النهب الحوثي.. من مظروف وقسيمة إلى رسالة "SMS"
تعددت الجبايات والهدف واحد.. شعار كرست المليشيا الحوثية المدعومة إيرانياً جل جهودها في سبيله، بعد أن أصبحت تمثل بالنسبة لها ينبوعاً اقتصادياً غزيراً، في الوقت الذي تمتنع فيه عن صرف مرتبات مئات آلاف الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتها لأكثر من خمسة أعوام، ورفعها عصا التهديد والوعيد في وجه كل مُطالب ومناوئ.
لا يخلو منزل في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي من استقبال مظروف فارغ إلا من قسيمة حملت شعار المليشيا وفراغا لكتابة اسم صاحب المنزل ومبلغ مالي، وذلك لا يعني معونة مقدمة من تلك المليشيا بقدر ما هو طلب إلزامي للأهالي بتسجيل أسمائهم وتدوين أرقام المبالغ المقدمة منهم بعد إرفاقها بذات القسيمة وإغلاق المظروف بإحكام.
هكذا يقضي الأهالي حياتهم، حتى إنه بات روتينهم شبه الأسبوعي، والتفاعل معه شرط إلزامي لتجنّب تهمة "التخاذل" المشتق تعريفها بالنسبة للحوثيين من مصطلح "التخابر"، وهي التهمة المعدّة سلفا لكل مناوئي المليشيا الحوثية المدعومة إيرانيا والمعارضين لجباياتها المتعددة.
هذا ما قاله زايد صالح، خريج من جامعة صنعاء، لوكالة "خبر"؛ بعد أن باتت المظاريف المرسلة من مشرف المليشيا الحوثية في حيهم تتدفق إلى منزلهم شبه أسبوعي، طلبا للتبرع للجماعة تارة بدعم مقاتليها في الجبهات وثانية بدعم قوتها الصاروخية وطيرانها المسير، وثالثة ورابعة وخامسة.. بدعم إحياء فعاليات الامام زيد، يوم الغدير، يوم الصرخة، المولد النبوي، الامام علي، فاطمة الزهراء، يوم الشهيد، وغيرها الكثير، في تجسيد صريح لمذهبيتها الولاء الايراني وهو ما جسّده احياؤها العديد من المناسبات المتعلقة بالاخيرة ابرزها الذكرى السنوية لمصرع قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي لقي مصرعه السنوات الأخيرة بضربة جوية أمريكية في العراق.
المليشيا الحوثية، طفيليات تتغذى على دماء الملايين، وتتكاثر على معاناة المواطنين وارتفاع نسبة الفقر والأمية والمرضى، هكذا يعرفها عدد من الأطباء والممرضين في مستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء.
وأضافوا، ترفض المليشيا صرف مرتبات الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بما فيها الجهات الايرادية بعموم المحافظات، بينها مستشفيات الثورة، العسكري، الشرطة، الكويت... وغيرها، في حين قسائم التبرعات الخاصة بها تصل الى كل منزل من عاملي هذا القطاع والمواطنين ككل.
ذات الشكوى يتردد صداها في القطاع التربوي ومنتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية، وغيرها من المرافق الحكومية.
ويذكر لوكالة خبر، موظفون في وزارات السياحة، الشباب والرياضة، والاشغال العامة، ان الايرادات السنوية لصناديق تلك الجهات تبلغ مئات الملايين، وقادرة على تغطية الرواتب والحوافز والمشاريع الخاصة بتلك المؤسسات الحكومية، إلا ان المليشيا عيّنت على رأس هرمها عناصر من ذات السلالة، كرست جهودها للبحث عن ثغرات قانونية واخرى استحدثت لها قانونية موضوعة حديثا لنهب تلك الإيرادات تحت مسميات دعم الجبهات والمقاتلين والأنشطة الطائفية تذهب منها نسبة كبيرة لصالح قيادات نافذة في المليشيا.
وأفادت أن مسؤولي تلك الصناديق والقطاعات خصصوا لانفسهم مبالغ شهرية تصل حد 500 ألف ريال مقابل مرتبات وحوافز وبدل مواصلات وغيرها.
ولفتت العديد من المصادر إلى أن الجبايات الحوثية لم تتوقف عند ذلك الحد سيما بعد ان أصبحت تجد فيها مصدرا غزيرا للعائدات، فقامت باستغلال خدمات الهاتف المحمول بإرسال رسائل sms تطالب فيها التبرع عبر الرسائل القصيرة.
وتؤكد مختلف المصادر أن الجبايات الحوثية أثقلت كاهل المواطن الذي لم تستثن منه التاجر والبائع المتجول والمزارع والنحّال وراعي المواشي وغيره، وفاقمت الأوضاع المعيشية والاقتصادية في ظل تردي الخدمات واسعار مختلف أنواع السلع والمواد الغذائية بصورة مستمرة لا تبرأ كعادتها من رمي التهم على "العدوان" والرقابة الدولية على الموانئ والمطارات الواقعة في نطاق سيطرتها، سيما بعد مساعيها الأخيرة في استغلال ذلك لتهريب الأسلحة والخبراء الدوليين بعد تضييق الخناق عليها تجاه ذلك خلال الثلاثة الاعوام الأخيرة.
ويصف الكثيرون تلك الجبايات الحوثية التي لا تخلو أيضا من فرض التبرعات العينية من مواد غذائية ومواش وعسل و"نبتة القات".. بأكبر عملية نهب يتعرض له المواطن منذ عقود، ما يعيد للاذهان حقبة الحكم الاسود لبيت حميد الدين.
وأمام كل ما يتعرض له السكان في المناطق الخاضة لسيطرة المليشيا تلتزم الأمم المتحدة ومنظماتها الصمت، علاوة على تخادم المصالح بين الأخيرة والمليشيا واستنزاف المساعدات والمعونات الدولية، وفق تأكيدات تقارير دولية.
ومنذ بداية الحرب في البلاد يعاني ثلثا السكان من انعدام الأمن الغذائي، وفق التقارير الدولية، وتجاوز عدد النازحين والمهجرين من مساكنهم لـ5 ملايين نسمة، في حين تسرب آلاف الأطفال من الجنسين من الصفوف الدراسية، وأصبحوا عرضة للاستغلال والتحرش في الشوارع التي يقضون فيها معظم ساعات اليوم للعمل ومساعدة عائلاتهم في توفير لقمة العيش.