معهد "انتربرايز" الأمريكي: على واشنطن ان تضغط لخروج السعودية من اليمن قبل المفاوضات

وعود إدارة ترامب لبذل المزيد من الجهد ضد داعش والقاعدة في جزيرة العرب، وإيران أكثر من سابقتها. ويبدو اليمن، وبشكل غريب، المكان المثالي للبدء بتنفيذ تلك الوعود.
 
هاجمت قوات الحوثيين وحلفاؤهم سفن التحالف بقيادة السعودية في الساحل اليمني ووسع تنظيم القاعدة بشكل كبير قاعدته في اليمن، وأنشأ داعش موطئ قدم صغير هناك. الولايات المتحدة لديها بالفعل شركاء على الأرض من خلال التحالف الذي تقوده السعودية، يقاتلون الآن على جانب واحد في الحرب اليمنية. يبدو أن أهداف المملكة العربية السعودية في اليمن تتماشى بشكل وثيق مع المصالح الأمريكية. ولكن استعانة المملكة العربية السعودية بسياسة الولايات المتحدة، عن طريق إدارة ترامب، هو نفس الفخ الذي سقطت فيه كل من إدارة أوباما وبوش. بدلا من ذلك، على الولايات المتحدة رسم مسارها الخاص في اليمن بشكل صحيح حتى يمشى عليها حلفاؤنا.
 
الانحياز الأميركي مع قوات التحالف الموجودة في اليمن يبدو وكأن سياستها واضحة للوهلة الأولى. يبدو – للوهلة الأولى- أن حكومة عبد ربه منصور هادي، شريك جيد ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش وحركة الحوثي المدعومة من إيران. زادت عمليات مكافحة الإرهاب ضد القاعدة في جزيرة العرب تحت حكم هادي قبل الحرب. يسعى التحالف الذي تقوده السعودية لإعادة حكومة هادي من الحوثيين ويدعي التحالف أنه يحارب القاعدة في جزيرة العرب. طلب السعوديون مؤخرا دعما إضافيا من الولايات المتحدة، بما في ذلك الذخائر الموجهة بدقة، لحربهم في اليمن.
 
تعمل الأمم المتحدة من خلال المفاوضات لاستصدار قرار سياسي. ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة دعم قوات التحالف التي تقودها السعودية والأمم المتحدة في جهودها. صحيح.. أليس كذلك؟
خطأ.. هادي ليس شريكا جيدا في مكافحة الإرهاب. في الحقيقة، هادي لا يقاتل القاعدة أو تنظيم داعش، في الواقع، عمل هادي بشكل ضمني مع القاعدة في بعض المناطق. كما انه يفتقر الى الشرعية حتى بين أولئك اليمنيين المنحازين معه ضد الحوثيين. الحوثيون ليسوا أداة إيرانية، كما يدعي البعض. سعي الرياض للسلام الذي يستثني الحوثيين من أي مشاركة حقيقية في الحكومة المستقبلية سيدفعهم نحو أحضان طهران.
 
تسعى الأمم المتحدة إلى اتفاق سياسي لن يدوم. تتفاوض، بشكل واضح نيابة عن الرياض، بين سماسرة السلطة الذين لا يحظون في الواقع لولاء اليمنيين من جميع الاطراف. تجاهلت الأمم المتحدة المظالم الأساسية والصراعات المحلية التي ولدت الحرب في المقام الأول. ولذا فإن دعم هذه الجهود سوف يؤدي إلى الفشل حتماً.
 
لا أحد يفوز اليوم بهذه الحرب في اليمن. لم تتغير العمليات البرية للتحالف الذي تقوده السعودي في الخطوط الأمامية في الحرب في العام الماضي. استراتيجية التحالف والحكومة اليمنية، كانت بكل تأكيد مدمرة للسكان. كما ان عزمها للسيطرة على كامل سواحل البحر الأحمر - والتي قد تعزل حركة الحوثي- صالح في شمال ووسط اليمن - سوف تؤدي بكل تأكيد إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية.
 
المستفيديون الوحيدون من تلك الاستراتيجيات الرعناء، سيكونون فعلا، أعداء أميركا: القاعدة، وداعش، وإيران.
 
استعاد القاعدة في جزيرة العرب الأراضي التي خسرها الربيع الماضي واستمر في القتال إلى جانب الميليشيات المحلية (التي تقاتل الحوثيين وصالح) في مقدمة الصفوف الامامية. يحتفظ تنظيم داعش ببصمة صغيرة، ويمكنه التوسع. كما نما النفوذ الإيراني مع الحوثيين. تحتاج الولايات المتحدة لقيادة الجهود الرامية لإنهاء الحرب لمنع المزيد من المكاسب التي يجنيها خصومها.
 
إنهاء الحرب بشروط مقبولة للولايات المتحدة يتطلب توجيه المملكة العربية السعودية للتخلي عن هدفها من إبادة أي شبح من النفوذ الإيراني في اليمن عن طريق سحق الحوثيين. يجب على الولايات المتحدة الضغط على الحوثيين لقبول عروض معقولة في المفاوضات، والسلام في نهاية المطاف. يجب على أمريكا الدفع بشركائها للتركيز على هزيمة القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم داعش الوليد، بدلا من ابرام صفقات مؤقتة معهم لدعمهم ضد الحوثيين وصالح كما فعل هادي في وسط اليمن، أو ببساطة تجاهل وجودهم على أرض المعركة. كما على الولايات المتحدة أيضاً، بذل مزيد من الجهود للتوصل لحلول العديد من الصراعات المحلية المتجاهلة، التي تسرع من انهيار أي تسوية على المستوى الوطني.
 
هزيمة القاعدة في جزيرة العرب
 
شركاء الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في اليمن، هادي وقوات التحالف التي تقودها السعودية، ينظرون إلى القاعدة كعدو أقل في اليمن، إن لم يكن عدوا على الإطلاق، وكانت أولويتهم هزيمة التحالف الحوثي-صالح. تتسامح قوات التحالف التي تقودها السعودية بشكل كبير، وجود القاعدة على أرض المعركة، لطالما تحارب الجماعة ضد قوات الحوثي-صالح. على الرغم من أن الإماراتيين شنوا حملة مكثفة لطرد القاعدة من الاماكن التي تحتلها الامارات في جنوب اليمن في عام 2016، لكن الهجمات الإماراتية توقفت. ذلك أدى بالقاعدة الى الغوص داخل سكان اليمن وأنشأ ملاذات آمنة له داخل المجتمعات السكانية.
 
في الواقع، شكل تنظيم القاعدة عاملا مهما لبعض الميليشيات المحلية في المعارك ضد قوات الحوثي-صالح. كما وفر التنظيم المال والسلاح والتدريب والموارد لهذه المليشيات الموالية للتحالف وحكومة هادي، ومن خلال ذلك، استطاع أن يبني قاعدة شعبية أوسع. حتى أنه تلقى دعما ماليا من حكومة هادي من خلال سلسلة من العلاقات المشبوهة، لقيادة صفوف خطوط المواجهة الأمامية، ضد قوات الحوثي-صالح في البيضاء، حيث وقعت الغارة الأمريكية الأخيرة الفاشلة.
 
يجب على الولايات المتحدة تقديم شبكة دعم بديلة للميليشيات المحلية لكسر العلاقة مع تنظيم القاعدة الإرهابي، وينبغي تشجيع الشركاء مثل الإماراتيين بفعل الشيء نفسه، والضغط على الاطراف للعودة الى طاولة المفاوضات.
 
إعادة مواءمة أهداف السعودية ضد الحوثيين
 
الحوثيون لا يمكنهم تأسيس دولة مثل "حزب الله" على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، على الرغم من مخاوف الرياض. تحتفظ قيادة الحوثيين باستقلالها عن إيران وتجاهلت تصريحات طهران مرارا وتكرارا، ما يدل على أنها حركة استقلالية. كما أن حركة الحوثيين ليست قوية كما يدعي البعض. يعتمد الحوثيون بشكل كبير على الشراكة العملية مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي حاربهم ستة حروب. كما سمحت موارد وقوات الرئيس صالح العسكرية، الحوثيين الحفاظ على مواقعهم وراء قاعدة الدعم التقليدية في شمال اليمن. وهي ليست "حزب الله" في جميع أنحاء البلاد، ولا يمكن أن تصبح واحدة.
 
يشكل الحوثيون مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة، كالهجمات في عرض البحر الأحمر. هذه الهجمات خدمت المصالح الإيرانية أكثر بكثير مما خدمت الحوثيين. ولذا يجب على الولايات المتحدة أن ترسل اثنتين من الإشارات واضحة: أولاً، أن تعترف بمظالم الحوثيين ودعم دورهم في الحكومة اليمنية في المستقبل. ثانياً، فصل الحوثيين عن إيران، أو على الأقل العديد منهم إذا أمكن، بدلا من محوها من الوجود. هذا النهج يتعارض مع استراتيجية الرياض الحالية، والتي تسعى إلى هزيمة الحوثيين بشكل كامل، واستبعادهم بشبه كامل من السلطة والنفوذ. هذا الحل لن يكون مستقرا، حتى إذا تحقق مؤقتا.
ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة الضغط على السعوديين التخلي عن الشروط الحالية وإسقاط قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي ينص على نزع سلاح قوات الحوثي - صالح والانسحاب من جميع الأراضي قبل البدء بالمفاوضات. هذه المتطلبات هي بمثابة استسلام غير مشروط للحوثيين وصالح. التمسك بمثل تلك الشروط سيطيل فقط الصراع الذي يضر بالجميع. تقديم الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح، للحل السياسي المقبول مع الاستمرار في اعتراض الدعم الإيراني هو أفضل وسيلة لإنهاء الصراع على نحو حل مرضٍ ومستقر.
 
معالجة المظالم لتعزيز السلام
 
يجب على الولايات المتحدة أن تدرك ان الحلول قصيرة الأجل في اليمن هي التي حافظت على المظالم نفسها التي أدت إلى اندلاع الحرب في المقام الأول. بدلا من استراتيجية مكافحة النفوذ الإيراني أو مكافحة الإرهاب، يجب على الولايات المتحدة وضع استراتيجية للبدء بمعالجة تلك المظالم التي اختطفها القاعدة والحوثيين.
 
حل الصراع السياسي الوطني ليس كافيا. الحرب اليمنية، تورطت الآن في الحرب الإيرانية-السعودية، وامتدت إلى داخل الصراعات المحلية أيضا. التحالف الخليط ضد تحالف الحوثي- صالح، تمزق بسرعة بسبب مسألة السلطة. كما أن جميع القوى الرئيسة لن تدعم هادي للرئاسة، وعدد قليل سيدعم عودة الدولة المركزية اليمنية كما كانت. كما انه في حال حل الحرب مع الحوثي- صالح، فإن الميليشيات الجنوبية الانفصالية ستطرد حكومة هادي. وعلاوة على ذلك، فإن التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية في اليمن سيطيل من عدم الاستقرار. اليمن تحتل المرتبة الثانية بعد سوريا من حيث سوء الظروف الإنسانية.
 
يجب على الولايات المتحدة البدء في قيادة جهود المصالحة على مستوى الدولة لحل الصراعات المحلية. كما يجب أن تدعم إنشاء قنوات مباشرة لمعالجة المظالم المحلية، وكذا بدء مناقشات حول مستقبل الحكومة المركزية اليمنية. لا ينبغي على الولايات المتحدة العمل بذلك لوحدها. فهناك المنظمات غير الحكومية على أرض الواقع التي تستطيع بالفعل تحديد نقاط النزاع، ويمكن للشركاء مثل المملكة المتحدة المساعدة في التوسط لحل النزاعات.
 
ببساطة، التورط أكثر في الحرب اليمنية من خلال زيادة الدعم العسكري الأمريكي لقوات التحالف التي تقودها السعودية، سوف يتسبب فقط في فشل حقيقي لشركائنا وبشكل أسرع وستُسقِط الولايات المتحدة في الطريق الخطأ. وبينما يُضخم السعوديون من التهديد الإيراني في اليمن، لم يفعلوا حتى القليل لمكافحة تنظيم القاعدة وداعش في اليمن.
 
يجب على الولايات المتحدة ترتيب شركائها لفهم المعركة، وتوجيه جهودهم نحو مصالحنا الأمنية الحيوية الوطنية، والتي تشمل تهدئة الحروب الإقليمية مثل الصراع الإيراني السعودي في اليمن وأماكن أخرى. زيادة الدعم الأميركي للتحالف القائم في اليمن، لن يقوي سوى أعدائنا ودفع الحوثيين أقرب إلى أحضان طهران.
 
صحيح، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتخلى عن شركائها في التحالف الذي تقوده السعودية. لكن يجب أن يكون الدعم لإعادة توجيه الحملة الجوية لتحقيق الآثار الاستراتيجية بدلا من ترويع السكان لإجبارهم على الخضوع. الحصيلة العالية من الضحايا المدنيين، وتسييس التحالف وشركائه اليمنيين للمساعدات الإنسانية والاقتصاد، سيعزل السكان تماما عن التحالف وشركائه. أصبح التحالف برمته دولة منبوذة في نظر المجتمع الدولي في سعيها نحو تحقيق هذه الأساليب غير الفعالة، مما يقلل من استعداد المجتمع لدعم جهودها.
 
اعادة الانخراط الأمريكي في اليمن يجب أن يدرك بأن كلا من القاعدة وإيران تسعى لخطف المظالم المحلية لكسب النفوذ. الحرب هي مزيج مركب من عدة صراعات محلية، سمحت لأعداء أميركا بتوسيع نفوذها في اليمن. الحرب أيضا فتحت الباب أمام تنظيم داعش لبدء عملياته في اليمن. يجب على الولايات المتحدة أن تقود الجهود الرامية لحلحلة النزاعات التي تغذي الحرب. من خلال هذه السياسة، سيتم تجويع وتقليص تنظيم القاعدة وإيران من نفوذهما في اليمن.
 
*كاثرين زيمرمان: زميلة باحثة في معهد "انتربرايز" الأمريكي للدراسات والتحليلات، ومديرة دائرة البحوث في مركز Critical Threats الامريكي للدراسات والتحليلات المعمقة. ومحللة بارزة ومتخصصة بشؤون تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية واليمن خصوصا. نشرت العديد من التحليلات المختصة باليمن، في صحيفة واشنطن بوست وهافينغتون بوست، وول ستريت جورنال، وشبكة سي ان ان. حاصلة على درجة الليسانس من جامعة بيل الامريكية، في العلوم السياسية والدراسات الحديثة في الشرق الأوسط.