين لا يمتلكون رواتب فأوضاعهم أسوأ بكثير.

وجددوا تحذيراتهم من مستقبل مجهول ينتظر ملايين المواطنين الذين يعيشون أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، بحسب تقارير منظمات أممية، في ظل تغول الفساد ومنظومته التي تعيق أي إصلاحات ما لم يتم محاسبتها ومعاقبتها وفق القوانين، لتكون عبرة للبقية.